صحيفة المثقف

ذكرى المسيرة الخضراء..

سعيد توبيرقراءة في وثيقة: الجزائر والصحراء المغربية  للدكتور عبد الله العروي

يحتفل الشعب المغربي  بالذكرى الثالثة والاربعين بحدث "المسيرة الخضراء" التاريخي الذي برهن من خلاله الشعب المغربي والملك العلوي رحمه الله على تضامنه وووحدته الروحية والسياسية امام كل من تسول له نفسه العبث بوحدة المغرب الترابية واستقلاله التاريخي والسياسي.

الواقع هو ان هذه المناسبة اليوم تستدعي من الجميع مزيدا من الحيطة والحذر في تتبع تداعيات ملف قضية "الصحراء المغربية" على مستوى قرارات الامم المتحدة، التي يمكن ان تميل الى ترجيح كفة الانفصاليين في زمن عالم العولمة المتوحشة، المسكونة بالغموض والفوضى العارمة، التي اكثوت بلهيبها مجموعة من دول الوطن العربي.

في هذا السياق نقول لابناء الشعب المغربي تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم لضخ دماء جديدة في مؤسسات المجتمع المدني المغربي، والاحزاب السياسية من اجل بلورة فكرة مشروع مستقبلي جديد حول "التعبئة الوطنية" أو "بناء فكرة الوحدة الوطنية"، في مواجهة كل المتربصين بوحدة المغرب الترابية واستقراره السياسي والاجتماعي، وحقه العادل تاريخيا وقانونيا وسياسيا وثقافيا في استكمال وحدته الترابية وعلى رأسها قضية "الصحراء المغربية" في اطار التصفية النهائية لتركة الاستعمار المزدوج " فرنسي - اسباني".

 وما دامت القضية الترابية قضية تاريخية فلا نجد خيرا ما احد الوثائق التاريخية الدالة" الجزائر والصحراء المغربية" والتي كتبت في سياق حدث" المسيرة الخضراء" 1975  من طرف المؤرخ والمثقف المغربي العتيد " الدكتور عبد الله العروي". والذي  فقد عبر منذ ذلك الوقت بحكم علاقاته مع نخب الجبهة الوطنية لتحرير الجزائر، انها كانت مخطئة عندما عاكست المغرب في وحدته الترابية وان من الضروري ان تدافع المملكة بكل قوة عن وحدتها الترابية.

 ولذلك يوضح من خلال مقاله المعنون بالفرنسية" الجزائر والصحراء المغربية" ان حدث المسيرة الخضراء كان بمثابة واقعة سايكلوجية عامة:  ساهمت في عودة الوعي التاريخي المغربي الى ذاته، بعدما هضمت الذاكرة الجماعية المغربية سر استمراريتها وتفاعلها مع  روح الوحدة المركزية من خلال الكفاح والدفاع والتحرير في مغرب غربه محيطيا وشرقه متوسطيا،  ضد كل انواع الاطماع الاستعمارية التي رافقت تطور المغرب من الانحطاط الى الاصلاح. لا ننفى غزو الرومان قديما ومحاولات اللايبريين في العصر الوسيط او المد العثماني في العصور الحديثة. قل انها : روح المغاربة الجماعية. وعليه فان العروي يعتبر ان عودة المغرب الى المطالبة بالصحراء المغربية لتصفية الاستعمار الاسباني هو ما  افضى الى ملحمة شعبية وسلمية وطنية" المسيرة الخضراء"؟

لقد نوه العروي كذلك بالقيادة والفكرة والاسلوب، كما ثمن فيها جرأة الملك الحسن الثاني رحمه  السياسية والشجاعة الديبلوماسية والتخطيط الاداري التي  خاضها في تنظيم ملحمة تاريخية ووطنية اسمها " المسيرة الخضراء"  والتي اصبحت نبراسا للرأي الدولي والشعب المغربي في فلسفة  السلمية واسترجاع الحقوق بالطرق المشروعة : (تحريك 350.000 من المواطنين  بتوفير كل من النقل والتغذية والصحة في جغرافية قاحلة امام انظار العدو) ؟ وبطريقة غاية في الذكاء على مستوى التخطيط والتنفيذ تفادت المسيرة التاريخية النموذجية كل مظاهر الانحراف او العنف، انه الحدث الروحي التاريخي الذي يؤكد اهمية الثنائية السرمدية "ثورة الملك والشعب" في استرجاع السيادة الوطنية الترابية.

يتدخل التاريخ في نظره من جهة، ان حدث المسيرة هو بمثابة نفس الوضعية المشابهة لما شهده المغرب في كفاحه ضد الغزاة الايبريين في 1578، أي في معركة وادي المخازن التي ساهم فيها المغاربة من جميع الجهات لانقاده من الكارثة. ونفس الشيء وقع في 1859 عندما خرجت قوات اسبانية تريد ان تنتجع في شمال المغرب عبر استهداف مدينة تطوان، ليعلن الجهاد أي الكفاح والدفاع والتحرير حتى في الاطلس المتوسط، الذي لم يكن فيه المخزن يمارس سلطة مباشرة عليه في ذلك الوقت، ليهب المحاربون والمقاومون لرد الغزو الاسباني وارجاعه الى ادراجه.

اذن قد يسعفنا التاريخ او الذاكرة في استحضار الوطنية كتحول في الوعي الجماعي المغربي، الذي تنمحي فيه كل الاختلافات العمرية والسياسية والتقنية. ولذلك يقول: "عندما تهضم الذاكرة الماضي يصبح النسيان خطأ ". واما فيما يخص الحجج التي يعتمد عليها في طرحه حول "مغربية الصحراء" تاريخيا وثقافيا فهي كالتالي:

- فرضية "الصحراء المستقلة" غير صحيح في نظره، من جهة ان المفهوم الجغرافي لا يمكن ان ينتج "اقلية سياسية". ذلك ان واقع الحال يثبت بما لايدع الشك: ان هناك صحراء جزائرية، ليبية، تونسية، سودانية وصومالية، ولماذا فقط بناء دولة مستقلة في الصحراء الغربية المغربية مع ان هناك صحراء غربية مصرية؟

- اذا كانت اسبانيا تقر في تقاريرها ان عدد سكان الصحراء لا يتجاوز عددهم 50.000 اغلبهم من البدو الرحل. فما هي القاعدة التي ستبنى عليها دولة مستقلة ودائمة؟ واما تاخيرها عن اتخاذ موقف الجلاء كان بسبب رغبتها في الحصول على التعويض المناسب.- لم تقدر اسبانيا على رد مطالبة المغرب من لجنة "تصفية الاستعمار" بالجمعية العامة لامم المتحدة بفتوى قانونية من طرف محكمة العدل الدولية حول استرجاع المغرب لاقاليمه الجنوبية. ولذلك يرى ان السبب الوجيه الاول هو المكانة المهشمة التي كانت تحتلها اسبانيا فرانكو في الرأي العام انذاك في الامم المتحدة بسبب الجرائم التي تم اقترافها فيما يخص حقوق الانسان في اسبانيا" الحرب الاهلية"  والجرائم المقترفة في حق ابناء المقاومة المغربية.

على العموم يورد العروي في كتابه البديع" ثقافتنا في ضوء التاريخ" -ص34- فكرة مفادها - ان المغرب في التاريخ القديم قد قاوم الاحتلال البرتغالي والاسباني اذ يقول: يطرح دافيد لوبز السؤال التالي: لماذا اخفق البرتغال عندما حاول الاستيلاء على المغرب الاقصى؟ يطرح فارنداد بروديل نفس السؤال بالنسبة لاسبانيا ومحاولة استيلائها على المغرب الاوسط؟ يجيب الاثنان ان السبب هو ان كلا الدولتين واجهت اختيارا صعبا: اما احتلال البلاد بكاملها وهو ما لم تكن تسطيع تحمله نظرا للتكاليف المالية والبشرية الباهظة، واما احتلال قسم فقط يصبح في الحين معرضا لهجمات متوالية مما دفع في النهاية الى الجلاء التام-

وعليه فان المسيرة الخضراء، اعادت للدولة التاريخية المغربية ثقتها بنفسها، بعدما عاني المغرب في نظره من تقسيم لا يرحم رغم الضمانات التي منحت له من لدن الدول العظمى ومن بينها فرنسا واسبانيا في مؤتمر مدريد 1880 والجزيرة الخضراء في 1906.  ليخلص في النهاية ان الموضوع الحقيقي في لاهاي كان بالضبط هو موضوع "الدولة التاريخية المغربية".

 

الاستاذ: سعيد توبير

المملكة المغربية في 05.011.2018

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم