صحيفة المثقف

هل غادرَ الشعراءُ من متردّمِ؟

تتدفق علينا بشكل هائل وسائل الإعلام المرئي والمكتوب، ومنابع الثقافة والمعرفة بفيض من المعلومات كتدفق الشلال السريع، ونحن نقرؤها أيضا بسرعة خاطفة كخطف البرق، لكن سرعة القراءة لاتصرف أنظارنا عن رصد الأخطاء فيها، ونستشعر الإحباط من تدني وضعف بيان و قواعد اللغة العربية في بعضها سيما مواقع الصحافة العراقية.

إن أغلب الصحف تُقرأ بشكل يومي فقراءتها متيسرة لجلّ القرّاء، والمجلات تُقرأ بشكل اسبوعي أو شهري أو فصلي أو سنوي، عكس الكتاب الذي يقرؤه هواته أو من له مآرب علمية فيه. والكتاب من ناحية فصاحة وبيان اللغة محمي، لأن مؤلفه واحد، ويولي مهمة تنقيح نصوصه لذي خبرة واختصاص.

المشكلة تكمن في عدم الشعور بالمسؤولية من قبل الكُتّاب، فهم يُلقون بأثقال أخطائهم اللغوية التي تضمّها مقالاتهم على كاهل المُحرّر للصحيفة أو المجلة، ظنّا منهم أنه لديه عصا سحرية تقوّم أخطاءهم. فهم إما قاصدون ذلك مستغلين ضعف اللغة عند أغلب القراء، فكيفما تكن النصوص لاضيرَ؛

 وهذه طامة كبرى على اللغة العربية ما لم يتم تفاديها، وتعتبر عاملا أساساً في تمادي الناس مع المستوى المتدني للغة، وعاقبتها خطيرة على المستقبل اللغوي للأجيال القادمة. وإما هم غير قاصدين فهم لابثون في  غفلة أو عجز أو تقاعس عن التصدي لهذه الحالة المستشرية. بالنتيجة الصحيفة أو المجلة ستكون مشوّهة من كثرة الأخطاء التي تعتريها. والمفروض من الكُتّاب أن يعووا مسؤوليتهم بالكامل، وهم المسؤولون بالدرجة الأولى عن نصوصهم التي يقدمونها للصحيفة أو المجلة، والاّ فهي مؤامرة على اللغة العربية من داخل البيت العربي.

اللغة ليست مهمة المحرر فحسب، بل هي مهمة كل من يساهم في أي مشروع ثقافي أن يمد يد العون للغته أولا، و لنفسه ثانيا، وللمحرر ثالثا بأي صورة، لأن المحرّر لديه مايكفيه، ومسؤوليته ثقيلة.

المصداق الحي لما ذكرته؛ أن بعض مقالات الكُتّاب العراقيين التي ترد لمجلتنا محشوّةٌ بالأخطاء النحوية والإملائية لا المطبعية، ومعضلة الهمزة التي لافكاك منها، وهذه الحالة تدخلني بدوامة إرهاق لبصري وعصبي، فضلا على استنزاف لوقتي. وأغلب الأحيان أكرّر التنقيح مرتين خشية من فوات خطأ غفلة عني. على عكس المقالات التي يكتبها كتاب ٌمغاربة أو من بلاد الشام، فهي مختلفة تماما، الأخطاء فيها إما قليلة أو تكاد تنعدم، فلاتصرفني عن متابعة أفكار الكاتب، لمتانة اللغة عندهم وخلو نصوصهم من الأخطاء.

أكاد أجزم أن أفصح العرب وأكفأهم في إتقان اللغة العربية بالدرجة الأولى هم شعوب بلاد الشام، وبالذات السوريين أولا ً ثم اللبنانيين، ثم شعوب المغرب العربي (تونس، الجزائر، المغرب). لكن باقي البلدان العربية مشكلة اللغة هشة عندهم، ولما تزل.

حتى مترجمو الداخل العراقي مختلفون عن مترجمي الخارج. فمترجمو الداخل واقعون في أزمة اللغة ومشاكلها. لكن مترجمي الخارج ولاأقول كلهم، حين أقرأ لهم نصا مترجما، أتمنى أن لاتنتهي قراءته، للأسلوب العذب الذي يكتبون به، فضلا على الثقافة التي يتمتعون بها، فالترجمة هي تأليف لكن بلغة أخرى.

حين تستمع لمتحدث سوري بالأخص على أية وسيلة إعلامية، فإن فحوى خطابِه لايسترعي انتباهك بقدر الفصاحة وإناقة الأسلوب اللتين تحوكان  خطابه، وهذا مايحملك على التساؤل: سوريا جارة

 العراق لكن  لغة حوار أبنائها معها رائقة وعالية. هم يحبون أن يجلوا صورة أمهم (الوطن) لتظهر بأبهى وأجمل طلة على العالم، فهم أبناء بارون  بها.

الابناء العراقيون البارون بلغتهم (الأم) فقط الجيل القديم.

أما الجيل الجديد فهم أبناء عاقون، لايطمحون للإرتقاء بلغتهم الى سلمها الحقيقي عند بلدان الجوار.

أتذكّر جيدا قبل أربعين عاماً  كنا في درس اللغة الإنكليزية نستنكف كتابة الإنشاء الإنكليزي بالمصطلحات التي يضمها المنهج الدراسي،  فنبحث في القواميس عن مصطلحات جديدة تُحسّن صورة إنشائنا، ناهيك عن لغتنا العربية وكيف كنا نستخدم مهاراتنا اللغوية فنقرأ الأدباء المشاهير حتى يرتقي مستوى الإنشاء لدينا، مع العلم أن البحث عن المعلومة آنذاك كم كان صعبا، والحصول عليها عسيرا، جيلنا جيل المسؤوليات الجسام.

الجيل الجديد مصاب بمرض اسمه الكسل .. كسل البحث عن المعلومة المفيدة،  والتي لاتكلف سوى نقر إصبع على أداة البحث (كوكل)... جيل ليس على القدر العالي من المسؤولية.

لأجل تلافي ماذكرتُه أعلاه، هناك سبل متعددة،  منها:

كأن يقرأ الكاتب في منابع اللغة العربية وما أكثرها، سواء قراءة ورقية أم ألكترونية، ويحتفظ بنسخ من المنابع في جهازه الألكتروني، لابتوب، آيباد، آيفون.. وماشاكل؛

أو ينخرط في دورات تعليم وتقويم اللغة ؛ ليطور لغته ويرتقي بها؛

أو يوكل مهمة تنقيح مقاله لمختص باللغة؛

أو أي طريق مناسب يراه.

ورب سائل يسأل: لماذا لم يتخذ المحرر أو صاحب المشروع الثقافي كادراً لغوياً يتولى مهمة تنقيح النصوص ويخلّصنا؟

نقول : بعض أصحاب المشاريع الثقافية لديهم كادر لغوي، ولكن البعض ربما ليس لديه ذلك، لظروف مختلفة تصدّه عن التصدي لهذه المهمة.

 

ونقترح على أصحاب المشاريع الثقافية إذا كانوا قادرين على الاستعانة بكادر لغوي، أن لايبخلوا بجهودهم في ذلك، وهذه القضية أساسية ينبغي أخذها بنظر الإعتبار.  كل صاحب مشروع  يود أن  يكون مشروعه دائما بأجمل وأبهى صورة.

وعلى المتصدين للبحث والكتابة أن  يكونوا على بصيرة من ذلك، ويشحذوا الهمم،  للإرتقاء بلغتهم، فالفائدة لاتعمهم فحسب، انما الأجيال القادمة، فتقتفي أثرهم، ...وهكذا ترتقي اللغة..

الكلام الجميل هو الوجه الثاني لشخصك، ألا تحبّ أن تكون  جميلا، متميّزا، متحدثا؟، وجمال الخطاب  ينبع من ذوق المتكلم الذي من المفروض أن يظهر بأجمل وأنقى صورة، تجذب القراء والمستمعين.

سؤالنا هو: أليسَ لدى أبناء العربية حرصٌ على لغتهم، لغة القرآن من الضياع؟

ألا يحب أبناء العربية أنفسهم؟

لأن اللغة هي هويتهم.

ألا يفكرون بمسلك سبيل للخروج  بلغتهم من مأزق  حقيقي؟؛ وهي بمسيس الحاجة لطاقاتهم فلايدّخروا شيئًا منها لانتشالها من حلق المضيق وإلاّ سيقعون فيه فيكونون كما (جنت على نفسها براقش).

 

بقلم: انتزال الجبوري*

سكرتيرة مجلة "قضايا إسلامية معاصرة"*

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم