صحيفة المثقف

الرسامة سلوى الكعبي الدغري ومعرضها

462 سلوى الكعبيماذا يقول الكائن لدواخله وهو يمضي في الدروب حاملا هواجس من خطاه الأولى وذكريات وبقايا حنين لا يرتجي غير القول بالابداع كنهج عبارة وحياة أخرى لتحقيق الكيان والذات في تجليات أهازيجها وبوحها الخافت..

ان الفن بما هو ترجمان بهاء نادر يأخذ صاحبه الى مناطق من النظر والتفاعل لابراز القيمة ..تلك التي تمضي في الدهشة والأسئلة بأوجهها الجمالية والوجدانية والانسانيةحيث المجال فسحة من الابتكار والعبارات الدالة على الآخر الكامن في الذات ..هذه الذات التائهة في حلها وترحالها..

ثمة دروب من الحنين والفكرة المفعمة بالطفولة التي لا يضاهيها غير الامساك بالبياض لتأثيثه .. والقماشة هنا كون من البراءة في حوارها المفتوح بين الفنان وشجنه الدفين حيث اللون والأمكنة والمشاهد والأحوال في ضروب من هاء الدهشة وباء المحبة وهكذا...

هذا وغيره يحيلنا الى مناخات الرسامة سلوى الكعبي التي تخيرت السفر مع اللون وبياض القماشة ديدنها الرغبة في التعبير وحب الرسم واستعادة حيز من مشاهداتها وهي الطفلة من تلك السنوات الأولى تترنم بأنشودة في أزقة متداخلة من مدينة القلب..عاصمة الأغالبة..القيروان..

 

ذابت الأحلام

أي ضوء للتواريخ

من يفقه دفء دم القيروان

او يوضحها للياسمين

هي نافذة للروح اذ تتأبط حجر الرحيل الغابر

هي لغة الأوابين

العائدين الى شجر من رخام...

.......

اليك أيتها القيروان تيجان

على عتباتك الساقية

اذ تنحنين وتبوحين كالريح

لحيفا وبابل

اليك أيتها المدينة البكر

تيجان على عتباتك الساقية...

نعم ..من القيروان نهلت الفنانة سلوى الكعبي الدغري واستلهمت حكاياتها الباذخة لتسافر الى الأكوان في شواسعها وتطلق أصواتها في الأمكنة بكثير من لوعة الفن وحسرة الجمال..

الرسم شيئ من كيانها ورغبة من شديد رغباتها في تحقيق ذاتها والتعبير عن كيانها والامتلاء بوجد الناس والأشياء والعناصر ..و الأمكنة..ترسم لتحتفي بالوقت تتمدد فيه بعيدا عن قلق الروح وأثقال القلب ..

من مناخاتها تلك المشاهد التي تتنوع تيماتها وعناوينها..جربة بجمالها وخفة حالاتها وطقوسها..العاشقان تحت ضوء القمر في الموعد المحلى باللباس الجربي..العازفون وهم يهيمون بالغناء الجربي ..الناظور بشموخه في ربوع الجزيرة ..الفتاة والزورق والزهرة في ضرب من شاعرية اللحظة..الفارس في عنفوان انطلاقه على الجواد ..المرأة الجربية تعد الكسكسي في لحظة من التجلي وبهجة الدواخل ..العاشقان في الشارع الكبير تحت المظلة حيث المطر الناعم والفوانيس المتدفق نورها كأغنيات قديمة بشجنها الطافح الحلم والأمل ..العازفة تحاور الكمان وفي عينيها شييء من البراءة الكبرى..الموسيقى لغة الأكوان وعنوان من عناوين الوجد والبراءة والنواح الخافت..الموسيقى تلوين فادح في حياة الكائن وهو يلهو بأحزانه وأحلامه في كون به تداعيات وسقوط رهيب وانهيار للقيم والفنون..ثلاث نساء بجربة والمظلة حاضنة الجمال والبهاء النادر..المؤدب بوقاره وعصاه والفتية والدرس الأول في حياة العلم والتعلم والمعرفة..البحر وغربة المراكب واللون الطافح بالأسرار..البحر للسفر والتلوين والحياة والموت..البحر يحكي شيئا من حزنه للمراكب ولا شيئ غير الموسيقى الشجية..البحر ومع كل ذلك يبقى صديق طفولاتنا..نقذفه بالتحايا.. والمراكب للفرح كما للوعة التي تذهب بالكثيرين لقاء حلم كاذب.. بس يا بحر..من عناوين ذاكرتنا الدرامية حيث البحر كون مفتوح وموجوع مثل الكائنات ..لوحات أخرى هي على سبيل التكريم لفنانين عالميين فيها تحاكي الفنانة بعض أعمالهم على غرار سلفادور دالي... الى جانب عدد من البورتريهات الشخصية... الزوج رفيق الدرب والرحلة.. والأم الينابيع الأولى وحاضنة الحنان والدفء..

في هذه اللوحات وغيرها تبرز تلك المسحة من طفولة الكائن لدى الرسامة سلوى الكعبي وهي تعالج بالرسم والتلوين ما تعيشه من رغبة جامحة تجاه الذات والآخرين لتظل اللوحة عالمها الذي تيتكر حكاياته وشخصياته بكثير من عناء الرسم والابتكار والمحاكاة أحيانا..

الرسم تجوالها الخاص في حياتها بعيدا عن ضجيج الناس والأكوان.. لا تلوي مع الرسم على غير القول بنظرتها ونظرها تجاه ما تراه القيمة والمجال الملائم لتثمين الهوية والأصالة والجذور في كون متحرك ومعولم يسعى لتحويل الكائن الى متحف مهجور .. انه الاعتناء بالذات زمن السقوط ..

الرسامة الكعبي تعددت معارضها الفردية والجماعية وفي معرضها هذا بفضاء المعارض بسوفونيبه بضاحية قرطاج جمع حوالي خمسين عملا فنيا من أعمالها وهي تواصل مسيرتها مع الفن والرسم للاعداد لمعارضها القادمة..

لوحات الرسامة سلوى الكعبي الدغري بمثابة السفر الملون في درب فني تخيرته وهي مع كل لوحة ترسمها تشعر بالتجدد والرغبة في الاكتشاف فهي الرسامة التي تستمتع بالمشاهد تلتقطها بعين الوجد والحنين لتنقلها بلمساتها الملونة الى فضاء اللوحة..و هي في النهاية تلتقط أنفاسها في هذا السفر الذي تعيشه ومن محطة الى أخرى ..اليس الفن ذاك السفر الآخر..

 

شمس الدين العوني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم