صحيفة المثقف

مقطوعة مندائية من موزارت.. محكيات بطعم لوعة الأساطير

عقيل هاشمللكاتب نعيم عبد مهلهل

قطب الأرض هو دموع الأنبياء

لحظة عودة نعوش الشهداء بعربات الوردة وانخاب الكؤوس..

هكذا يرى المندائيون صورة وجودنا عندما تعيش قلق غرام النساء،،

اوخوذة الحرب أو المتفى..

إنهم صناع اللحظة

وحتما صانع أللحطة أجمل من ألف ميعاد...ص5

إن قراءة تجربة الكاتب نعيم عبد مهلهل ومن خلال سردياته المشبعة بالأساطير (الديانات المندائية) والتي تبدو طاعنة في العمق التاريخي والفني والدلالي وبإحكام سرده وتمثل البناء وأسطرة تلك الطلاسم وبأسلوبية شعرية حكاية استطاع تحول الفضاء المتخيل إلى أيقونة، أظن أن هذه المحكيات بوصفها شكلا من أشكال الكتابة الأدبية لم تعد بتحولاتها السردية نصا مغلقا بل مفتوحا فأغنى المشهد السردي إبداعا، فقد تميزت تجربته باشتغال المتخيل بطريقة خاصة يتم فيها تعجيب السرد وتوظيف السخرية والتهكم واستلهام مخزون المحكي الشفوي من القص الشعبي التاريخي..

في هذه الكتاب يستوحي الكاتب نعيم عبد مهلهل ومن خلال منجزه الإبداعي الطويل والثري ان يرسم بريشة فنان هذا التجاور بإحداثيات إنسانية (ثقافية، تاريخية) وهذا الكم الهائل من المعارف هذه اللوحة الجميلة والباذخة الالوان، تتقمص الفضح والألم والسخرية والتهكم من زاوية الاحتجاج على ما يضمره ويظهره الواقع من محكيات تتجاوز حدود التخييل بل تفرض على التخييل أن يصبح شهادة بازغة على أعطاب المجتمع، وما تحفه من أشكال العبث بالمصائر والظلم والأوهام التي تحملها شخصيات منزوعة الإرادة، هنا تتفجر لعبة الوهم والانكسار والألم عندما تتظاهر النصوص بالبساطة والبراءة لكنها تخفى عمقا أكثر ثراء عندما تنتزع القارئ من طمأنينته الزائفة لتقف به وجها لوجه أمام دهشة الحياة ومشاهدها الخانقة. يقدمها ساردها بضمير المتكلم. .

اقتباس:

في اليوم الأول، أمي لبست ثوبا ابيضا، لتقول لطباشير السبورة:أنا وأنت والملح والنوارس أبناء الطبيعة البريئة، وفي ذلك الصباح المندائي الأزرق، حملت نعش ادم وطافت فيه شوارع الناصرية تبحث عن حواء تشع الحناء على رأسه وتقبله من فمه وتهمس :خليفتك أنا ...ص31

هنا تتقاطع محكيات الكاتب ب تقديم الحياة بوصفها سلسلة من الانهيارات والتراجعات، أحلام محبطة والتي تجمع بين الكلمة والصور والنعوت التي تلامس قضايا إنسانية وحالات إنسانية . فالروح في الحاضر تحولت إلى ذكرى بفعل الخيبات والعزاء الوحيد المتبقي للإنسان هو اعادة قراءة هذه الذكريات بعد ان تعذر الوصول اليها في غربته ..أقول إن رهانات الوجود الإنساني المشدودة إلى الماضي دفعت الكاتب نحو مزيد من الدقة والحرص على صيانة عالمه عبر فضح نواقصه وكشف الصراع بين الإنسان ونفسه. ومن خلال ربط النص بالعالم

اقتباس:

على شارع من رقة الذكريات أخذت حياتي، سوية ننام في سلة عنب، وشفاه مرتعشة وبلاد تلبس الموسلين، وكما ورقة في مهب الريح، أجفاني أجنحة سنونو، من سكنة ليل الاهوار تطير الى قبر بورخيس ..قبر النبي الكفل..أضع بابل في الرؤيا ..واقرأ في التوراة أشجان أماسي ملوك قلبي ..أشور ومهرجان كان والإخوان المسلمين ...وبرج خليفة...ص59

تبدو تجربة الكاتب نعيم عبد مهلهل بشكلها الطقسي وبرمزية تشفيراته والتي تمتحنا عوالم من الواقع المحكي والغرائبي طقسا حكائيا باذخا ليحلق بعيدا بنا فوق العجائبي والأسطوري موظفا السخرية والمفارقة وتقنية التوالد الحكائي في نصوصه المكثفة والغارقة بالحنين الى مدينته البكر..

وختاما أقول هكذا هي محكياته تتقصد وعبر تقنيات الكتابة المختلفة إلى إنتاج أسئلة مختلفة حول مشاهد عبر أسطرة للأحداث وتعميق المحكي في تربة المحلي باختياره أمكنة مدينته الفاضلة والتي عصية على الجمع معها بعد غربته عنها صاغرا..

اقتباس:

عندما ينهي موزارت من تأليف قطعته الموسيقية الموسومة (لاتطلب مع القهوة قبلة في مقاهي الكحلاء)، أمي تحسبه مجنونا يهوى واحدة من طالبات الثانوية وتحت وسادته تضع قشر بطيخة يابسة وكلاما لا اعرف معناه...ص89

 

قراءة:عقيل هاشم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم