صحيفة المثقف

فنون إدارة ازمة الكوارث الأخلاقية بالمدارس

سارة طالب السهيلكانت المدراس قديما نوافذ مفتوحة للعلم والتربية معا دون انفصال لاحدهما عن الاخر باعتبارهما وجهان لعملة واحدة في تشكيل وعي الإنسان أخلاقيا ومعرفيا، كما هناك تكامل في الأدوار التربوية والاجتماعية لكل من المؤسسات الدينية والتربوية والتعليمية والاسرية في تنشئة الأجيال علي المفاهيم الحضارية والسلوكية القويمة.

وسرعان ما تبدلت الأحوال ونسيت المجتمعات العربية الحكمة في بناء الأمم وبقائها وسر خلودها كما قال الشاعر العظيم أحمد شوقي:

" وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ....و إذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما وعويلا صلاح أمرك للأخلاق مرجعه *** فقوّم النفس بالأخلاق تستقم".

فباتت العناية بالأخلاق امرا ثانويا لا تهتم به المنظومة الاسرية ولا التعليمية وترك الحبل على الغارب للأبناء يتلقون المفاهيم المغلوطة للحرية ويفعلوا ما يشاءون داخل المدارس.

يقف المجتمع العربي موقف المتفرج من أطفال هذه المدراس وهم يتدنسون بأفكار الحرية المغلوطة من تدخين وتعاطي مسكرات او رقصات ماجنة، بينما الغرب قد وضع ضوابط أخلاقية وقانونية لحماية النشء من الضياع، ومنها ان الغرب لا يسمح للطفل بالشرب للمسكرات والتدخين والمخدرات قبل سن ٢١.

وتحفل سجلات الحوادث بالصحف العربية بكوارث أخلاقية تكشف عن حقيقة ان المدراس باتت مصدر للجريمة والانحراف السلوكي، فالطفل يذهب للمدرسة ويتشرب كل أنواع السلوك المنحرف، وان المخدرات تجتاح المدراس في مصر ولبنان والإمارات وغيرها من البلدان العربية.

اعتقد ان الاسرة تتحمل الجزء الأكبر من المسئولية وغياب الوعي لديها بأهمية ممارسة دور الرقيب على سلوك أبنائها، بل ان الام تعد عنصر رئيسي في تنشئة الصغارعلى القيم الأخلاقية ومقاومة أي سلوك منحرف لديهم مصداقا لقول الشاعر:

" الأم مدرسة ان اعددتها.. اعددت شعبا طيب الأعراق "

فقد انصرفت الام الى الانشغال عن متابعة أبنائها وغرس القيم الأخلاقية في نفوسهم أما بالعمل او متابعة خطوط الموضة، او محادثة صديقاتها بالموبايل  او النت، بينما انشغل الأب هو الاخر بعمله وبأصدقائه دوره الأهم في اعتباره راعي وكل راعي مسئول عن رعيته فغاب الاب الموجه والمرشد والحامي والمدقق لسلوك أبنائه وتقويمهم.

مصادر الخطورة

رغم الانفلات الأخلاقي قد انتشر في المدراس الوطنية والأجنبية على حد سواء، غير الخطورة تشتد فجائعها في المدراس الأجنبية لأن طلابها عادة وبلا تعميم من اصحاب الدخل المرتفع وابناء العائلات المتنفذة ،و في وقتنا الحاضر على عكس السابق ؛كلما زادت الأموال والسلطة في يد الاسرة زاد معها الإهمال والتسيب والتراخي في تربية الأولاد ويكون ذلك بزيادة تدليلهم وسهولة حصولهم على الأموال وكل احتياجاتهم سواء الأولية او الثانوية مما يشعر الطفل او المراهق بالسيطرة الكاملة على نفسه ومن حوله وكأنه محور الكون ويبدا بفرد عضلاته وإثبات ذاته بداية من خلال مشترياته ومقتنياته ومن ثم يتحول الى مجرب لكل ما هو جديد وكل ما يبث في الاعلام ووسائل التواصل من صرعات تجعل منه بطلا وتشعره بالثقة بنفسه وانه اصبح كبيرا ولم يعد طفلا من وجهة نظره فكلما اشعل سيجارة يشعر وكأنه كبر عام! هذه العقلية جاءت من فراغ عقله فلو ملأت أسرته عقله بما نفع لما وجد مساحة لهذه الترهات في عقله

و لو زرع اهله ثقته بنفسه لما اضطر للجوء الى هذه الموبقات لإثبات ذاته

و لو اشغل اهله وقته بنشاطات كركوب الخيل وتعلم الموسيقى والاشتراك بمكتبة او ناد رياضي او اللعب بحديقة في الهواء الطلق او اَي هواية نافعه لما وجد الوقت لممارسة التفاهات ومشاهدة ابطال الوهم من فناني ارصفة أوروبا وامريكا

أتمنى دوما التواصل الحضاري والفني بين الشعوب وحول القارات واشجع على هذا التواصل ولكن التواصل الثقافي والحضاري وبين قوسين (فني) وليس  فن هابط لاحد المتعاطين والمدمنين لينقل تجاربه التي هدمت حياته الى ابنائنا ونحن نتفرج

فيذهب هذا الطفل او المراهق الى المدرسة لينشر بين التلاميذ حبه ومتابعته لهذه الشخصيات ويبدا التقليد الأعمى بين الطلبة

وهو ما جعل الكثير من الاسر المحترمة وان كانت مقتدرة ماديا تخشى ارسال أبنائها الي هذه المدارس، فهل سيفهم حديثي النعمه ممن لم يتعب بالحصول على أمواله انه لا يدمر ابناءه فقط بل مجتمع بأسره فهل يستوعبون انهم يصنعون جيلا من الاتكاليين الأنانيين الماديين فكيف لاتكالي ويحب المال (مادي ) في ان واحد ان يحصل على المال وهو أناني ؟

فنحن لا نصنع الفشل بل نجرهم للفساد والانحراف والجريمة

المدارس الأجنبية

للأمانة هناك مدارس اجنبية رائعه بكل المعاني واكثر التزاما من بعض المدارس العربية من حيث التربية والتعليم والتثقيف والتركيز على بناء الشخصيه والثقة بالنفس والبحث عّن المعلومة ومعرفة الذات والاهتمام بالسلوك والاداء وخوض الحياة الواقعية والتاهيل للمرحلة اللاحقة من جامعة وما بعدها وتابعت بنفسي بعض المدارس الأجنبية بمناهج قديرة ترتقي لبناء انسان من الناحية النفسيه والثقافية والعلمية

حيث ان بعض المدارس الاخرى الأهلية ربما تركز على الجانب الأخلاقي الا انها تفتقر لباقي المميزات

الا انني وانا اقرا عّن تاريخ المدارس الأجنبية وقعت عيني على هذا النص

تقرير ل(روبرت ساتلوف) مدير قسم السياسة والتخطيط في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى  حيث قال:  " إن  المدارس الأمريكية في البلاد العربية والإسلامية ليست مجرد صروح تعليمية رفيعة المستوى، بل هي سلاحنا السري في معركة أمريكا الأيديولوجية لأمركة المجتمعات العربية والإسلامية " .

فهذه المدارس انها تنحي قيم الدين الإسلامي والمسيحي والقيم الثقافية العربية الاصيلة عن الطلاب الاجتماعية والفكرية والسياسية خلال  العملية التربوية والتعلمية.

فهل كان هذا سابقا أم انه مازال مستمرا يحتاج الأعتراف هذا وقفه للنقاش..

الاسرة ودورها

لاشك ان الاسرة هي الأساس في حماية النشء ولا يقتصر دورها في ممارسة الرقابة فقط بل يمتد كما يؤكد خبراء الاجتماع بل مشاركة ابناءها في الحوار وتبادل الثقة، لإشعارهم بضرورة إشراك ذويهم في معرفة كل ما يتعرضون له من دون خوف من رد الفعل.

فاستخدام أساليب الترهيب أو بث الخوف في نفوس الأبناء بصفة مستمرة، يدفعهم إلى احتراف الكذب واللجوء إلى سلوكيات سلبية، من بينها تعاطي المواد المخدرة وادمانها.

ووفقا لتأكيدات علماء الطب النفسي وعلاج الإدمان، فأكثر الحالات عرضة للإدمان تكون لأشخاص لديهم أمهات اما افرطن في تدليل صغارهن، أو انهن بالغن في استخدام القسوة ضدهم، مما احدثا بداخلهم خللا نفسيا.

إدارة الازمة

في تقديري ان الكوارث الأخلاقية التي يعيشها طلاب المدارس العامة والأجنبية المختلطة تتطلب رفع حالة الاستنفار الأمني الاجتماعي، وهو ما يعني ان كل مؤسسات الدولة تستنفر لكي تتعامل مع هذه القضية وفقا لعلم إدارة الأزمات في إدارة المشاريع والمخاطر، فالمجتمع في هذه الحالة مطالب بمعالجة المسبب والبحث عن حل مؤقت وحل آخر جذري في ذات الوقت.

وتنطلق إدارة هذه الازمة من الاسرة لكي تفعل دورها الرقابي وتعزز القيم الدينية والروحية في نفوس أبنائها، كما الاعلام كفاعل رئيسي في تشكيل الوعي، وذلك بوضع خطط ممنهجة للسلوكيات الأخلاقية فيما  تبثه من قيم واخلاقيات  بشكل فني رفيع المستوي وشيق للناشئة ونشر برامج توعوية للأبوين والابناء معا للتحذير من رفقاء السوء وللتحذير من مخاطر الإدمان.

دور الامهات

برأيي، ان الأمهات تقع عليهن العبء الأكبر في إدارة هذه الازمة الأخلاقية، لانها المنبع الذي يخرج للمجتمع مواطنا صالحا او طالحا، ومن ثم فان الأمهات مطالبات بالوعي في تربية صغارهن من خلال اشغال الأبناء بالتفكير في العابهم ومشاركة الأمهات فيها ثم مراقبة على تصرف غريب يصدر عنهم ومناقشتهم فيه. كما يجب علي الأمهات ان يوسعن صدورهن للصغار ليقولوا كل ما في نفوسهم من احاديث واسئلة لكي يتم تصحيح ما يقولونه أولا بأول. كما يجب على الأمهات استغلال كل فرصة لتنمية الوازع الاخلاقي والروحاني لدى الأبناء، وتربية الضمير اليقظ داخلهم. مع مساعدة الأبناء على ملء أوقات فراغهم في أنشطة اجتماعية في الجمعيات الخيرية وغيرها بجانب حفزهم على ممارسة الأنشطة الرياضية والنشاطات الاجتماعية واصدقاء القدوة الحسنة .

 

سارة السهيل

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم