صحيفة المثقف

ما جرى ويجري وسيجري في الخليج

عبد الرضا حمد جاسممنذ الاستعداد للدورة الثانية لرئاسة اوباما للولايات المتحدة الامريكية (2009 ـ 2017) لَمَّحَتْ الادارة الامريكية لفكرة تقول: ان امريكا تحاول الابتعاد عن منطقة الشرق الاوسط باتجاه اواسط اسيا ورتبت بعض الامور المهمة في انسحابها التي اُجبرت عليه من العراق في نهاية

عام2011اي في مرحلة استعداد اوباما للتنافس الرئاسي لدورة جديدة... مثل زيادة انتاجها من النفط وتقليل اعتمادها على نفط الخليج ...

هذا الانسحاب الذي اُشيع عنه من انه يمثل النهاية لفكرة الهيمنة الامريكية على المنطقة.

استمر حال الحال على هذا الحال مروراً بالاتفاق النووي مع ايران عام 2015 في لوزان (اي منتصف المرحلة الثانية من رئاسة اوباما) ورفع بعض العقوبات عن ايران والوقوف موقف يحمل بعض الشدة في وجه اسرائيل ومحاولتها وضع القضية الفلسطينية او بالأحرى الدولة اليهودية على سكة الحل الذي يتلاعب به ال"نتن ياهو" واسرائيل عامةً يسارها الضعيف ويمينها القوي المتنوع.

دب دبيب الخوف في اوساط امارات الخليج الكبيرة منها والمايكرسكوبية منذ اعلان امريكا الانسحاب من العراق تحت تأثير هزائمها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاخلاقية مما فسح المجال لظهور السيطرة الايرانية العلنية على الموقف السياسي والعسكري والاقتصادي في العراق وتواصله مع تأثيرها في سوريا ولبنان بعد ان كان ومنذ 09/04/2003 فعالاً تحت الغطاء .فظهر الفراغ الذي ارعب مشايخ الخليج التي عاشت وترعرعت ونمت في ظل تواجد امريكي مسلح قوي ومؤثر وفاعل وبدون خسائر مالية حيث كان هدف الولايات المتحدة هو التواجد وحماية المشايخ حتى على حساب دافع الضرائب الامريكي منذ عام 1936...دمروا الوحدة المصرية السورية ودمروا الاتحاد الهاشمي ودمروا المنطقة عامي(1967 و1973) دمروا العراق وايران بين عامي(1980 و1988) واستمروا حتى عام 2003.

...اعتبروا الانسحاب الامريكي هروب غير منظم عَّراهم من ملابسهم بكل اشكالها... فهو في نظرهم وهم من استفاق فجأة من نومة عميقة في الحضن الامريكي ألدافئ كل تلك السنين والعقود ليتصوروا انهم "واقعين" في فراغ سيعم المنطقة وبالذات في منظومة حماية هذه الامارات المبنية على تواجد امريكي عسكري ثقيل وتعهد بالحماية بكل اشكالها.

تعثرت امور الدولة اليهودية لعدم اتفاق العرب المحيط بها معها...فكانت الحيلة ذات الخطين تخرج من موضوع انسحاب الولايات المتحدة الامريكية من الخليج.

الخط الاول هو:

من يحمي مشايخ وقبائل الخليج؟

قبل الخوض فيمن يحميها لا بد من ايجاد عدو اخر وشرس وتوسعي يمتلك تاريخ طويل عميق مشحون... فكانت إيران جاهزة بأطماعها وطموحاتها المشروعة وغير المشروعة حسب زوايا النظر اليها من هذا الطرف او ذاك...

أذن تم تهيئة المسرح الواسع والتالي هو البحث عن الممثلين الذين يجب ان يصعدوا عليه وجمهور العالم يتفرج على هذه المهزلة الكبرى...ثم جاء التنافس على من يتصدر ليأخذ دور البطل في هذه السَمِجَةَ التي اكتملت فصول سيناريوهاتها "ال سعود أم أل ثاني أم أل زايد"...أتفق الاول والثالث من الثلاثة بحساب حجومهم وشكك الثاني صغيرهم والمُحاط بهم حيث ربما هناك ما هو مخفي يُمهد لابتلاع تلك اللقمة الصغيرة او اقتلاع/بتر ذلك الابهام "العايب" بعد ان حاول يتفرعن ويمس ب"الكبار" المنفوخين ب"الغازات الكريهة الرائحة" المصاحبة لاستخراج النفط وغيرها/غيره ...

إذن لابد ان تبحث هذه المشايخ والقبائل عن حامي لها ففتحت ابوابها الى كل الغرب الراغب بإقامة قواعد عسكرية فكانت فرنسا وكانت والمانيا وطبعاً قبلها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا الصغرى وغيرها لتمتد القواعد من قرب الفاو حتى نهاية الشريط الساحلي لسلطنة عُمان......لكن هذا التواجد الرسمي الرمزي لهذه الدول لا يبدو انه نافع للحماية لأن موازين القوى جعل تلك القواعد تحت مدى الاسلحة المنتشرة في محيط تلك المشايخ فكانت الاشارات ان لا يستطيع حمايتكم ايتها المشايخ غير اسرائيل فأنفروا اليها خفافاً وثقالاً واطلبوا بكل صراحة وتأكيد منها ان تتعهد حمايتكم فانفروا صاغرين مرعوبين تسندهم في ذلك تلك التي كانت تجري من تحت الطاولة او التي طفت/ظهرت خجلا على السطح....فتوسع ما كان مخفياً بينهم وبين حُماتهم الجدد اسرائيل ولم يستطع حيز تحت الطاولة لاستيعابه فقفز بقوة على السطح مصحوب بفخر من يريد ان يداري عيوبه بالإصرار عليها والفخر بها فكان التعاون/التحالف الشامل ، التجاري الصناعي والأمني والعسكري وصارت الامور تظهر بشكل متباعد في الصحافة العالمية والاسرائيلية اولاً وكان تركي الفيصل وانور عشقي وقبلها المكاتب التجارية وشركات الحماية الخاصة... ليصل اليوم الى اندماج استراتيجي بين هذه المشايخ والدولة اليهودية وكان اكثر المجاهرين بهذا التعاون هم مشايخ ال سعود...فعادوا يتذكرون اجدادهم بنو قريضة وبنو النضير وبنو قينقاع وبدأ اولاد العم يتذكرون الماضي التليد ومعهم الكثير من الاسانيد من "كتاب الله" و"سنة رسوله" واقوال" السلف الصالح" وظهرت فتاوى دور الافتاء من ال الشيخ وامام الحرم المكي ودعاة السلف ال"صالح" واختفت فتاوى التكفير والقردة الخنازير...و في المقدمة من كل تلك الاسانيد ما اُطلق عليه :[عقد صحيفة المدينة ] حيث اُعيد التذكير بها وهي التي تمت بين (محمد ابن عبد الله) و(كعب أبن اسعد) في المدينة قبل اكثر من 1400 عام.....وظهر من يمثل المُتَصالِحَانْ اليوم حيث كما يبدو أن من يمثل احفاد (محمد بن عبد الله) في الصحيفة الجديدة سميه "محمد بن سلمان آل سعود" ويمثل ( كعب ابن أسعد) حفيده "النتن ياهو"...لكن ليعلم حفيد (محمد بن عبد الله) وسميه ان حفيد (كعب بن أسعد) قرأ التاريخ جيداً واستعد لهذا اليوم ولن يسمح بتكرار ما حصل لأجداده في تلك الغابرة بل سيطرح ما يريد ومنها التعويضات لأن ما جرى لأجداده بنو قريضة وبنو النضير وبنو قينقاع بعرفه اليوم هو جريمة ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم وحالها حال محارق النازية في الحرب العالمية الثانية.

ربما سيتفق الطرفين على تشكيل لجان لدراسة الحالة وتقدير الاضرار واشكال التعويضات واعادة اعمار ما تهدم من دور عبادة ومساكن.

في المقابل امتدت القواعد الايرانية على سواحلها من اقصاها الى اقصاها وهي مُتخمة بالسلاح بكل الانواع والمديات وإيران تتذكر جيداً كما كل الشعوب الحية ما حصل لها ومن اصطف ضدها في حرب عقد الثمانينات/القرن العشرين بينها وبين العراق.

الفرق بين الملتين المطلتين على الخليج ان "فُرْسِهِ وغيرهم" قليلي الكلام كثيري العمل غير مبذرين ومبدعين وينسجون بهدوء ودقة بعكس الجانب الاخر "عُربِهِ وغيرهم" المشغولين ب"الدشاديش الفضفاضة" التي تخفي ترهلهم ومهتمين أكثر وأكبر وأعمق فيما بين الفخذين واشكال النكاح والحور العين والغلمان المخلدون واليخوت وصالات القمار والتعالي الفارغ على بعضهم واهلهم ومشغولين بما تجاوزته البشرية من احكام وتعاليم ومفاهيم وبدل من ان يخصصوا الاموال للبحوث والدراسات والانتاج والابداع خصصوا المليارات للبحث عن الاعجاز العلمي في تعاليمهم العتيقة واسسهم الايديولوجية الناهية عن العلم والتعليم والصدق والحرص.

النتيجة في هذا الخط ان المشايخ تحتاج الى حماية ليقفز من هذه النتيجة الخط الثاني الذي هو :الحامي الجديد يجب أن يكون من نفس البقعة الجغرافية ولا يحتاج الى اساطيل وعبور البحار ولما كانوا "ما بيهم حظ" فلابد من بديل عنهم ليحميهم ويثقون به فلا يوجد إذن غير اسرائيل.

و هو الخط الثاني :

هنا وقع العربان في الذي لا مفر منه...فهناك عدو متربص كما يتصورون وهناك فراغ اسرع هذا العدو للانتشار به/فيه وتوسع واقترب من الحدود...وهناك انظمة هزيلة فكرياً وعلمياً وسياسياً واجتماعياً وعسكرياً ووطنياً يتكون من صغار وصغيرات اكبرهم واوسعهم واكثفهم تتسمى باسم شخص اختزل كل ما عليها وفوقها وتحت سطحها...أنه "سعود"

اسرائيل الحامي الجديد لم يتمكن من حماية نفسه ولن يتمكن من ذلك منذ اكثر من سبعين عاماً تقريباً وللمستقبل... يُراد لها اليوم ان تكون حامي حمى من كانوا اعداء لها...

هؤلاء لا يعقلون ولا يعرفون ان اسرائيل دولة عقيدة تجمعت من كل الاصقاع ولا يمكن لقادتها التضحية بشبابها ...اي ان شبابها ليسوا مرتزقة يحاربون من اجل المال او بيد من يدفع المال كما يفعل العربان...و هي دولة مؤسسات من يخطأ فيها من قادتها يُحسب عليه ذلك الخطأ وكثيراً ما يخجل منه وينزوي رغم حجم الفساد الذي هم عليه...انها دولة قلقة كل واحد من سكانها سائح يحمل جوازي سفر او أكثر وسيغادر مكان اقامته في الفندق الكبير عندما لا يجد ماء صالح للشرب او عندما يتكرر انقطاع الكهرباء عليه..

فليعلم من لا يعلم ولم يتعلم من هؤلاء المشايخ ان اسرائيل لن تكون اكثر من حارس شخصي لا يأتمر بأمر ال "محروس" كما تعلموا على/ من حُراسهم الشخصيين من المرتزقة انما هو مسؤول حماية يصدر الاوامر لل"محروس" وبطانته وعائلته لينفذوها دون نقاش حتى يستمر في ضمان حمايته لهم لأنه ليس كما هم ...هو حارس يعمل ب"شرف" في سبيل قضيته ويحترم عمله فهو كما قلتُ ليس مُرتزق مأجور...ولا يعلم المشايخ أن هذا الحارس يستعمل العلم والعقل ونادراً ما يستخدم سلاحه الشخصي للقتل...فهو ليس قاتل مأجور...

اسرائيل لا تمتلك جيش كبير كثير العدد ولا تمتلك العتاد والسلاح الكافي الذي يغطي هذه المنطقة الشاسعة وهو كما قلتُ ليس مجموعة من المرتزقة المأجورين...فصار على مشايخ الخليج ان تشتري السلاح وتُكدسه وفق عقود مليارية وأن تُقيم احلاف من دول تعرض جيشها للإيجار مثل مصر والسودان والباكستان كما حصل في حلفها ضد اليمن...

ان هذا الخط يعني حتى تضمن هذه المشايخ سلامتها يجب ان تستبدل ترليونات الدولارات التي تجمعت لديها في صناديقها السيادية او بنوكها او خزائن ارضها او ارصدها من الذهب والدولار التي تكدست وبدأت البنوك العالمية تأن بها ومنها ولها والتي تراكمت بفعل الحماية الامريكية...أن تستبدلها بأسلحة ومُعدات ثقيلة وخفيفة سواء تحسن استخدامها او استعمالها أم لا وهذا هو الغالب ومع تلك الاسلحة عقود خبراء للإشراف والتدريب ليتم التخلص من تلك التي عفى عليها الزمن ولا تزال مكدسة في مخازن الولايات المتحدة الامريكية وقواعدها واتباعها من الدول...

أي ان زمن الحماية بدون ثمن قد ولى الى غير رجعة واعلن ذلك "ترامب" بوضوح تام واستخفاف واهانة وتهديد طربت له تلك المشايخ فهبت لجانها ووفودها تعلن الولاء والاستعداد والتأييد. فمن يحمي المشايخ اموالها وجنودها وما يتم استئجارهم من غير ابنائها والاشراف  والادارة هو بيد اسرائيل وبمتابعة عليا من الولايات المتحدة الامريكية وهذا الذي يجري ويحصل اليوم.

و يشمل هذا الخط ايضاً تصفية ما عرقل التواصل بين الطرفين كل هذه الفترة حتى بوجود ضغوط الحماة اي الولايات المتحدة الامريكية واقصد القضية الفلسطينية والدولة اليهودية والوطن البديل واسرائيل الكبرى ""صفقة القرن"" مع عمولة كبيرة جداً لمن صاغها وتوسط في انجازها ومن سيشرف على توقيعها...الامكانات والعقول محدودة عند المشايخ فهي مشغولة كما قلنا بالثوب القصير والامر بالمنكر والنهي عن المعروف والحماية في طريقها الى المغادرة والعدو الحقيقي والمصطنع جاهز لينقض وهم اي المشايخ عراة حفاة ولا يسترهم حتى ملابس الامبراطور عند اندلاعها... ولم يُحسنوا لا لجيرة ولا لأهل ولا لدين ولا انسانية... واسرائيل بذكائها وامكاناتها وحبائلها وحيلها لن تُفرط بهذه الفرصة الوحيدة والاخيرة والناضجة... وتقول لهم اليوم بوضوح وشفافية تعالوا نعيش معاً ندثركم ونطعمكم ونحميكم ونمارس ما نرغب معكم ولكم الأمن والأمان ولكم من المال ما نبقي بعضه في جيوبكم لتستمروا بعيشكم المقزز المعيب... وليس لدى المشايخ بعد ان حرقوا كل سفن النجاة وخربوا كل طرق العودة او اعادة التواصل مع اهلهم ومحيطهم القريب والبعيد إلا ان يندفعوا لينفذوا ما يُطلب منهم لذلك نرى تصريحات المسؤولين السعوديين والاسرائيليين عن علاقات الود والمحبة والوصال...و نسمع ونعيش فتاوى دور الافتاء في الحرمين وغيرهما ونرى الزيارات والندوات ونلمس الحيرة الاردنية وعدم وجود اي دور للأردن فقد اُكِلَ لحمه وبقي العظم لكنه لا يزال في الصحن بانتظار ان ينتهي دوره ويُرمى في المزبلة لإعادة تدويره واستخدامه في صناعة اخرى. ونرى استدعاءات محمود عباس لإسماعه قرارات السعودية والامارات بخصوص حل الخلاف البسيط بين اولاد العم "الخليج واسرائيل" عليه الموافقة والقبول أو رفع الدعم عنه وان (محمد دحلان) صاحب فندق البستان موجود وجاهز على"24 حباية"...و نعيش كذلك "محنة" المواطن السعودي/اللبناني سعد الدين الحريري والمطلوب منه اعلان الحرب في لبنان او تجنيس وتوطين وتحييد الفلسطينيين فيه او مصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة وربما حياته.

 

عبد الرضا حمد جاسم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم