صحيفة المثقف

الاندلس عصور من العطاء والتنوير (3): أشبيليه - Sevilla

488 اشبيليةتعتبر مدينة اشبيلية من أهم وأعظم المدن الاندلسية وأتخذت في بادىء الامر عاصمة الاندلس في زمن العرب . وفي زمن حكم الطوائف كانت أحد الممالك القوية الواسعة خاصة في زمن بني عباد . ثم اتخذها الموحدون عاصمة لهم ومركز حكمهم . سقطت المدينة بيد النصارى عام 1248 م / 646 هـ بعد اكثر من ستت قرون من حكم العرب والمسلمين، وابتداء من ذلك التاريخ اصبحت اشبيليه مقر الطبقة البرجوازية وعاصمة الجنوب كما اصبح البلاط العربي مقرا للملوك الاسبان .

وذكرها المؤرخون العرب واثنوا عليها منهم صاحب كتاب الروض المعطار – الحميري 1468 م (وهي مدينة كبيرة عامرة لها اسوار حصينة واسواقها عامرة وخلقها كثير واهلها مياسير وجل تجارتهم الزيت يتجهزون به الى المشرق والمغرب برا وبحراً ...) . كما جاء في الكتاب ايضا :

(وهي مدينة قديمة ازلية يذكرها اهل العلم باللسان اللطيني ان اصل تسميتها – اشباني – معناه المدينة المنبسطة ويقال ان الذي بناها يوليس القيصر) .

ويشق المدينة من جهة الغرب الوادي الكبير، ويحيط بها الشوارع الفسيحة والميادين الكبيرة وخاصة حول الكاثدرائية الكبيرة (المسجد الجامع الكبير سابقا) والازقة الضيقة والبنايات القديمة التي يعود بعضها الى عصر العرب .

وبعد اكتشاف امريكا اللاتينية تحولت اشبيليه الى أهم المراكز الاقتصادية في اسبانيا كما انتعشت فيها الحياة الثقافية والادبية والعلمية وتألقت أسبانيا في زمن النصارى ابتداءا من عام 1492 الى 1681 واطلق المؤرخون على هذه الفترة اسم - العصر الذهبي الاسباني - وظهرت فيها شخصيات ادبية وفنية وثقافية أثرت في أعمالها على حركة الادب العالمي مثل ميغيل ثرمانتس صاحب رواية – دون كيخوته – والشاعر – لويس كوكوران – والشاعر الكبير – كبيدو – وغيرهم .

تاريخ المدينة:

يذكر المؤرخون بأن سفن الفينيقيين قد رست على الشواطىء الشرقية والجنوبية من شبه الجزيرة الايبيرية في حوالي 3000 سنة قبل الميلاد وفي مصدر اخر 1500 سنة قبل الميلاد .وكانوا قادمين من بلاد الشام ومن اصول كنعانية . فأسسوا المدن والمرافىء على الشواطىء والتي لازالت اثارها باقية . كما أسسوا مراكز تجارية ونشاطات ملاحية واسعة ومدن استمرت قرونا كثيرة على طول وعرض سواحل البحر المتوسط وماجاوره وماتعداه الى بحار ومحيطات اخرى. وتعتبر اشبيلية من أعظم وأجمل المدن الاسبانية وهي مدينة قديمة أسسها الفينيقيون الاوائل وعندما دخلها العرب تحولت المدينة الى عاصمة الدولة الجديدة وبدأ المسلمون بحملة أعمار وبناء جديد على الطراز الاسلامي فشيدوا المساجد والقصور والحمامات العامة والمدارس . كما رمموا اسوارها القديمة وجددوها وجعلوها اكثر ضخامة وحصناً، خاصة في زمن الموحدين .. ومن آثار المسلمين الباقية هي:

المسجد الجامع الكبير:

كانت اشبيلية في زمن الموحدين عاصمة الدولة وقاعدة حكم وفي زمن الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف شيد مسجداً ومنارة عظيمة عام 1172 م / 567 هـ . ويذكر ان هذا المسجد شيد على مسجد صغيرة قديم يعود الى ايام الامير عبدالرحمن بن الجكم .

فجاء المسجد الجديد واسعاً وكبيراً له منارة ضخمة تشبه منارة مسجد قرطبة وقد اشرف على تشييده العريف المعروف احمد بن باسه وهي عائلة معروفة في الاندلس حيث سجلت حضوراً مميزاً في عمارة الاندلس .

وبعد سقوط المدينة بيد النصارى عام 1248 حول المسجد الى كنيسة. وفي عام 1402 بدأ بأنشاء الكاثدرائية فوق موقع المسجد الجامع الكبير. ولم يبقى من المسجد اليوم سوى الصحن والمنارة العظيمة التي تسمى – الخيرالدا – واستمر بناء الكاثدرائية نحو اكثر من قرن ونصف حتى غدت بضخامتها وفخامتها ثاني اكبر كنيسة في العالم بعد كنيسة بطرس في روما .

و لازال صحن المسجد يحتفظ بشكله وموقعه القديم ويقع شمال الكنيسة ويبلغ نحو ربع مساحتها . وفي وسطه نافورة اندلسية . والصحن مغروس بأشجار البرتقال ولازالت عقود وساريات الصحن الاسلامية قائمة من الناحية الشمالية والغربية كما لازال الباب الرئيسي للجامع قائماً ويقع في شمال الصحن . حيث يبرز شامخاً في عقده وزخارفه الاسلامية . وقد نقشت على قبضتيه الضخمتين عبارة (بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد). يبلغ ارتفاع الباب نحو عشرة امتار وعرضه خمسة ويطلق عليه اليوم اسم – باب الغفران – Puerta del perdon .

واما صرح الكاثدرائية (الجامع) فيقع جنوب الصحن ولها باب رئيسي كبير ضخم يبدو أنه باب الجامع الكبير ولها ايضا ستت ابواب اخرى كلها ملبسة بصفائح النحاس والنقوش العربية والايات القرآنية وهي ألابواب الاصلية للجامع الكبير .

489 قصر المعتمد

الخيرلدا La Giralda

شيدت المنارة في زمن الخليفة ابي يعقوب يوسف وأستمر العمل بها عدة أعوام وقد شيدت بالآجر (الطابوق) وجاءت على غرار منارة (الصومعه) جامع الكتبية في مراكش. ومنارة حسان (تور حسان) في الرباط . وتتشابه هذه المنائر في الطراز وكانت قد شيدت ايضا بأمر من الخليفة أبي يعقوب يوسف .

يبلغ ارتفاع المنارة 96 متراً وهي مزينة من الخارج بأنواع الزخارف والعناصر المعمارية الاسلامية ولازالت تحتفظ بهيكلها الاسلامي الى اليوم. اما داخل المنارة فهو عبارة عن ممرات للصعود والنزول مرصوصة بلآجر تبلغ 34 درجة . وعلى جوانبها نوافذ وشرفات وقد زينت بنقوش اسلامية بديعة . وفي عام 1558 بدأ العمل بتحويل قمة المنارة الى برج للاجراس على طراز عصر النهضة، ونصب فوق البرج تمثالاً، وله اشارة تدور عند هبوب الرياح ولهذا سميت المنارة La Giralda أي الدوارة .

قصر أشبيلية:

كان هذا القصر العربي قد شيد في زمن بني عباد ايام كانت اشبيلية من اعظم واقوى الطوائف الاندلسية ويبدو ببهائه وعقوده ومشرفياته وزخارفه الاسلامية من اجمل قصور الاندلس وكان مثالا للطراز الاندلسي المغربي حيث شيدت بعد ذلك غالبية القصور على غراره مثل قصور الحمراء .

ويذكر بعض المؤرخين ان هذا القصر هو من صنع المعتمد بن عباد ثم جاء الخليفة الموحدي ابي يعقوب يوسف فوسعه وجمله وجعله آيه في العمارة والجمال كان ذلك عام 1173 م / 567 هـ .

وهناك حكاية طريفة حول الامير الشاعر المعتمد حيث يذكر انه كان في نزهة مع صديقه الشاعر ابن عمار على شاطئ نهر الوادي الكبير فاعجب بمنظر الماء المتموج فقال: (صنع الريح على الماء زرد) ثم طلب من ابن عمار ان يكمل البيت فلم يرد عليه، وكان على الشاطئ بعض الفتيات فردت عليه احداهن : (اي درع لقتال لو جمد) . واصبح البيت (صنع الريح على الماء زرد .. اي درع لقتال لوجمد) . الفتاة هي اعتماد الرميكية حيث تزوجها بعد ذلك الامير واحبها وسمى نفسه المعتمد نسبة الى اعتماد، وكانت حاضرة الجواب بارعة الرد وفي حديثها عذوبة وطراوة ورقة طبيعية طفولية مسعدة ..

اما اسوار المدينة فلازالت اجزاء منها قائمة لحد اليوم وتمتد نحو 400 متر وارتفاعها 8 امتار وتمتد هذه الاسوار من باب مارغاريتا حتى دير الكابوسين . وجزء كبير من هذه الاسوار يعود الى عصر الموحدين ويخترقها عقدان قديمان الى جانب باب ماغاريتا وعليها ست ابراج موحدية من اصل 166 برجاً كانت موزعة على طول السور ومنها اربعة لازالت تحتفظ بكامل قواها وشكلها وتقع الاسوار قرب شارع الكابوسين والذي يعتبر من اعظم شوارع اشبيلية .

واشبيلية زاهية في اهلها وجمالها وازيائها الملونة التي تثير البهجة، وفلكلورها العريق واغانيها ورقصاتها ذات الطابع الاندلسي وهي مميزة بين المدن الاسبانية بروح المرح والسحر والجمال .

 

د. كاظم شمهود

.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم