صحيفة المثقف

هل يحتاج العراق إلى خلية أزمة أم خلايا أزمات؟

لطفي شفيق سعيدأم يحتاج إلى هيئة أمم متحدة تدير شؤونه من أجل القضاء على الفوضى والفساد؟

بدأنا نسمع في الآونة الأخيرة مصطلح (خلية أزمة) أطلقها مجلس النواب العراقي بعد أن اجتاحت موجة فيضانات العديد من مدنه وقراه وذلك بسبب  الأمطار الغزيرة التي هي نعمة من نعم الله تحولت إلى نقمة أضافة للسيول  الجارفة التي جاءت من دول الجوار إيران وتركيا وسوريا والسعودية فغمرت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وأتلفت المحاصيل الشتوية وشردت آلاف العوائل من منازلها وانهيار البعض منها على ساكنيها مما تسبب عن موت البعض من النساء والأطفال أضافة لهلاك قسم من المواشي والاغنام.

إن أسباب تلك المأساة والتي جاءت بسبب الفيضانات وما خلفته من دمار يعود إلى اهمال المسؤولين الحكوميين وعدم اتخاذهم الحيطة والحذر لتفادي تلك السيول والاستفادة منها في مواسم الجفاف التي كثيرا ما تحدث في فصل الصيف فكان الأجدر بالحكومات المتعاقبة أن تتجنب هذه الكارثة وذلك بإقامة السدود الكافية لخزن تلك الكميات الهائلة من المياه والتي تذهب هدرا إلى البحر وكذلك تحسين شبكات تصريف المياه ودفعها نحو خزانات كبيرة يستفاد منها لاحقا في وقت الحاجة , ويظهر من ذلك إن سبب هذا الاهمال يعود إلى الفساد الإداري والمالي الذي استشرى في الآونة الأخيرة في مفاصل الدولة بعد احتلال العراق.

السؤال المهم الذي يجب أن نطرحه هو (هل مر عام على العراق من دون أن يتعرض لكوارث وأزمات وهل كانت تلك الكوارث تقتصر على حالة الفيضانات فقط حتى ينتبه إليها مجلس النواب العراقي ويطلب تشكيل (خلية أزمة؟) , لقد عرف العراق السيول الجارفة التي تحدثها الفيضانات منذ القدم وقد تم معالجتها في الفترة العباسية وذلك بشق القنوات والأنهر العديدة والتي لا زالت آثارها باقية إلى الآن وقد شاهدت البعض منها في منطقة الشوملي في بابل خلال عملي في الإصلاح الزراعي ولم تعر الحكومة لها أهمية ولم تستفد منها , كما أقام  والي بغداد في العهد العثماني ناظم باشا سدة أحاطت ببغداد من غربها إلى شرقها لدرء خطر الفيضان أطلق على تسميتها البغداديون (سدة ناظم باشا) وإن تلك السدة لم تصمد أمام السيل الجارف الذي أحدثه فيضان عام 1954 واجتاحت مياهه الجهة الشرقية من بغداد ومنها معسكر الرشيد وبالأخص الكلية العسكرية الملكية التي كنت أحد طلابها في ذلك التاريخ وشهدت ذلك الحدث ودونته في كتاب بعنوان (فيضان ماء السماء), لقد هدد فيضان عام 1954 بغداد بكاملها وخاصة جانب الرصافة مما دعا مجلس الوزراء في حينها أن يقترح أخلاء الرصافة إلى جانب الكرخ ولكن وزير الداخلية المرحوم سعيد قزاز قد اعترض على ذلك المقترح بشدة معزيا السبب أن هذه العملية سينتج عنها موت العديد من سكان الرصافة بسبب الهلع والتدافع وعدم وجود جسور كافية لاستيعاب الجماهير المندفعة للخلاص فتم الغاء الأمر وجرت معالجة الثغرة التي حدثت في منطقة الكسرة والتي أخذت هذه التسمية بسبب الكسرة التي أحدثها الفيضان في تلك المنطقة.

لم تكن الفيضانات هي وحدها سببا وحيدا للكوارث والمأساة التي تعرض لها الشعب العراقي طيلة وجوده على هذه الغبراء وإنما هنالك كوارث أشد وأقسى منها الأوبئة والأمراض الفتاكة كالطاعون والهيضة والجدري وشلل الأطفال والتهاب الكبد الفيروسي وأخيرا مرض السرطان والذي سجل أرقاما مهولة في العراق وخاصة في منطقة الجنوب التي دارت فيها معارك طاحنة وحروب عدمية افتعلها النظام الصدامي خلال حربه مع إيران وغزوه لدولة الكويت ومعاركه مع الأكراد والتي أعطت مبررا للدول الطامعة لغزو العراق وتدمير بنيته التحتية وحل مؤسساته الأمنية والعسكرية والخدمية وارجاعه لعصر ما قبل إقامة الدول وقد استخدمت الدول الغازية للعراق أسلحة دمار شامل ومنها المنضبة باليورانيوم التي تسبب عنها أنتشار مرض السرطان بين العراقيين وخاصة بين الأطفال وبشكل مخيف للغاية.

لم تنته تلك الكوارث بل تفاقمت بعد أن استلمت السلطة الحالية مجموعة من العراقيين اختارتهم سلطة الاحتلال من سياسي الصدفة وأصحاب تاريخ مشبوه من الذين لهم ماض معروف في التآمر على العراق وتغليب مصلحتهم الخاصة على المصلحة العامة واشتهر أعضاؤها بالفساد ونهب الأموال التي بلغ ما نهبوه ما يقدر بآلاف مليارات الدولارات من عائدات النفط التي كان بإمكانها أن تبني عراقا متطورا ينعم شعبه بالخير والرفاه خلال الأعوام الخمسة عشر التي تلت تغيير النظام السابق, إن سوء إدارة من تولى حكم العراق في هذه الفترة أدى إلى اجتياح العراق من قبل عناصر الإرهاب المتمثلة بداعش ومن لف لفهم من المتعاونين معهم في الداخل والخارج وضياع ثلث أراضي العراق ودمار شامل لأكبر مدنه كالموصل والانبار وصلاح الدين وقسم من ديالى وكركوك وقد حلت من جرائها كارثة عظمى القت بضلالها السوداء على حياة العراقيين وجعلت غالبيتهم  وخاصة فئة الشباب ينظرون للمستقبل بمنظار قاتم بعد أن أصابتهم الأوضاع المزرية بالإحباط مما دفعت الكثير منهم للهجرة إلى خارج الوطن برغم الصعاب والمخاطر التي أودت بحياة بعض العوائل بأكملها وغرقها في بحر إيجة ولفهم النسيان وكأنهم لم يكونوا عراقيين لهم حق العيش في بلاد يسودها الأمان وفيه خير عميم.

ما هو الحل للخلاص من هذا الوباء وكيف السبيل لوضع اللجام في فم وحش الفساد الظالم لكي ينعم الجميع بخيرات وطن آمن ومتطور يضاهي البلدان المجاورة على أقل تقدير كالأمارات والكويت والسعودية وحتى إيران التي خاضت حربا لثمان سنوات؟

برأيي المتواضع وهو مجرد رأي ليس إلا وقد يتهمني البعض عند قراءته بالطوبائية والتي هي بعيدة كل البعد عن توجهاتي وافكاري الخاصة, وقد يحضا بمقبولية  كثير من الناس ممن  اكتوى بنار الفاسدين وناهبي قوتهم الذين تركوهم عرضة للفقر والجوع والمرض والتخلف عن ركب باقي بلدان العالم المتطور, تلك الزمر التي نهبت المال وموارد البلاد وسبت العباد.

أن المقترح يتلخص بالخطوات التالية:

1- تأخذ هيئة مختصة من الأمم المتحدة على عاتقها مسؤولية إعادة بناء وعمران العراق وتأهيله بشكل كامل ولائق ويعهد اليها وضع كافة التصاميم الحديثة لإنشاء المدن الحديثة بدلا من التي عمها الخراب والفوضى العمرانية وتقوم بإنشاء المجمعات السكنية والوحدات ذات طابقين فقط اختصارا للوقت وتوفيرا للطاقة الكهربائية كما تأخذ على عاتقها إكمال ما تتطلبه المرحلة من بناء المصانع والمدارس والجامعات والمستشفيات والمستوصفات ومحطات الطاقة الكهربائية بالوسائل والطرق الحديثة والبديلة بالاستفادة من الطاقة الشمسية المتوفرة بشكل كبير في العراق ويمكن كذلك انشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية بواسطة قوة الرياح كما هو معمول في بعض الدول الأوربية كما تقوم الهيئة المذكورة بتحديد كمية البضائع المستوردة والحد من الانفاق عليها والسيطرة عليها دون الاعتماد على المستورد المحلي الذي اعتمد على استيراد بضاع لا نفع منها سوى جني الأرباح وضياع الأموال بتهريبها إلى خارج البلاد.

2- إنشاء صندوق باسم صندوق تنمية واعمار العراق تودع فيه جميع اموال العراق من عائدات النفط ويعطى للهيئة المذكورة صلاحية الصرف على جميع ما تقدم من واجبات وبأشراف وتدقيق من جهة معتمدة في شؤون الحسابات الدولية.

3- تجميد وسحب صلاحيات الأحزاب والكتل والمؤسسات الأخرى المسؤولة على إدارة البلاد عدا المؤسسات المتعلقة بأمن الدولة والدفاع والصحة والتعليم فتجري عملها بأشراف وتوجيه اللجنة المذكورة وتحدد هذه المدة بفترة زمنية لخمسة سنوات أو لعشرة سنوات.

4- تشرف اللجنة على انتخاب رئيس للدولة وينتخبه المواطنون عن طريق الانتخاب المباشر وعليه أن يختار محافظ واحد لكل محافظة وقائمقام واحد لكل قضاء ومدير ناحية لكل ناحية وبهذا يمكن تقليص عدد مسؤولي الدوائر وتوفير مبالغ ومعدات ووسائل خدمات وحمايات كبيرة أنهكت ميزانية الدولة وفسحت المجال واسعا لاستشراء الفساد.

5- تهتم اللجنة بالجانب الثقافي والإعلامي الموجه والقضاء على حالة التخلف الاجتماعي والعادات الضارة التي كبلت المجتمع لقرون عديدة خضع خلالها لسيطرة وتأثير أصحاب عقول العصور المظلمة والعمل على بناء مجتمع مدني خاضع لسلطة القانون وفصل الدولة عن سلطة الدين باعتبار إن الدين لله والوطن للجميع.

هذا ما يمكن اعتباره جانبا من جوانب معالجة ما وصل إليه العراق من تدهور ومنع استمرار هذا الحال ووصوله إلى قعر الهاوية التي يقف عليها الآن وعلى المخلصين أن يساهموا بآرائهم ويدلوا بدلوهم عسى وأن نجد طوق نجاة ينقذنا من الغرق والضياع.

 

لطفي شفيق سعيد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم