صحيفة المثقف

بريد الفتى السومري للشاعر عدنان الفضلي

500 بريد الفتى السومريتغريبة جنوبية من ممكنات العشق والخبل

في الطريق الي الناصرية

ستجد أثار البساطيل على طول الطريق

انهار أثار (المكاريد) السومريين

الذين لايجد المخنثون، حطبا لنيران حروبهم المتناسلة غيرهم

وأينما يلتفت في ذلك الطريق..

ستشم رائحة شواء، تنبعث من قلوب الأمهات والعشيقات ..

كون نارهن أزلية متقدة بوقود الفقد..

في هذه النصوص وعبر لغة مشحونة "بالتعويذة السومرية" وبنبرة حالمة بالفقد والحضور معا عكست بجلاء ما يضطرم في صدر الشاعر من قصائد رسمت بمداد واضح ما حدثته به تلك الأساطير من بينها التساؤل والاحتجاج وحتى الصراخ في وجه العالم، العالم الذي ما فتيءَ يدفع الشاعر إلى ادانتها في شعرية باذخة ..إنها نصوص من جمالية التهكم والتي تلتمس ذاك القلق الوجودي بهيئة قصائد لا تهادن وتنعى ذاك الخراب الذي نراه يحتفي بما يمكن أن يكون منقذاَ لهذا العالم ..أيضا هناك نصوص قد احتفت بالمرأة بصفتها الآخر صنو الخير والمحبة وطريقة لتهدئة ضراوته،هذه النصوص ووسط هذا الكم الهائل من الكوابيس والهواجس والمخاوف والهذيان والجنون والمقابر والموت والقتل والرصاص والمجازر والطغاة والحروب والمرارات التي حشرها الشاعر في متن قصائده نعثر على على حياة حالمة فيها تنتصر للحياة وتحتفي بالمرأة الجميلة..

هنا تنطلقُ رؤى الشاعر "عدنان الفضلي" في مجموعته الشعرية (بريد الفتى السومري) اراد هنا الشاعر وعن قصد أن يتوخى الإبانة محاولة منه لترسيخ فكرة استعادة صور الماضي (الذاكرة) والتي لا تدّعي إقصاء الحاضر والذي ظل الشاعر يكتوي بماسي وجوده الماضوي المكتوي بالفزع صار يستعيده ويتخيله،  الغائب البكر ولده أول الماسي حين يضيق المكان احين تقترب الحقيقة من تصورّه الحالم، هذا الاحتراق به لن يجد خيراً من الكلمات المشحونةً بالشجن أن يرسلها ببريده إلى ذاته فتتحول كل هذه الآهات إلى قصائد من حكايات يومية، سيل عارم من المكنونات الدفينة والأليمة..

اقتباس:

أسئلة إلى ولدي الراحل "غزوان"

كيف النسيان..

وصرير الباب يذكرني

وانك وحدك لاشريك لك..

في الهمس قبيل الفجر...ص23

وفي نصوص أخرى نجد هذه الشعرية والتي طابعها السردي والحكائي والمغرقة بالخسارات والفقد المتواصل، هي بعض من الاستعادة التي تقتضي استحضار الوجوه التي تحسر الشاعر على فقدها،  إنها محاولة استعادة أللحطة المفارقة حين تتحول الحرب وأجواءها الى “محرقة ” إلى خلفية للجريمة وهي تعيد صياغة نفسيات الناس وخيالاتهم وطرق تفكيرهم ونظرتهم للحياة يرصدها الشاعر بنصوصه والتي لا تخلو من العبث وهنا يلتقي الخيال مع السخرية السوداء، التفاصيل العالقة بين الحياة المتقمصة والهوية الضائعة ليبلغ التداخل بين الاثنتين ذروته مع نزع جلد الذات دون التحول إلى الآخر، تعبيرا عن رغبة وحاجة إنسانية..

اقتباس:

الي ناجح ناجي في محنته مع اللاجدوى

نعم ياصديقي..

اعلم انك

من ألف خاصرة أتيت

ومن ألف رمح تتحذر

نعم..

واعلم انك مازلت في داخلك..

داخلك المتجذر في سومريته

القابض أبدا على الندى

لكنها الحرب ياصديقي...ًص35

وهكذا تحضر هنا وفي نصوصه الحالمة والتي تشق طريقها نحو القارئ،  فاتحة له كوة تتسع تدريجيا في حقول الفرح والتي أنهكها العشق،  وقد احتفظ بها الشاعر في دواخله هي لواعجه،  وقد جعل من الكلمات زفرات حرى،  يشهقها كلما زاد شوقه للحياة،  فانخرط في حالة من الهيام،  تذكرنا بشطحات المتصوفة تعبيراعن هذا الوله.

اقتباس:

بعض الزهور..

عطرها..يسحبك الى عوالم التيه

لكن عطر الزهرة التي اقصدها

يسحب التيه اليّ

حتى يصاحبني الغناء

ويشاركني ثمالة التقائي بطيفها

هي وردة...ص41

وهنا أيضا نرى النصوص قد كُتبت بشكل قصائد طويلة وأخرى بمقاطع شعرية قصيرة تشبه إلى حد بعيد قصائد الومضة إن لم تكن هي بذاتها يمنحها الشاعر فسحة ليقول ذاته ويفصح عن مكنوناته هي بعض اشتهاءاته للكشف والفضح ..

اقتباس:

أبي يعلم بسذاجة أمي

لذا كلما افتقدني

راح يفتش في سلة النذور

وفي الختام أقول إن الشعر هنا لا يهادن ولا يمالي ولا يعنيه أن يكون جميلا وحالما بقدر ما يعنيه أن يخلخل الثوابت ويحرك السواكن، شعر كالذي نتحدث عنه من أهدافه نقل العدوى إلى المتلقي ليصير هو الآخر ثائراً غاضباً حانقاً راغبا في التغيير للأفضل،إذن نجد في هذه النصوص الشعرية هي إطلالة سريعة عكست بوضوح قناعات الشاعر ورؤيته للحياة والواقع الذي لم يتغير كثيرا لناحية أنهُ سيء على الدوام أو يراوح ما بين السيء وشديد السوء وها هي الحرب وبعد أن برزت حقائق جديدة لا تزيد الشاعر إلا حنقا وغضبا وكعادته الشاعر لا بد من أن يتبنى موقفا من الذي يحدث ولهذا نراه الآن ينحاز للحياة بعد أن سقطت الأقنعة وبانت النوايا ..

اقتباس:

عندي مايكفي من الوهم

لاتخيل العالم

وقد صار مؤهلا لاحتضان الفقراء...ص65

 

قراءة: عقيل هاشم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم