صحيفة المثقف

جغرافية التربية

عباس موسى الكنانيفان كان للكلام جغرافية كما عبر عنها شريعتي، فالفكر له جغرافية ايضا، فمعنى ذلك ان الجغرافية يصح حملها على اكثر الامور التي تتعلق بالانسان ومنها التربية، اي ان التربية لها جغرافية (جغرافية التربية) فكل ما توصل اليه علم النفس التربوي من نتائج لايمكن ان تكون صادقة ومؤثرة بنفس الدرجة والصدق في اكثر من جغرافية واحدة، بمعنى ان اختلاف البيئات والمحيطات التربوية والاخلاقية والدينية والعقائدية للانسان يؤدي ذلك الى عدم صدق وتطابق النتائج التي توصل اليها علم النفس في موضوعة التربية والسلوك الانساني، بل قد يكون العكس اي ان النتائج قد تكون ضارة وسلبية في مكان وايجابية ونافعة في مكان اخر وجغرافية اخرى، كل هذه الكلمات التي قد تكون جافة فهي مقدمة لموضوع الضرب في تربية الطفل سواء كان في البيت او المدرسة او اي مؤسسة تربوية اخرى، فكل التجارب التي اجريت من قبل علماء النفس وكل الاستبيانات والبيانات والعينات المستخدمة في بحوثهم للوصول الى النتائج في ذلك العلم هي في دول متحضرة وعلى انسان مدني في محيط قانوني واسري منظم وملفت للنظر في التنظيم والمعاملة الاسرية و الاجتماعية، فما الذي تظنه وتتصوره حول النتائج هنا؟ بالتاكيد ان النتائج ستكون كما معلن عنها عن هذا العلم من سلبية وضرر الضرب والتوبيخ في نفسية الفرد والطفل، لا اختلاف في ذلك، بأن الضرب في بيئة كهذه في مجتمع يسوده التحضر من جميع نواحيه سيكون له عواقب غير سليمة في تكوين شخصية الطفل، اما اذا تحدثنا عن مجتمعات بدائية متخلفة تحكمها اساليب العنف ويستفحل فيها قانون الغاب يسود فيها التنمر والاعتداء وتعشق قوانين العشيرة الجائرة الداعمة للظلم والعدوان في اغلب الاحيان، وعدم اهتمام الاسرة بابنائها بسبب الفقر احيانا وبسبب الجهل احيانا اخرى ولضعف الدولة في تطبيق القانون فهنا محاولة عدم استخدام الضرب للتأديب في المدارس التي تقع ضمن هكذا بيئات بدائية في العيش من جميع نواحيه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حتى، في مدارس غيرمعدة وغير جاهزة لا من حيث المساحة ولا من حيث التاثيث ولا من حيث العدد ولا من حيث الملاك (كلها عوامل تدعو الى الانفلات في سلوك الطلاب)، فهي محاولات بائسة لا تنتج ولا تثمر شيئا وستؤدي بالنتيجة الى حلول الفوضى والفشل التام وعدم الوصول الى اي هدف مرجو بل سيضيع معها من تاملْ في نجاحه ومن ترجو منه تحقيق الاهداف، وسيحترق الاخضر باليابس كما يعبر عن ذلك اهلنا وابائنا، ولننظر للموضوع من جانب اخر الطفل الذي يراد له عدم استخدام ضربه للتأديب داخل المدرسة في مجتمعاتنا (طبعا اكرر للتأديب فقط) ولسنا مع الحالات المزاجية والانفعالية الخارجة عن المألوف، الاسلوب المستخدم مع هذا الطفل في تأديبه داخل بيته ومن خلال اسرته هو الضرب والتوبيخ واعتياد الطفل عن الانتهاء عن المشاغبة والسلوكيات الوقحة على هذا الاسلوب التاديبي الاسري، فهنا لايمكن للمؤسسة التربوية ان تنهج اسلوبا اخرا في ايقافه ومنعه من التاثير على سير العملية التربوية داخل الصف وخارجه من خلال امكانات وبيئة المدرسة الفقيرة جدا بوسائلها وامكاناتها،لذا فهي تعمل بالممكن الذي يجعلها تسير نحو الانتاج ولو كان جزئيا وحسب القاعدة الاصولية الشهيرة فما لا يُدرَكُ كُلُّه، لا يُترَكُ جُلُّه

ملاحظة جميع الاساتذة لايميلون الى العصا ولكن ما باليد حيلة

 

عباس موسى الكناني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم