صحيفة المثقف

المثقف ورسالته الانسانية للاصلاح

دعت بعض المرجعيات، واوساط ثقافية عراقية وعربية، الى التصدي لحالة الركون والانزواء والتوجه نحو رسالة ثقافية متغيرة واخراج المجتمع من حالة التخلف والفراغ العلمي والعقائدي التي يعيشها، مطالبين بثقافة حضارية جديدة واعتماد كتاب الله القران الكريم برنامجا للحركة والعمل عبر تفسير كلماته وتبنيها للناس والتمسك بها، مشيرين ان مهمة الدعاة والعلماء والمثقفين هي اصلاح المجتمع والعيش وفق سنن الاسلام، وهذا التوجه يتطلب خطابا دينيا واعيا ومعتدلا يخاطب شرائح المجتمع المختلفة، وعلى الدولة ان ترعى هذه التوجهات عبر اجراءات تربوية – قانونية ووفق اليات محددة يفهمها الشعب وتتعامل به القوى السياسية المتناحرة، الدولة ليست تجمع قبلي أو كيان حزبي أو فئوي أوضيعة لهذا الحزب أو ذاك أو لهذه الكتلة أو تلك، وأنما هي منتج تاريخي ودستوري وسياسي، حي، وواع، ومتحرك. تحركه مجموعة مؤسسات ودساتير وقوانين وأنظمة، ومنظمات وقيم مدنية ومبادئ وعادات وسلوكيات ومعايير حضارية وشعب وحدود دولية معترف به،ان اداء الدولة المدنية الحديثة، لمهمتها لاتتم عبر نظرية الخطأ والصواب او عبر هذه المباركة او تلك، وانما عبر تخطيط علمي محكم يسترشد بفلسفة عصرية، حديثة في كيفية ادارة الدولة وتنظيم مؤسساتها والتعامل مع الشعب.واعتماد معايير حديثة، كالحداثة، والديمقراطية، والعلمانية، وفصل الدين عن السياسة والدولة نهائيا، ونبذ المحاصصة الطائفية المقيتة، تحديث المناهج التعليمية والتربوية والجامعية، مسترشدين بأحدث النظريات التربوية والتعليمية، المتبعة في الدول المتقدمة، واستخدام التقنيات الحديثة ووسائل الايضاح العلمية، ووضع الاسس العلمية لتعليم اللغات الحية والعمل على ابعاد اي تأثير للافكار والتعاليم الدينية والمذهبية على مناهج التربية والتعليم وذلك لانتاج جيل جديد واع ومتعلم ومنفتح على علوم وثقافات العالم ومتحرر من قيود الخرافة والجهل والتخلف.

وهنا نتساءل/ اين دور المثقف مما يجري؟ وهل بات المثقف يعيش على (مقهى ريش) على حد تعبير الشاعر المصري الكبير احمد فؤاد نجم حيث يصفه (قائلا «محفلط مزفلط كتير الكلام عديم الممارسة عدو الزحام»،فأين يقف المثقف مما يحدث ومن قضايا مجتمعه، اليس من المفترض ان يكون في المقدمة من زاوية ان يبلور سياسة ومواقف ما يجري في المنطقة احداث عاصفة ولها طابع تاريخي !! وبالتاكيد لا يوجد مثقفون متفقون على سياسة واحدة، تختلف المستويات هناك من يعول على التغيير وهناك من يرى في هذا التغيير خطرا وهذا يعتمد على المدارس الفكرية) فالمثقف العربي الآن ما زال في حال ارتباك شديد وعدم تصديق وبهجة وتصفيق، ولم يستعد رأسه بعد ليعرف أين سيضع قدميه، هل هو يقود ام يتبع؟!

المثقف يؤسس لثورة وللتغيير وليس الذي يرقص عند الانتصار هم الذين كانوا متفائلين وكانوا يدفعون ثمن تفائلهم دور المثقف ليس الهتاف بل ان يؤسس اجتماعيا وطبقيا وثوريا وانسانيا لما سيأتي وهو الذي يصارع الازمة وليس الذي يحتفل بعد انتهائها «كما يقول الكاتب والمفكرالعربي الدكتور عادل سمارة يجب اعلاء الصوت في كافة الساحات والمنابر التي يتسع صدرها لما يقوله المثقف لكي نحن الان امام فرز ثقافي من هو مع المشروع الثقافي الوطني والثابت الثقافي والدفاع عن قضايا المثقف ومن ضد هذا المشروع الذي يلتهي بقضاياه الذاتية

في ظل هذه الاشكاليات هل المثقفون الشباب كتابا وفنانين ومبدعين قادرون على التغيير والتأسيس لثقافة وطنية مقاومة؟ فنحن نقول دعوا المثقف ينتصر ودعوا الجيل ينتصر وهذا لا يعني عزل الاباء المؤسسين والرواد بل فتح الابواب امام الجيل الجديد المسؤل وليس المحمول على الفوضى والعدمية والوقوع بين انياب التغريب، ونعول على عدد محدود يطور مشروعه الابداعي وعليه ان ينتبه ان الجيل المؤسس استطاع ان يقدم مقولة حقيقية ولكن هل الجيل الجديد يستطيع ان يقدم ويستفيد من هذا الارث ام يريد ان ينعزل عنه ويقدم تهويمات وسورياليات في الكتابة وفي المواقف والسلوك محمولة على الادعاء والكذب، أرى أن ما حدث من تغييرات ثقافة الربيع العربي كان نتاج ثقافة وطنية آمن بها هؤلاء الشباب وكانت منارتهم في التغيير

الواقع أنّ وظيفة المثقف تجد نفسها في مواجهة حقيقة العمل الصحفي، فالإعلام يبقى جزءًا من منظومة السلطة التي تتحقق من خلالها المصالح الخاصة، ومن ثمّ، فقد واجه المثقفون الإقصاء من الظهور على وسائل الإعلام التي بقيت حكرًا على من يمتلك السلطة. لقد نجم عن ذلك حالة عداء صريحة بين المثقف ووسائل الإعلام، يمكن تلمسها في العديد من الآراء، من كارل بوبر ووصفه للتلفزيون بأنّه وسيلة فاشلة للتعليم، إلى بيير بورديو وتهكمه على المبالغة في منح كامل الأولوية للأوديمات، ووصولاً إلى نقد الثقافة الجماهيرية من قبل عدد معتبر من مفكري مدرسة فرانكفورت ومعهد برمنغهام - كما تبدوا وظيفة المثقف محكومة بمحددات تختلف عن تلك التي تحكم وظيفة الصحفي، إذ عجزت الكثير من وسائل الإعلام عن إيجاد حالة انفصال ولو من طرف واحد عن مصادر المال والسلطة، فيما تعتبر هذه المصادر الوثن الأول الذي يسعى المثقفون لتحطيمه. أما على مستوى الخطاب، فإنّ ما يقدمه الإعلام هو خطاب مؤدلج يكرّس وجهات النظر المهيمنة ويطمس كل تلك المعارضة - وعلى الرغم من اهتراء هذه العلاقة، لم يفقد المثقفون الأمل في الظهور على وسائل الإعلام وتفعيل دورهم داخلها وضدّها، إذ ينتهزون كلّ فرصة لبلوغ الفضاء العام عبرها من أجل رفع شعارات معادية لأحادية الخطاب الإعلامي المهيمن، ولكن هذه الفرص نادرة جدًّا. وقد يصل الصراع ليس لمجرد الإقصاء فحسب، بل إلى حد جعل المثقفين مادة دعائية من قبل الإعلام، حيث يتحدث ريتشارد رووك عمّا يسمّيه التيار المضادّ للمثقفين، لا مناص من طرح العديد من الأسئلة: هل يدرك المثقف حجم السلطة التي صار يمتلكها؟ هل يمتلك مناعة ضد غوايتها؟ هل يمكن أن تنحرف هذه السلطة عن غاياتها النبيلة؟ وهل يمكن أن تتعرّض هذه السلطة للتعسّف من قبل المثقف الأنثروبولوجي والعامي؟ ينبغي من الآن إقامة حدود بيّنة بلغة ريجيس دوبري لكي لا يتماهى الضحية مع الجلاد، فالمثقف في النهاية هو نبيّ للعدالة، لا خارج عن القانون - بالنسبة إلى الخروج عن القانون، ثمة ما يجب ملاحظته. لقد انتبهت الأنظمة التقليدية للسلطة إلى تنامي سطوة شبكات التواصل الاجتماعي، وسارعت إلى تحيين ترسانتها القانونية، فلم يعد التضييق مقتصرًا على وسائل الإعلام التقليدية فقط، بل هناك مؤشرات قوية عن تحوّل آخر في طبيعة التشريع نحو الجرائم الإلكترونية، ما يستدعي من المثقف أن يكون أكثر ذكاءً وأكثر عقلانيةً لكي لا تُستنزَف سلطته سدًى

 

نهاد الحديثي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم