صحيفة المثقف

الواسطي وجيوتو والريادة في فن العصور الوسطى (1)

519 الواسطيالعصور الوسطى: يتفق غالبية المؤرخين على ان العصور الوسطى تبدأ من القرن الخامس الى القرن الخامس عشر ميلادي اوبداية ظهور عصر النهضة، وتأتي هذه المرحلة بعد سقوط الامبراطورية الرومانية ونزول القبائل الجرمانية البربرية من شمال اوربا واحتلالها وسيطرتها على جميع المستعمرات الرومانية في اوربا،

اما فنون القرون الوسطى في اوربا فيعتبرها المؤرخون والنقاد فنون دينية مسيحية حيث اعتمدوا بشكل واسع على الرموز والاقلال من اهمية الشكل او تغييبه وبالتالي عطلت التقاليد الفنية الموروثة من اغريقية ورومانية، كما ادت بعض هذه المعتقدات الدينية المسيحية الى تحريم الشكل التشبيهي والتشخيصي، لكثرة تقديسها من قبل عامة الناس وعلى اثر ذلك اندلعت الحروب بين اباطرة القسطنطينية وكنيسة روما دامت حوالي مائة سنة اطلق عليها اسم حرب- الايقونات – (القرن الثامن ميلادي) ثم عاد بعد ذلك تقديس الصور بالظهور من جديد في الكنائس ..

الفن المشرقي:

كانت فنون الشرق في العصور الوسطى متفوقة في تنوعها وطرزها ومدارسها على فنون الغرب وكانت الحضارة المشرقية اعظم حضارة على وجه الارض في ذلك الوقت حيث كانت امبراطوريتها تمتد من جدران الصين الى بلاد الاندلس، وكانت مستقلة ومتميزة عن الحضارات الاخرى.. وكان الفن الرافدي والمصري والساساني والاسلامي والصيني في اوج عظمته حيث حملت هذه الفنون قيم عالية من حيث الاتزان والابداع في الرسوم والنقوش الجدارية والعمارة واعتمدت الرسوم على الخط والتسطيح وايضا توزيع الاشكال على المساحة بشكل واعي وابداعي وزخرفي وذهني .  وفي بداية القرن الثامن ميلادي حط الفن العربي والاسلامي في الاندلس (711 م)، ودخلت الحضارة الاندلسية اوربا يوم كانت تعيش في عصور مظلمة متخلفة وكانت شوارع لندن وباريس مظلمة ليلا وغاطسة بالوحل والنفايات، بينما شوارع قرطبة كانت مرصوصة بالحجاة ومضيئة ليلا بمصابيح الزيت . كما اخذ الطلبة الاوربيون يأتون الى الاندلس للدراسة في جامعاتها مختلف العلوم والمعارف ومنها الموسيقى .. كذلك اخذ طراز العمارة الاندلسية يغزوا اوربا .. ولازال هذا الطراز يشاهد في كثير من عماراتها القديمة لحد هذا اليوم ...

520 جيونو

الواسطي وجيوتو:

ظهر الفنانان الواسطي وجيوتو في نفس العصر اي في القرن الثالث عشر ميلادي ، فالاول يعتبر من مؤسسي المدرسة الاسلامية او مدرسة بغداد في الفن والاخر يعتبر من عظماء الفن الايطالي والممهد الاول لظهور الفن الواقعي وبداية عصر النهضة في اوربا . الواسطي من المحتمل انه ولد في بداية القرن الثالث عشر وجيوتو في الثلث الاخبر من القرن الثالث عشر ...

وولد جيوتو دي بوندوني عام 1267 Giolto de Bondoni في احد قرى فلورنسا وكان راعيا للاغنام وفقيرا يرافق والده في الرعي وكان يقوم احيانا برسم اغنامه على قطع لمساء من الحجر . وصادف ان رآه الرسام الايطالي المعروف - جيوفاني شيمابوية Cimabue - اثناء تجواله في الحقل – فابهر بموهبته وطلب من والده ان يعلم ابنه حرفة الرسم ويصاحبه الى مرسمه في فلورنسا . وفعلا تم ذلك واصبح هذا التلميذ بعد ذلك من اعظم مصوري ايطاليا. ..

يعتبر شيمابوية 1240-1302 م من ابرز رسامي ايطاليا وآخر فنان من طراز الفن البيزنطي . وكان قد نشأ في فلورنسا واشتهر في رسم الجداريات – الفريسكو – وكان نقطة جذب لكل طلاب الفن ورجال الدين والذين اعتبروه الاول في رسم المواضيع الدينية وكان يلقب بشيخ الرسامين .

وتتلمذ على يده عشرات الرسامين منهم الرسام جيوتو .

كان جيوتو في بداية حياته متأثرا بالفن البيزنطي من ناحية التبسيط والزخرفة والجمود والوقار والبساطة، ثم دخل في جماعة فنية يتزعمها استاذه –شيمابوية – واخذوا يعملون سوية في تنفيذ الاعمال التي تكلفهم بها الكنيسة او رجال الدولة والاغنياء من النبلاء، وكانت مواضيعهم دينية ومأخوذة من الكتب المقدسة عن حياة المسيح –ع- والقديسين والرهبان، وكان جيوتو قد نفذ 28 جدارية في كنيسة فرانثيسكو في مدينة آسيس Asis - - وفيها ظهرت تأثيراته باستاذه ثم برز كافضل رسام في ذلك الوقت .

كانت الاعمال الفنية في ذلك الوقت توثيقية وتسجيلية لقصص الانبياء والقسيسين وازداد الاهتمام بالموضع واعتبر فوق كل شيئ وتعلو فيه الفكرة والقصة على العمل والاسلوب وبذلك فان دور الرسم هنا روائيا وتو ضيحيا يخاطب الاكثرية من الناس المؤمنين الذين لا يقرأون ولا يكتبون – امية –

ثم اخذ جيوتو يتجول في انحاء ايطاليا، وتكاثرت عليه العروض الفنية وكان رسمه واسلوبه مرغوبا من قبل الجميع وكان يرسم في اي مكان يحل فيه . وتذكر له قصة طريفة حيث كان معجبا بافكار دانتي وكتابه – الكوميديا الالهية - فرسمه في احد اعماله الجدارية، ولكن عندما لاقى الكتاب رفضا من قبل المجتمع ونفي دانتي من بلده، هاجم الناس عمل جيوتو وخربوه وطمسوه بالاصباغ . وفي سنة 1841 كشفت اللوحة وكشطت منها الاصباغ وظهرت صورة دانتي من جديد ويأتي ذلك بعد ثمرة الثورة الفرنسية وتحرر الفكر الانساني من قيود وتقاليد الكنيسة .

وسنأتي على تكملة الموضوع في المقامة القادمة .

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم