صحيفة المثقف

سجادة لا تبهت تحت الشمس

محمد غانييعتني معظم أفراد البشرية بمظهر ملبسه ومسكنه ليكون ذلك مرآة شخصيته في ذهنية الرائي، لكن يتناسى أغلبهم الاعتناء بما هو دائم لا يهترأ بمرور الزمن، مثل أن نفرش بيوتنا بالابتسامة المتكررة والترحيب القلبي الدائم وان مع قلة ذات اليد.

انه بالاعتناء الدائم بالرأسمال المتواجد في اليد، يمكننا التطور والترقي وتنمية الرأسمال ذاك، وإلا فانه كم من شخص حصل على المال الوافي عن طريق الهبة او الارث ولم يحافظ عليه لا لشيء سوى أنه غير مؤهل من ذي قبل لكل تلك المتغيرات في حياته.

يقول جيمس ألان في كتابه القيم "كما يفكر الانسان يكون" مخاطبا القارئ "ربما تعيش في كوخ صغير محاطا بمؤثرات غير صحية وربما ضارة، وترغب في منزل أكبر وأكثر ملاءمة من حيث شروطه الصحية، عليك إذن أن تكون ملائما للاقامة في مثل هذا المنزل، وتفعل هذا أولا بأن تجعل الكوخ الذي تعيش فيه جنة صغيرة قدر الامكان.. افرش منزلك بالابتسامات والترحيب وثبت هذه بمسامير الكلمات اللطيفة ومطرقة الصبر، مثل هذا السجاد لا يبهت تحت الشمس ولا يهرأ من الاستخدام المتكرر".

بمثل هذا التعهد الذي يطلبه منا هذا المفكر الامريكي لرأسمالنا اللامادي يمكننا ان نحافظ على رأسمالنا المادي لان جواهر المعاني والقيم اغلى في حقيقة أمرها من الجوهر واللؤلؤ المادي، فالاولى دائمة والثانية فانية، ليس فقط في نظر الزهاد كما قد يتبادر الى الذهن بل بمنظار المنطق والعقل لانه بالحفاظ على رأسمالنا اللامادي نكون مؤهلين للحفاظ أولا ثم لتنمية راسمالنا المادي.

عند الترقي في معارج الوعي تتغير نظرتنا للأمور فتنقلب المساوئ الى محاسن، فالكل مسخر للانسان ليستعمله في تحقيق مقاصده، الا انه حين تغلف البصيرة بحجب المادة لا تظهر الاشياء على حقيقتها فيخطئ الانسان طريقه من حيث يظن انه على الصواب، والعكس دوما صحيح، فبقدر تقدمه في عملية الصعود الافقي في معارج الوعي، كلما انجلت حجب استار الران عن قلبه لتنجلي له حقائق الاشياء كما هي، فتعظم قيمة المعاني الراقية في باطنه، وبرأسماله اللامادي ذاك يحافظ وينمي رأسماله المادي.

ان "افتقاد الوقت ونقص وقت الراحة" مثلا يضيف نفس الفيلسوف مخاطبا قارئ كتابه "كما يفكر الانسان يكون"، "ليسا دوما بالشر الذي تتخيله، واذا كانا يعيقان تقدمك فهذا لانك ألبستهما ضعفك أنت، والشر الذي تراه فيهما كامن فيك أنت"

لذلك فإن تطهير الذهن من الخلفيات الفكرية العالقة به شيء لا بد منه لتحقيق القدر الضروري من الصفاء الذهني المراد تحصيله، لتتضح الرؤية وتصفو مرآة الاسطرلاب، الذي يمكن استخدامه لاكتشاف شوائب الطريق وتجنب المكاره، بل وتحويلها الى بنزين ودوافع حقيقية لبلوغ المراد.

يمكن للمرئ حسب جيمس ألان ان يستخدم فقره ليؤسس عندها للصبر، والامل والشجاعة، ويمكن توظيف نقص توفر الوقت لاكتساب المزيد من الهمة في العمل، والسرعة في اتخاذ القرار، واستغلال اللحظات الثمينة التي تقدم نفسها للمرئ، وعليه ان يقبها كما هي، فاجمل الازهار في نظره يمكن ان تنمو في اقذر الترب.

كم من الحجب الفكرية والاستار الوهمية هي سبب تأخر الافراد والجماعات والامم، فكم نحن محتاجون اليوم اكثر من اي وقت مضى لوثبة روحية تصفي الاذهان من التعلقات القلبية برأسمال مادي، لا نقول بالغائه، لكن ندعو الى الوعي به والحفاظ عليه وتنميته بالوعي بتراثنا اللامادي المتجلي جواهر المعاني والقيم الاخلاقية التي تحويها فطرتنا الانسانية ك"أسماءٍ كلها" علما الحق لآدم ليحقق مصالحه دون سفك للدماء، لا لشيء سوى أن الاخلاق هي لجام الطمع والجشع الانساني غير المنضبط لضوابط النواميس الكونية.

 

د. محمد غاني، كاتب –المغرب

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم