صحيفة المثقف

مجتمع القرود

صبيحة شبرضرب على الطاولة المستديرة أمامه بغضب، رافعا صوته:

- الا تسمعين الكلام؟ كم مرة ألقنك الدرس؟

القيود في معصمي، والقدمان ملتهبتان من أثر الوقوف، اعتدت على احترام النساء في مجتمعي، وتقديم الكراسي للاستراحة، حين يكون الجميع وقوفا.

جميع الحضور جالسون في مقاعد وثيرة، يستمعون الى رئيسهم، بانتباه، وانا قد أدمتني قدماي، انظر الى محفلهم بتوسل، عل احدهم يفهم ما ارمي اليه، ويتخلى عن جلوسه اكراما لي.

وجوه خالية من التعبير، تحسن الاصغاء، والاقتداء بما يقوم به الناس المتعلمون من حركات، حركات مدروسة بعناية فائقة،

- لن ارفع صوتي، ولن اتلف اعصابي .

أظل مصغية الى حديثه الحيادي، متمنية ان كلماته تنجح أخيرا في الافصاح عما يريد توصيله لي من  أوامر

ينهمك جميع الحضور في حركاتهم، السلال في ايديهم يصنعون منها اشياء جميلة، سوف يعرضونها للبيع

- هذه المخلوقة لن تفهم

تعييني الكلمات، وتنهك طاقتي على الاحتمال، تهمتي كبيرة كما يبدو لي، ولكني لم اتوصل بعد الى ادراك كنهها

- جماعتك ولوا الى غير رجعة.

اود ان احرك يدي، وان اكون قادرة على المسير، ألاحظ ان اطرافي جميعها مربوطة.

تحوك اياديهم السلال بمهارة فائقة، وانا حيرى، أحاول ان امرن نفسي على اكتساب الهدوء، الذي وجدت انهم يتصفون به، كلماتهم هادئة، لاصراخ فيها، ملابسهم أنيقة، وحركاتهم واضحة، وانا الغريبة بينهم، لاافقه مما يراد  مني، ينطلف صوت الرئيس امرا :

- لقد نفذ صبري معك، انتم معشر أغبياء، لاتملكون القدرة على استعمال عقولكم.

اياديهم تتحرك باستمرار، تنتج اشياء جميلة تفيدهم، للحصول على الربح والاموال، فهم يحبون ان يقوموا بشراء ما يحتاجون

- معشركم قوم اشقياء.

تتراكم امامهم كتب  كثيرة،قد تكدست عليها  امواج من الغبار، على مر سنين طويلة، وانا قد أعياني الوقوف الطويل، والنظر الى وجوههم علني اظفر بالجواب

ينظر الي الحاضرون باستغراب، يتبادلون الكلام بينهم بلغة  لاأفهمها، تطلق منهم همهمات واشارات اتمكن بعد جهد من فك رموزها:

- اضحكوا عليها، كما ضحك عليكم قومها، عاملوها بالمثل

يطيلون الي النظرات المتهكمة، وانا بينهم صماء عمياء، لاتفقه من لغتهم شيئا، وقد أتعبها ان تجد نفسها بعد مسيرة العمر هذه، موضعا للهزء والسخرية،من هؤلاء القوم الغرباء، صحيح من الكثير من افراد قومي قد سخر من الاخرين، وضحك عليهم، وسلبهم بعض ما يملكون، ولكني لم افعل شيئا يسيء الى احد من الناس، او يسبب لها الأذى، او نوعا من الخسارة المادية او المعنوية، وحاولت ان اكون باشة باسمة مع الجميع، حتى اؤلئك الذين يحبون دائما ان يضروا بالاخرين، ليثيروا الضحك والاستهزاء.

يبدو ان الرئيس قد فهم ما يجول في عقلي"

- انك لم تسيئي  الينا، ولكن قومك فعلوا

كم  ناديت ان يلقى كل امريء ما جنت يداه، دون ان يحاسب على جريرته ابنه او صديقة او الابعدون من أقربائه، ولكن محاولاتي تلك، لم يكتب لها النجاح، بقي في الناس قوم يضحكون على الذقون، وينقذون انفسهم من العقاب، ويكونون من الذكاء وشدة  الدهاء ان يكسبوا الاعجاب من الاصدقاء والمعارف بدلا من العقاب، والتصفيق والتهليل، وهم يستحقون التوبيخ والتقريع، لم يكن بيدي تحسين اخلاق الناس وتصرفاتهم

وانا منهمكة في التفكير المتواصل الطويل، يأتيني صوت الرئيس قائلا:-

- لن نعاقبك كما عاقبنا جماعتك، نحن نتوخى العدالة، ولكننا سنجعلك اضحوكة بعض الوقت.

يصفق بيديه امرا :

- هاتوا القفص

لايجدون صعوبة في ادخالي داخله، فانا مربوطة اليدين والقدمين

يشير رئيسهم الى الكتب المتراكمة جبالا ويقول :

- معشركم البلداء قد بذروا تعب البشرية في امور لاتنفع، ولا تسمن من جوع

يقلب الرئيس الكتاب الاول، تتناثر صفحاته، ينفخ فيها، تتساقط الاوراق على البساط المزركش، المنسوج بعناية

- جمعنا كل سمومكم، وسوف نتخلص منها

كتب هائلة تتراكم، طبقات فوق بعضها، تتساقط اوراقها بفعل الرطوبة والنسيان

أحاول ان اتذكر كم مضى لي، في هذا المكان، اين اصدقائي، واخوتي والأشخاص الذين أحبهم؟

- جنسكم أثبت فشله،  واستحق ان يباد.

انظر الى  جبال الكتب المتراكمة، والتي اصفرّت اوراقها بفعل  هبوب الرياح الخريفية، التي ما فتئت تحمل الدمار الى اراضينا القاحلة، التي جعلوها جرداء

اتذكر عدد الكتب التي تعبت طوال عمري في كتابتها، محاولة ان اعثر على عنوانها في ركام عقلي الافل، فلا اعثر على المراد، تذهب محاولاتي ادراج الرياح

- حكمتم العالم، فسببتم الاضرار به، وهذه جريمتكم النكراء، سوف تبصرين  انت نهايتها، وانقاذنا من شرورها.

ينفخ الرئيس في اكوام الكتب التي عفا عليها الزمان، والاوراق التي لاتطير بفعل الرياح، يجعلها في وسط القاعة

- هاتوا  نشعل الاوراق، ونتدفأ بالحرارة المنبعثة

يلتفت الرئيس الي  ناصحا قومه :

- ذروها الى النار، ليستمر الدفء، ويسود الاستقرار

 

صبيحة شبر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم