صحيفة المثقف

دليل السياسيين الاسلاميين كتاب يوثق مرحلة "الفيس" في الجزائر

558 صعود الاسلاميين(هل كانت هناك علاقة متينة تربط الفيس بالوهابية؟)

صدر حديثا كتابا يوثق للحركات الإسلامية وصعودها على رأس السلطة بانتخابات حرة في كثير من البلدان الإسلامية، وهو يحمل عنوان: "دليل السياسيين الاسلاميين" تأليف صبري الفرحان وهو كاتب من العراق، لكن ما فتئت الأوضاع تتغير وشهدت الساحة انحرافا سياسيا، نتيجة الإنقلابات وتوقف المسار الإنتخابي لفخ نصبه لهم صناع السياسة العالمية أو لتقاطعهم مع العلمانيين أو بعضهم مع بعض

الكتاب صدر عن دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع بيروت لبنان  ويحتوى على 134 صفحة من الحجم المتوسط، وهو يضم تسعة فصول تحدث فيه صاحبه عن جماعة الاخوان المسلمين في مصر ومنظرهم المرجع سيد قطب، وتقاطعهم مع جمال عبد الناصر، ثم ظهور الوهّابية لينتقل إلى حزب الدعوة في العراق بقيادة باقر الصدر، ثم التيار الصدري وعلاقته بحزب البعث، كما ذكر الكاتب حزب التحرير في فلسطين 1953 بقيادة تقي الدين النبهاني والمواقف البطولية لأهل فلسطين وحديث عن ألأرض المباركة، الجماعة الاسلامية في باكستان 1941 بزعامة أبو العلاء المودودي، منظمة العمل الاسلامي العراق 1964 باشراف المرجع محمد مهدي الشيرازي، حركة أمل لبنان 1975 التي تزعمها السيد موسى الصدر.

و على مستوى الحكم والدولة، تطرق الكاتب إلى تجربة السودان الاسلامية عام 1983 م، وتجربة ايران الاسلامية 1979م، وتجربة طلبان الاسلامية 1996م، وما بين الحزب وتجربة الدولة، سجّل الكاتب صبري الفرحان اسم الجبهة الاسلامية للانقاذ FIS في الجزائر  ومسيرتها ما بين 1989 و1992م، ورغم أن اسم الفيس المحظور كان من بين الأحزاب التي لقيت اهتمام الكاتب، إلا أن اسم زعيمه الشيخ عباسي مدني الذي ما يزال يعيش في المنفى ويعاني من المرض، لم يأت ذكره ضمن الشخصيات الإسلامية البارزة التي ذكرها الكاتب على غرارالدكتور ابراهيم الجعفري، ابراهيم يزدي، حسن نصر الله، الداعية فتحي يكن، الدكتور محمد سعد الكتاتتي، الدكتور محمد مرسي، الدكتور محمود أحمدي نجادي، محمود المشهداني، نوري المالكي، وهذه الأسماء تأتي بعد نبيه بري الذي يعتبر أول شخصية إسلامية برزت في المعترك السياسي كما قال الكاتب، حتى أن صورة الشيخ عباسي مدني لم تكن ضمن صور الشخصيات التي نراها في غلاف الكتاب، حيث اكتفت دار النشر السالفة الذكر بنشر شعار الفيس فقط.

وهنا نتساءل هل كان ذلك من باب التحفظ ؟ أم أن اسم عباسي مدني سقط سهوا، أم مازال هناك من يعتقد أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS كحزب إسلامي انتهى دورها ولم يعد لها وجود في الساحة السياسية ؟ رغم أن قادتها ما زالوا ينشطون بالبيانات ويعبرون عن مواقفهم إزاء ما يحدث، ويقدمون الحلول لإنقاذ الجزائر، وبخاصة في هذا المرحلة التي تستعد لفيها الجزائر للإنتختبات الرئاسية لسنة 2019،  والجدير بالذكر فإن الجبهة الإسلامية للإنقاذ مذ خروجها من السرية إلى العلن وظهورها في الساحة السياسية، لاقت أحداثها رواجا إعلاميا على كل المستويات، وكانت الصحف العربية قد أسالت الكثير من حبرها، لاسيما صحيفة الشرق الأوسط، والقدس العربي، مجلة المستقبل العربي وغيرها التي كانت تحلل ما يقع من أحداث في الجزائر، وكيف عرفت مرحلة من المراحل اتساع دوائر العنف في مجتمعات الدول العربية على غرار تونس، المغرب، السودان، مصر، الأردن وبالخصوص الجزائر التي عاشت مرحلة جد مكهربة ومشحونة بالتوتر والخوف، قبل مجيئ الربيع العربي، وكانت دوما تتابع تحركات الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) وكيف صنعت الحدث السياسي بفوزها في انتخابات 1991، قبل أن يتوقف المسار الإنتخابي بسبب الإنقلاب عليها من طرف النظام الجزائري، حيث عاشت الجزائر مأساة دموية طيلة 10 سنوات أو أكثر، عرفت بالحرب الأهلية المسلحة، وسجلت خسائر مادية وبشرية، حيث خسرت أرواح المئات من أبنائها، جلهم إطارات يحملون شهادات عليا، وهي إلى الآن ترمم ما خربته العشرية السوداء، بعدما واجهت الإرهاب بمفردها، لكننا في الأخير نقرأ أن الكتاب ضم صور مراجع الشيعة فقط وعلماء بيت الحكيم، إن قلنا أن حسن البنا، وسيد قطب ومحمد مرسي الرئيس المصري المخلوع ليسوا شيعة؟

ما يهم في هذه الورقة هو أن الكتاب وثّق لحزب الفيس المحظور في الجزائر، بكل ما يحمله من حسنات وعيوب، رغم المصالحة الوطنية التي صوت عليها الشعب الجزائري، واصبح بفضلها ينعم في الأمن والإستقرار عكس ما كان عليه بالأمس، فمسيرة الفيس ما تزال إلى اليوم عالقة بأذهان الجزائريين وحتى المحللين، أو خصومه من اللائكيين والديمقراطيين، ولا أحد بإمكانه أن ينسى مسيرة السّلام التي قادها عناصر الفيس نحو الرئاسة في رمضان 1990 من أجل تحقيق دولة الإسلام في الجزائر، فكان بويعلي أول من يقود الحركة الإسلامية المسلحة ويقف ندا للند أمام النظام، ولا أحد ينسى معركة بن طلحة، كان الفيس أول حزب إسلامي في الجزائر تكون له قاعدة جماهيرية وفرض وجوده في الساحة السياسية، بعد فوزه في انتخابات 12 جوان 1990، بعدما منح له قاصدي مرباح الترخيص القانوني لدخول الإنتخابات بمساعدة مولود حمروش الذي كانت رغبته الوحيدة هي الوصول إلى الحكم، لكن هذا الأخير تغيرت مواقفه تجاه الفيس، البداية كانت باستفزاز عناصره وقادته، ثم اعتقال منتخبيه في البلديات والزج بهم في السجون، رغم وجود مطالب بإنشاء حكومة انتقالية من طرف المعارضة، أما الحزب الشيوعي أو كما يسمى بالطليعة الإشتراكية بقيادة الهاشمي شريف فكان مطلبه الوحيد حل حزب الفيس وسمّاه بالظلامي، ودعا إلى تدخل الجيش لحله.

لم يكن حزب الفيس وحده المعارض للسلطة بل كانت أحزاب أخرى تريد تغيير النظام، وأكثرها الأحزاب الديمقراطية واللائكية والتي شكلت فيما سُمِّيَ بمجموعة الـ: 7+1، وهي الأرسيدي، حركة "مجد" التي أسسها قاصدي مرباح، الحزب الوطني للتضامن والتنمية PNSD، حزب التجديد الجزائري PRA الذي كان نورالدين بوكروح ناطقه الرسمي، بالإضافة إلى الإتحادات ومنها الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر وغيرها، ويذكر أن بداية الإختلاف بين حزب عباسي ومجموعة 7+1 هو أن هذه الأخيرة رفضت فكرة الإضراب السياسي الذي دعا إليه الفيس، حسب التقارير، لم تكن بداية القطيعة بين الفيس والشاذلي بن جديد، وإنما في قضية تمويل الفيس من طرف السعودية، كانت الأمور هادئة نوعا ما، إلى أن ظهر إلى الساحة كتاب "العصيان المدني" لسعيد مخلوفي رئيس تحرير أسبوعية الهداية كان الفتيل الذي اشعل النار بين الفيس والسلطة الذي اتهمته بالتبعية المالية للسعودية، خاصة وأن مدعمي الفيس كاتنوا تجار يربطهم نشاط تجاري بآل سعود،  وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: هل كانت هناك علاقة متينة تربط الفيس بالوهابية؟، واتفاق بينهما لإحياء العصر الذهبي للنبيّ والخلفاء الراشدين، وهل كان الشيخ عباسي مدني متأثرا بالسلفية الجهادية؟، علما أن هذه الأخيرة كانت نتاج التطور الفكري الجديد الحاصل في تاريخ الإيديولوجية التكفيرية المعاصرة.

الملاحظون طبعا يستبعدون وجود علاقة بينهما، لأن لكلّ استراتيجيته في علاج المشكلات وله رؤية تختلف عن الآخر، إلا أنهم يحملون الرجل الثاني في الحزب علي بن حاج المسؤولية فيما آل إليه وضع الجزائر، عندما نادى بالجهاد، ما يجهله البعض أن الفيس ورغم أنه محظور، فهو يتابع الأحداث عن بعد، ولم يتوقف أبدا في مطالبة السلطات العليا بتكريس المبادئ والأسس التي بُني عليها العمل السياسي المؤسِّس للتيّارات الوطنية الأصيلة المتنافسة على خدمة الشعب والوطن والملتزمة بالعمل على تثبيت المقومات الوجودية لهذه الأمة، هذا ما جاء في بيان لهم صادر بتاريخ 18 نوفمبر 2018 خلال إحياء الذكرى الـ:19 لإغتيال الشهيد عبد القادر حشاني، حيث طالبوا بإعادة ملف اغتياله وإخوانة في سركاجي والبرواقية، وكذلك الذين ماتوا داخل حاوية الشاحنة اثناء تحويلهم من سجن تيزي وزو إلى سجن بلعسل بغليزان، ودعوا إلى تعزيز قيم الدفاع عن الوطن ومقوماته بالحسم في الهوية الوطنية ومواجهة سياسة الاستئصال والانفصال، العمل على ضمان تواصل الأجيال ومواجهة القيم التي تزيد من تكريس التنافر وتعميق الصراع بين شرائح المجتمع وذلك ببناء الشخصية الجزائرية.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم