صحيفة المثقف

التعليم في العراق بين الامس واليوم

ابتسام يوسف الطاهرسؤل الامبراطور الياباني عن سر تقدم اليابان وقيامها كالعنقاء بعد كارثة الحرب العالمية وتدمير هوريشيما وناكازاكي وصارت تنافس دول العالم اقتصاديا وعلميا، قال: "بفضل المعلم، فقد اعطيناه سلطة القاضي وهيبة العسكري وراتب الوزير!".

وتعلمنا ورددنا قول الشاعر "قم للمعلم وفه التبجيلا..كاد المعلم ان يكون رسولا" وصار بعضنا يرى المعلم قدوة وقامة لاتطال، فقد كنت ارتبك وانا القي التحية على مدرستي او معلمتي.

ولكن بعد ان كاد المعلم ان يكون رسولا، صار المعلم الذي لا ينتمي لعصابة البعث، يخاف من تقارير طلابه الفاشلين ضده من التي غيبت البعض وراء الشمس وجعلت البعض الاخر يترك الجمل بما حمل وهرب الى خارج حدود الوطن.. ومنهم من سلم امره لله وصار عبدا للمأمور. فصار الطالب يتعكز على انتماءه لحزب السلطة فلا يحفل بالتعلم ولا الدراسة وهذا شكل الخطوة الاولى نحو الهاوية.. وبعد حملة تبعيث معظم الجامعات، الكثير من الطلبة المجدين لم يجد له مكانا بينما الفاشلين دراسيا احتلوا مقاعد في الجامعات وصاروا معلمين ومدرسين! فلنا ان نتخيل مستوى طلابهم فيما بعد. هذا في سبعينات القرن الماضي..العصر الذهبي كما يعتقد البعض!

فالكثير من المولعين بالمقارنات بين الماضي والحاضر لايتعبون انفسهم بالتفكير بما كان عليه الماضي والذي هو السبب الاول بما يحصل الان.. فمنهم من يشير الى اشادة اليونسكو بحملة محو الامية في السبعينات معتقدين انها احدى حسنات حزب البعث.. متناسين ان من بادر بالحملة اياها هم الحزب الشيوعي مستغلا الانفراج (الوهمي) بعد الجبهة الوطنية، ليقدموا خدمة ملموسة للشعب العراقي. وبعد نجاحهم باقناع الاف الكبار من الذين حرموا من فرصة التعليم، للتسجيل في مراكز محو الامية. ذعر البعث وقياداته الغير حكيمة من نجاح الحزب الشيوعي. فاسرعوا لتبعيث كادر التعليم. وغيروا مناهج القراءة والكتابة الى دعاية رخيصة لحزب البعث والثورة وقائدها (الضرورة) وهذا قاد الى فشل تلك الحملة فيما بعد، وتبعها حملتهم ضد الحزب الشيوعي.  حتى اعلان الحرب الصدامية-الخمينية.

وساهمت امريكا بحصارها على الشعب العراقي ومنع وصول المطبوعات العلمية والصحية الى العراق، في حدوث كارثة في مجال التعليم ادت الى تردي مستوى المعلم المهني والاقتصادي، فقد صار راتبه لا يتعدى الدولارين وبالتالي ترك التعليم لأعمال حرة، او اعطاء دروس خصوصية لدعم راتبه..ومنهم من لجأ للرشوة لمنح شهادات نجاح للطلبة حتى لو كان مستواهم العلمي في ادنى المستويات.

هذا ليس تبريرا لما يحصل الان من تهاوي في كل المجالات وخاصة التعليم. فحكام اليوم، على مايبدو، بقايا من اؤلئك التلاميذ المشار اليهم سابقا..لا خبرة ولا علم وسيلتهم الوحيدة هي التعكز على الانتماءات الحزبية والطائفية. تحت رعاية العراب الاكبر للمحاصصة الطائفية، امريكا.

وحسب المختصين، ان تدهور التعليم سببه عدم استقرار المناهج.. فكلما استجدت وزارة تتغير المناهج بدون دراسة ولا تفكير بحجم تاثير ذلك على الطلبة..اضافة الى التكاليف الباهضة في طبع المناهج الجديدة، فطباعة الكتب المدرسية يتم اغلبها في الاردن! فقد صار التعليم مثل الدين، تجارة للربح على حساب مستوى الطلبة.

وتردي التعليم ينعكس على المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. وباعتراف الحكومة العراقية ان ثلث الشباب هم اميون او شبه اميون ..ووزارة التخطيط تؤكد، ان احد اسباب ازمة التعليم هو انعدام الثقة بالمناهج الدراسية!.. كذلك قلة الانفاق الحكومي على قطاع التعليم حيث يبلغ 4% بالكاد تكفي لرواتب الموظفين والمعلمين. فلا خطط لبناء مدارس او لتوفير مستلزمات التعليم مثل المختبرات والمكتبات العامة. فالدولة مشغولة بتقاعد البرلمانيين ورحلاتهم للحج سنويا على حساب الدولة!

 

ابتسام يوسف الطاهر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم