صحيفة المثقف

شخصيات من نبض الجمال الأدبي

خالد جودة احمدأقرأ آثار أدبية فيصيبنى هذا الأثر النفسي البالغ بشخصيات تطرحها تلك النصوص النابهة، وتظل تلك الأسماء عالقة معى سنوات سنوات لا أنساها. كان سيدنا عمر الفاروق "رضي الله عنه" يبكي لهؤلاء الشهداء البسطاء ويقول (ما ضرهم لو لم يعرفهم عمر) فقد عرفتهم الأرض والسماء.

الشاعر المبدع (محمد جودة) يصوغ قصيدة علي لسان الشهيد من درر شعر الشهادة معنونة (ممكن أموت) عندما تتقدم الجنازة ويحدث الشهيد المتخاذلين الأذلاء

(يا جايبين الكفن خلّوه

وداروا وششكوا وإتغطّوا

ولا تغطّوش

علي جبين إترفع

ياللي إنتوا بتوطّوا

يا شايلين الجسد مدّوا

وودّوا للحبيب صورتي

ومكتوبي

وسمّوا عليا

ماتسمّوش

عليا الأرض بتسمّي

ومشتاق التراب دمّي

ونزف الدم بيزغرط

وبيغني

وتشرب زرعه الصبار

مواويلي

وترسمها علي عيون اللي هيجيلي

تشوف الصبح ف عيونهم

تمد جذورها تحضنّي وتحكيلي)

ومن هؤلاء الجندي السعودي (تركي العصيمي) الشهيد الوحيد في تطهير الحرم من اجتياحه الآثم لو تذكرون في القرن الماضي، عرفته من قصيدة للشاعر الكبير (غازي القصيبي) في ديوانه الذى فقدته للأسف (الحمي)، والقصيدة مهداه إلى "ريم" ابنة الشهيد، يقول فيها:

(يا ريم !

يا ريم السمراء الحسناء الصامتة الشفتين

يا ريم الحوراء الهيفاء الواجمة العينين

يسألني وجهك عبر الصفحة

أين تولى أين بابا

هل يرجع بابا الموغل في أعماق البين

يأخذني وجهك عبر الصفحة

يقسمني نصفين

فأبكي وحدي

أهمس لا يا ريم

لن يرجع في يومين

يا ريم

يا أحلى ظبي في البيداء

غيلان المسجد

هل أبصرت وجوههم الكالحة الشوهاء

دخلوا في جنح الليل كغربان الموت

أحاطوا بالكعبة مثل وباء

صبوا النيران على بابا

يا ريم

يا أحلى ظبي في البيداء

كل الناس يموتون

يبقون قليلا في الدنيا ثم يروحون

وقليل منهم يا ريم الفرسان

قليل منهم يا ريم الشهداء

وقليل من يغرس شمعته

في صدر الظلماء

وقليل من ينهض مرفوع الرأس

إلى الهيجاء

وقليل من يجري للموت كما يركض للماء ظماء

يا ريم

فلتسطع في عينيك نجوم إباء

ولتصدح في صوتك ألحان الفخر الغناء

وليسفر وجهك عن بسمة حب بيضاء

قولي: بابا

ما مات

لكن سافر أسطورة بذل وسخاء

تذرع وجدان الصحراء)

 وشخصية أخرى "رومانا" وهي مريضة فلبينية شديدة البؤس مصابة بداء السل المتأخر تعمل خادمة بالسعودية توفيت بمستشفى الجبيل بعد صراع مع الفقروالجهل والمرض والغربة وغياب تعاطف والتفات الجميع، كتب عنها الشاعر الكبير د. وحيد زايد قصيدته الرائعة (ماتت رومانا(، يقول في مفتتح القصيدة

مَاتَتْ رُومَانَا

فأحْيَتْ مَيِّتاً كَانَا

ماتَتْ رُومَانَا

كَظِلِّ خَطِيئَةٍ هَانَا

مَاتَتْ رُومَانَا

فَلا كَانَتْ ولَا كَانَا)

هكذا يفعل الأدب الجميل المترع بالحزن والإنسانية، عندما يتحدث عن هؤلاء الأبطال البسطاء المجهولين.

 

خالد جودة أحمد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم