صحيفة المثقف

لماذا فشلت الفلسفة في مواجهة اليوثانيزيا؟

علجية عيش

(أطباء وعلماء اختاروا الخلاص الذاتي)

ماذا فعلت الفلسفة؟ وهي أم العلوم والمهد الأول لنشوء العلوم والمعارف، ولماذا فشلت الفلسفة في تنوير العقول؟ وكأن البشرية لم تدخل بعد عصر العقل والعقلانية؟، فما أحوجنا إلى الفلسفة اليوم لتحقيق المواطنة الحقيقية؟

جل ما كتبه الفلاسفة الغربيون والفلاسفة العرب يصب في خانة التغيير والتحرر من العبودية والتبعية، وبناء مجتمع سليم، ولعل الكثيرين منهم انتهج مذهب أفلاطون الذي أسس جمهوريته القائمة على المثل العليا والمبادئ السامية والقيم النبيلة، فلكل نظام فلسفته، وبواسطة الفلسفة أنتجت البشرية مذاهب فكرية ووضعت نظريات يسير عليها المجتمع البشري، وكانت هذه النظرايات الفلسفية مرجعية للطلبة والباحثين في الجامعات، إلا أن مادة الفلسفة ما تزال ترتب في ذيل العلوم، ففي الجزائر مثلا  يجد خريجو الجامعة اختصاص فلسفة مشكلة في التوظيف، لأنها غير منتجة مثل العلوم الإقتصادية، فيضطر بعضهم التدريس في الأقسام الإبتدائية، رغم أن أغلب النظريات الإقتصادية نابعة من الفلسفة إذا قلنا أن المفكرون الإقتصاديون هم فلاسفة، انطلاقا من ماركس واضع أسس الدولة الحديثة،  إذا قلنا ان الفلسفة تمثل نوافذ العقل السليم، مهما كان توجه الفلاسفة الإيديولوجي، لأن التعامل يكون مع الفكر لا مع الشخص، كما أن طرح الأسئلة يفتح أفاقا للحوار بين أفراد المجتمع لاسيما بين المسؤولين في الحكم، لمعالجة المشكلات، وحل القضايا العالقة، وتجسيد المشاريع الإنسانية، لكن كيف يمكن توظيفها في الحياة اليومية؟.

 فقضية الهجرة الغير شرعية مثلا أو قضية الإنتحار أو الإدمان على المخدرات تحتاج إلى حوارات ونقاشات يطرحها أهل الإختصاص من علماء الإجتماع وعلماء النفس وعلماء التربية، وعلماء الدين والفلاسفة كذلك، لإبراز أهم العوامل التي تدفع بالإنسان إلى تعاطي المخدرات أو الإنتحار، ولعل الجميع يدرك أن تعاطي المخدرات مثلا غير مرتبط بالفقر أو البطالة،  فكثير من أبناء الأثرياء مدمنون، كذلك بالنسبة للإنتحار، الذين ينتحرون  بعضهم مثقفون ومن أهل العلم والفكر (أطباء، شعراء وحتى فلاسفة، مثلما نقرأه عن انتحار الكاتب البريطاني المجري الأصل آرثر كيسلر وزوجته عام 1983، واثارت هذه الحادثة جدلا كبير في وسط النخبة، كون عملية الإنتحار كانت نتيجة منطقية لموقف فلسفي بعدما تنظم إلى جماعة تطلق على نفسها اسم " الخروج" EXIT وتنادي بمبدأ "الخلاص الذاتي" وتبشر بأن حياة الفرد هي ملك خاص لصاحبها، وبناء على ذلك بمكنه أن يتخلص من حياته بالموت الإرادي أو ما يسمى بـ: "اليوثانيزيا"،  حين وجد أن حياته أضحت  تمثل عبئا ثقيلا عليه  بسبب الشيخوخة أو العجز أو المرض.

 ونقف مع الفيلسوف الماركسي الفرنسي لوي ألتوسير الذي قتل زوجته شنقا عام  1980، ومن الأطباء نقف على حالة انتحار مثيرة لأشهر أطباء مدينة قسنطينة (475 كلم شرق الجزائر) وهو مختص في  أمراض وجراحة الأعصاب وهو البورفيسور نجار  الذي وضع منذ سنوات غير بعيدة جدا لحياته عن طريق تناول أدوية، وطبيب آخر مختص في الأمراض الباطنية الذي شنق نفسه وهو الدكتور عبد الحكيم، دون أن ننسى قصة  لمين مرير العالم الفيزيائي الجزائري مختص في الهندسة النووية، الذي انتحر يوم 16 أفريل 2001  بعد عودته إلى بلاده الجزائر قادما من الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكن موافقة على خروجه بعدما اعتبرته جوهرة علمية لا يمكن الإستغناء عنها، وبعد عودته إلأى مسقط راسه بمدينة قسنطينة أغلقت في وجهه أبواب التوظيف العليا ومُنِحَ له منصب بسيط في محافظة الغابات، لكن الرجل ينتحر في يوم العلم، وكانت مدينة قسنطينة تحتفل بيوم العلم الذي تزامن مع  زيارة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة اليها وتكريمه عالمة عراقية ونسي العالم العبقري الجزائري ابن بلده، فقرر العالم لمين مرير أن يلقي بنفسه ر من أعلى جسر بقسنطينة، وهناك حالات كثيرة  شبيهة لما ذكرناه ربما لم نسمع عنها أو لم نقرأ عنها في الصحف، فكثير من المنتحرين يجدون أنفسهم فجأة  لا ينسجمون مع أفكارهم أو نظرياتهم وحتى الأطباء عندما يعجزون عن إيجاد حل لشفاء مرضاهم، وبعبارة اصح أن الذين انتحروا كانت أفكارهم ونظرياتهم محصورة في عدد من المواضيع التقليدية فتضيق آفاق أفكارهم.

السؤال بات ضروري طرحه اليوم، والقول أن المصالحة الحقيقية هي أن نتصالح مع ذواتنا وأفكارنا، وأن نبدأ خطوتنا مع الوعي، حتى نؤسس الفكرة تأسيسا علميا قبل أن نحولها إلى فعل، هي القاعدة التي ركز عليها كثير من المفكرين ومنهم المفكر الأردني جورج الفار وهو يرد على سؤال: لماذا تقدم الآخرون وتأخرنا؟، حيث دعا الأمّة إلى اتباع أفضل الطرق للتحرر من تبعيتها الداخلية، ويؤكد موقفه بأن الفلسفة قادرة على إحداث التغيير على المدى الطويل، يبقى السؤال هل إحداث التغيير يكون نحو الإيجاب؟ أم نحو السلب؟ أمام الأفكار الهدامة والوساوس القهرية،  حيث كان الإتجاه الثاني الحل لكل من اختاروا الخلاص الذاتي  أو الموت الإرادي، إن تحقيق الوعي  يشترط توفر المناخ الذي يتمثل في حرية التفكير والتعبير عن الرأي، وأن يعي المكفر أو الفيلسوف أو حتى الأديب أن آراءه  وإبداعاته سوف تلقى الإحترام والتفكير، فحرية التفكير والرأي  شرط اساسي لتقدم المعرفة وبالمعرفة نبني المجتمع السليم، وهذا يدفع الناشطين في مجال حقوق الإنسان محاربة "اللوبي" الأدبي، الإعلامي، واللوبي السياسي الذي يريد أن يغلق أبواب الإتصال والتواصل مع الآخر، ويخضع مواقع التواصل الإجتماعي للرقابة، وتحويل النشاطين على العدالة لا لشيئ إلا لأنهم كشفوا المستور واسقطوا الأقنعة، وأظهروا عيوب الحكام والمسؤولين أمام الرأي العام.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم