صحيفة المثقف

بريكست تيريزا ماي

كاظم الموسويتجهد رئيسة وزراء المملكة المتحدة تيريزا ماي على خروج المملكة من عضوية الاتحاد الأوروبي، باي ثمن. كاشفة عن سياسة لها، لا تعبر عن مواقف شعبها أو إرادة احزاب المملكة المشاركة في مجلس العموم أو الشارع البريطاني، بما فيها حزبها أو أعداد منه. في الوقت الذي كانت ماي فيه، هي نفسها، مع البقاء في الاتحاد، حين وعد رئيس الوزراء السابق لها ديفيد كاميرون، بإجراء الاستفتاء،  وندم على ما حصل من النتائج، وجاءت هي بعده ولاسباب أخرى متقلبة على موقفها السابق ومصرة على تنفيذ ما تزعمه خيارا استراتيجيا. لتقول في الاخير أنها تحافظ على الديمقراطية واختيار الشعب، ولكنها في الواقع تتناقض في فهمها للديمقراطية والخيارات الشعبية، بدليل التظاهر والاحتجاجات المستمرة ضدها في الشارع البريطاني. فهي من جهة مصرة على سياسة البريكست ومن جهة أخرى مصرة على رفض طلبات النواب وأعداد هائلة من السكان يتظاهرون باستمرار ضد بريكست ويدعون الى البقاء في الاتحاد من جهة أخرى.

تحاول ماي بصوّر متعددة ولاسباب كثيرة أن تواصل خطة الخروج من الاتحاد، منذ جرى الإستفتاء يوم 23 حزيران/ يونيو 2016  وحظي اختيار نعم بتأييد 17 مليون و 400 ألف شخص أو 52 بالمئة من المستفتين، وعارضه 16 مليون و 100 ألف شخص أو 48 بالمئة منهم، ما يعني تأييد أكثرية له، ولكن تنفيذ هذه الخطة الإنفصالية تتضائل لأسباب منها الخسائر التي ستلحق بالإقتصاد البريطاني بعد الخروج. واستمرت ماي مستندة إلى هذه النتائج أو متذرعة بها، وكأنها دستور لها، كاشفة وجهها أو ماوراءه منها، ومدعية احترامها لإرادة الشعب في ذلك الاستفتاء. وتكرر ذلك في كل خطبها وتصريحاتها. وبدأت رسميا بمفاوضات خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي عبر تفعيلها للمادة 50 من اتفاقية لشبونة التي تنظم إجراءات الخروج.

فبعد ايام من مناقشة خطتها التي اتفقت بها مع رئاسة الاتحاد الأوروبي حول البريكست في مجلس العموم البريطاني خرجت ماي بخيبة أمل كبيرة من عدم قبول النواب لها ومطالبتهم بضمانات للخروج، كما توضح لها سعة الخلافات والانقسامات حتى داخل حزبها، الذي طرح بدوره حجب الثقة عنها، ورغم أنها تجاوزت ذلك إلا أن رفض ما يقارب الثلث من عدد النواب المحافظين عليها ليس أمرا سهلا أو قوة لها في حال استمرار هؤلاء على مواقفهم واتفاقهم مع المعارضين لها في مجلس النواب.

كان زعماء الإتحاد الأوروبي قد وافقوا يوم 25 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي على إتفاقية إنسحاب بريطانيا من التكتل الأوروبي ولكن تبقى مصادقة البرلمان البريطاني على الإتفاقية هي الخطوة الأخرى لتنفيذ إنفصال بريطانيا عن الإتحاد. وكان من المفترض أن يتم التصويت على الخطة التي تقدمت بها رئيسة الوزراء البريطانية، بالرفض أو القبول في مجلس العموم يوم 11 ديسمبر الحالي. الا انها تواجه معارضة من قبل العديد من نواب مجلس العموم البالغ عددهم 650 نائبا وهذا يصعّب التصويت عليها بـ "نعم"، ولمعرفتها بذلك قامت بتاجيل التصويت والسفر مرة أخرى لاوروبا للحصول على ضمانات لتمرير الخطة.

إعترفت ماي بصعوبة تمرير خطتها في مجلس العموم، حيث قالت إن الإنقسامات بشأن إنسحاب بريطانيا من عضوية الإتحاد الأوروبي تمثّل "تآكلا" للسياسة البريطانية، مما يشير إلى تعزيز الشكوك المتعلقة بقدرة رئيسة الوزراء في كسب موافقة البرلمان على خطتها التي إستغرق تمريرها وقتا أكثر مما كان ينتظره الشعب البريطاني.

وفقًا للإتفاقية التي تمّ التوصل إليها، يبدأ الإنسحاب البريطاني من الإتحاد الأوروبي اعتبارا من آذار/ مارس 2019 ويمتد إلى كانون الاول/ ديسمبر  2020 ، حيث يتم الطلاق، الذي يتحدث عنه خبراء بأنه سيلحق خسائر إقتصادية ومشاكل اخرى.

يقول المعهد الوطني للبحوث الإقتصادية والإجتماعية في بريطانيا إن الإقتصاد البريطاني سيواصل النمو بعد الإنفصال عن الإتحاد الأوروبي ولكن بوتيرة أقل من بقائه في الإتحاد. وأضاف المعهد: هناك 3 سيناريوات لإنفصال بريطانيا عن الإتحاد الأوروبي أسوأها الخروج بدون إتفاق. والسيناريوات الثلاثة هي الخروج مع توقيع إتفاقية تجارة حرة مع الإتحاد الأوروبي وإتفاقية "دعم" مؤقتة لعدم تعطل التجارة مع تبعية إيرلندا الشمالية للقوانين الأوروبية في الأمور التجارية وخروج بدون إتفاق سيُفقد الإقتصاد البريطاني نحو 5 ,5 بالمئة من الناتج المحلي مقارنةً ببقاء بريطانيا في الإتحاد. ويؤكد المعهد أن إجمالي خسائر بريطانيا سيبلغ نحو 178 مليار دولار بحلول عام 2030 حال عدم الإتفاق وهذا أسوأ السيناريوات الثلاثة.

وبحسب المعهد الوطني للبحوث الإقتصادية والإجتماعية، يُتوقع أن تنخفض التجارة بين بريطانيا والإتحاد الأوروبي بنسبة 60 بالمئة في حال عدم الإتفاق، كما ستنخفض الإستثمارات الأجنبية المباشرة القادمة لبريطانيا بنسبة 24 بالمئة وستنخفض الإيرادات الحكومية بنسبة 5 ,1 بالمئة إلى 2 بالمئة على المدى الطويل. وقد انخفضت قيمة الجنيه الاسترليني، بعد تداول تقارير إرجاء التصويت بدرجة كبيرة، بلغت 0.5 في المئة مقابل الدولار الأمريكي، ووصلت قيمته 1.26 دولار. وكذلك حصل هبوط في أسعار الأسهم والعقارات وزيادة في تقلبات الأسواق.

في هذه الأثناء سلّم عدد من نواب حزب المحافظين وحزب العمال والليبراليين الديمقراطيين والخضر عريضة تحمل أكثر من مليون توقيع لرئيسة الوزراء يطالبونها فيها بإجراء إستفتاء ثانٍ،  ويعتبرون الإستفتاء الجديد الذي يعطي للشعب خيار البقاء في الإتحاد الأوروبي، ربما يكون "الحل الوحيد". كما طلب زعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربين رئيس البرلمان تسجيل طلب سحب الثقة من رئيسة الوزراء. قائلا بعد تأجيل التصويت على بريكست ماي الى الاسبوع الثالث من شهر كانون الثاني/ يناير من العام الجديد، بأنه ليس معقولا الانتظار شهرا للتصويت.. وسبق أن استقال عدد من الوزراء بسبب هذه الخطة، واصرار ماي عليها. كما حصل سجال حاد بين ماي وكوربين تحت قبة البرلمان.

ماي في إصرارها تقف أمام مهمات صعبة، فهي تناقض الديمقراطية وتتعارض مع أكثرية نيابية تعبر عن إرادة الشعب أو أغلبيته في التصويت على خطتها للخروج وعلى استفتاء ثان حوله. ولهذا فهي قد تتعرض ليس إلى ضغوط برلمانية وحسب، بل مصيرية ايضا، تدفع القيادات السياسية في اسكتلندا وحتى أيرلندا الشمالية من التفكير في الخروج من اتحاد المملكة، فضلا عن التدهور الاقتصادي، وهذا ما تهدد ماي به البرلمانيين والمعارضة بأن الخروج من الاتحاد دون اتفاق يعرض البلاد إلى أخطار أخرى، ليست في صالح المملكة المتحدة في كل الأحوال.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم