صحيفة المثقف

صفصطة نظرية البعد الواحد عند شاكر حسن آل سعيد (2)

590 Basquiatالتناقضات في مفهوم البعد الواحد:

يقول شاكر: (وهكذا فان السطح التصويري وامكانياته للتعبير عن الذات سرعان ما يتقبل الحرف اللغوي لاقحامه عالم اللوحة، ولم يعد اذن اقتباس الحرف في الفن سوى الموقف الكوني للمتأمل لانه اقتباس يتوخى الكشف عن وحدة عالمين يعيشهما في آن واحد هما عالم الفكر (اللغوي) وعالم المشاهد (التشكيلي) .

وقد ذكرنا سابقا بان شاكر حسن وصف الانسان بالبعد الواحد اي النقطة وان النقطة هي مصدر كل شئ فهي مصدر الخط والحرف وتعبر عن الموقف الكوني. وبالتالي فان النقطة (البعد الواحد) عندما تجر وتتحول الى خط فانها تصبح ذات بعدين والحرف اللغوي هو خط ذو بعدين، وفي هذه الحالة تسقط نظرية البعد الواحد (النقطة) وتبقى مجرد نظرية صوفية بعيدة عن فن التشكيل .

نجد هنا تناقضات في طروحات وافكار شاكر حسن بين التنظير والتطبيق العملي، فاستلهام الحرف في الفن التشكيلي يعني استحضار المادة اللغوية التراثية او اقتباسها والاستفادة منها في العمل الفني. ولكن شاكر حسن يعتبر استلهام الحرف وسيلة وليست غاية وان العمل الفني ليس خلقا وابداعا وانما موقف تسائل فتأمل ...؟. والتأمل هو محاولة الوصول الى الحقيقة، فالرؤية للعالم الخارجي يختلف عن التأمل الذي يخترق عالم الماديات الى كشف الروحانيات. فالاشكال عند شاكر تعتبر وسائل تعبيرية عن النفس البشرية وهي تطرح نفسها بصورة عفوية زاخرة بالتعبير والوعي واللاوعي معا .

و هكذا يطرح شاكر افكاره ونظرياته بين الوعي واللاوعي، بين التأمل والصوفية، بين التشكيل والبعد الواحد . بحيث يجد القارئ نفسه في بحر متلاطم من التناقضات والتسائلات .

590 ci twombly   2

التأمل في الفن:

التأمل هو محاولة ادراك الاشياء عبر العقل ومعرفة اصلها وماهيتها والهدف من وجودها والدخول الى اعماق الفكر والروح.. والتأمل في الفن التشكيلي هو رسم صور في الذهن لشئ معين اي رسمه في العقل او ما يسمى بالتصورات العقلية. ثم تأتي مرحلة التنفيذ اي نقلها من عالم التصور العقلي الى عالم المادة . وقد اشرنا لها سابقا .

و قد ذكر الفنان جوزيف كوزوت ان الفن غير موجود في الاشياء انما موجود في مفهوم الفنان وان الفن المفاهيمي اسألة عن طبيعة ما يفهم من فن .. كما ذكر شاكر حسن ان الفن ليس خلقا وابداعا وانما موقف تسائل وتأمل .. ولهذا فان الفن الذهني او التأملي نجده عند عدد كبير من الفنانين الاجانب سبقوا به شاكر حسن آل سعيد، وصدر في هذا الاتجاه عدد من الكتب . بينما تكونت جماعة البعد الواحد عام 1971 واقاموا لهم معرضهم الاول في نفس السنة ثم انفرطت الجماعة بعد عام لاختلافهم في الرأي، حيث فهموا الحرف كعنصر تشكيلي صرف، بينما فهمه شاكر حسن كبعد كوني وربطه بعالم التأمل والتصوف والتصورات الذهنية ...

الاحرف والارقام:

ان موضوع الاحرف والارقام ومعانيها ودلالاتها موضوع قديم ظهرت فيه عدة كتب تتحدث عن اسرارها ومعانيها ويسمى علم – السيميا – (سيمائهم في وجوههم من اثر السجود) وهي سارية في الاسماء وسارية في الكون وتستخدم في الطلاسم منذ زمن البابليين والى اليوم عند بعض الشعوب . وقد ذكر القرآن الكريم قصة الملكين هاروت وماروت وقد نزلا في بابل يعلمان الناس السحر ويقولان انما نحن فتنة. وبالتالي اخذ الناس يستخدمون اسرار معاني الاحرف والارقام في الحياة الاجتماعية ويستخدمونها للسحر وما يفرق بين المرأ وزوجه. وقد اشار اخوان الصفا في رسائلهم الفكرية الى تفسير معاني الارقام والاحرف وقد ذكروا ان وجودنا في ظاهره وباطنه هو عبارة عن لغة من الارقام والتناغمات، علما ان اخوان الصفا هم مجموعة من الفلاسفة المجهولة ظهرت في البصرة في القرن العاشر ميلادي وقد كتبوا 52 رسالة(كتاب) في مختلف صنوف المعرفة . 

و يذكر فيثاغورس ان كل شيئ في الحياة مرتبط بالارقام، علما ان فيثاغورس 580-490 ق م – قد زار بابل ومصر وربما درس في مصر وتأثر بعلومها وثقافاتها، وقال ان ذبذبات اوتار الآلة الموسيقة تنتج اصواتا متناغمة عندما تكون اطوال الاوتار اعدادا صحيحة، وقد عمم هذه النتائج على الكون كله .

كما ذكر جاليلو: ان الطبيعة كتاب مكتوب بلغة الارقام .

اليوم نرى بعض الفنانين والجماعات الفنية قد ادخلوا الاحرف والارقام في الفن التشكيلي كعناصر زخرفية تشكيلية صرفة تساهم في البناء المعماري للوحة كما هو عند بول كلي وخوان غريس وتابيس 1892 وجماعة الكرافيتي التي ظهرت في فرنسا ونيويورك في نهاية الستينات، وهذه الاخيرة اخذت ترسم في الشوارع على الجدران وعربات القطارات وغيرها . واتخذت الحروفية والرقمية اساسا لبناء اعمالها ومزجها مع الاشكل التجريدية والشخوصية . وانتشرت هذه الحركة في اوربا ووصلت الى الدول العربية وتأثر بها عدد من الفنانين العرب مثل شاكر حسن آل سعيد ..

وكان من رواد فن الكرافيتي الحديث هم: جون دو بوفيه (1901-1985)Jean Dubuffet وسي تومبلي 28 – 19 - Cy Twombley وآندي وارهول Andy Warhol 

- 1987 -1928- واخوان ميغيل باسكيت -1960 -1988 Juan Basquiat 

و في سنة 1961 نشر المصور جورج براسايBrassai Georges كتابا حول فن الكرافيتي وكان قد كتب مقدمته بابلو بيكاسو، وكانت اعمال دوبوفيه هي المحور الرئيسي الذي يدور حوله البحث والتي نفذت على الجدران سنة 1945 . وكان دوبوفيه قد استخدم عنصر الكتابة او الحروفية الى جانب الاشكال الاخرى وعلى خلفية ثرية بالالوان كما لجئ الى تقنية الاخاديد والشقوق والخدوش على الجدار وبحرية كبيرة في المعالجة ليعطي العمل اكثر انسجاما مع طبيعة الجدار .

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم