صحيفة المثقف

اسمها أروى

داود السلمانهي الوحيدة من بين بقية النادلات اللواتي يعملن في نادي (هوازن) والتي ترتدي ملابس قصيرة وشفافة، ملابس تظهر كل مفاتنها، ما يجعل من عيون رواد النادي تريد أن تلتهمها كفريسة سهلة.

وانا كنت الوحيد من بين جميع الحاضرين لا اعير لمنظرها أي اهتمام يذكر، بالرغم من أنها، كما بدأ منها بعض ما اسميه تحرش من نوع آخر، تحرشها هو عبارة عن لفت انتباهي لها كي اعطيها البغشيش، والشخص الذي يفعل معها ذلك تعود له في كل لحظة فتلاطفه وتطبع قبلة على خده، عربونا عن مودتها له، ويبادر هو الآخر بطبع قبلة حارة مماثلة على خدها فيها ايحاءً منه بالجنس.

وكنت بين الفينة والاخرى استجمع نظراتي فأصوبها تجاه مفاتنها الجميلة الموحية للإثارة، فكنت استلذ بعض الشيء بهذا، لكن من دون أن اشعرها بذلك.

ومرة حظيت بيّ وانا أفعل ذلك، فضحكت ضحكة غير معهودة وقالت، بنوع من المزاح:

-  (وين تباوع مو زين على عيونك).

فضحكت ضحكة عالية، سمعها جل رواد النادي. ومن يومها صارت تلاطفني وتسمعني بعض النكات والكلام المعسول، وكنت بدوري اسمعها كلام ناعم يوحي للإثارة، فلا تزعل، بل تبادلني الضحك والابتسام، وحتى في اليوم الذي لا أأتي به للنادي تسئلني لماذا هذه الغيبة والجفاء؟. فأتعذر بأعذار واهية.

وكنت اسمعهم ينادون عليها بـ (أروى)!، اذن هي اسمها اروى، ما أجملها من اروى، انها فاكهة ناضجة، وكنت أمني نفسي متى منها اروى؟، أروى غليلي الملتهب بمعاشرتها بإطفاء جحيمي في بحر انوثتها العذب.

أروى، متوسطة القامة ممشوقة القوام، بشرتها تميل الى البياض قليلاً، مطلية بسمار فاتح، وجهها مدور كأنه وجه طفولي يشع براءة، اسنانها كأنه حبات لؤلؤ، وثغرها صغير كأنه حلقة خاتم يلبس في اصبع الخنصر، كثيرة الابتسام، الا أن انفها قصير بعض الشيء فارش على الجهتين، واما صدرها فتعلوه قبتان عاليتان تريدان أن تفلتا من حمالة الصدر المكشوف، والذي يثير رغبة الانظار بالتحديق فيه والتمتع بلمس سنام تلك القبتين الشامختين.

في اكثر من مرة كنت اسأل نفسي: ترى من الذي رمى بهذه الفتاة- كما يرمى عقب السيكار في المكان المخصص له؟- فأكيد أنها ضحية مجتمع، ضحية خيانة عاطفية، نزوة، أحبها واحبته، وعدها بالزواج، حلف لها بأغلظ الايمان، وفي نزوة منها، نزوة اعتبرتها عابرة، قرر أن يفض عذريتها فنجح. ولما بان عليها الحمل تركها ولاذ بالفرار الى جهة غير معلومة. اما هي فظلت تندب حظها العاثر، وتلوم نفسها على ما فعلت بنفسها وصدقت بذلك الحبيب المخادع، ولم تشعر بنفسها الا وهي متشردة في الشوارع، وبين الملاهي والحانات والاماكن المشبوهة.

وكلما احدق في عين اروى، وادقق النظر أقرأ في عينيها ملامح تلك المأساة التي جرت على تلك الفتاة، أو قل بالأحرى ما فعل بها الحبيب المزعوم والذي فعل تلك الفعلة، فما اشبه الحالتين.

ومرة سألتها: من الذي حتف بك الى هذا المكان المشبوه يا أروى؟. فأجابتني من خلال نظرة الم طويلة مصحوبة بحسرة، تصورت أن روحها قد خرجت من تلك الحسرة.

وتركتني اتصارع مع ظنوني كصراع خصمين على حلبة، لأن أحد الزبائن نادى عليها وطلب منها أن تأتيه ببطل من البيرة المثلجة.

***

قصة قصيرة

داود السلمان

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم