صحيفة المثقف

موضة الصلاة في الشوارع!

حميد طولستربما أن الكثيرين مثلي يتلقون يوميا عشرات الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحمل صورا مفزعة، بعضها مفبرك والبعض الآخر صحيح أو ممكن الحدوث، كصور الصلاة في الشوارع وعلى قارعة وملتقى الطرق، الظاهر الغريبة التي يروجها الإسلاميون - فردية كانت أو جماعية - لتشيطن الإسلام وتعطي صورة مجتزأة وغير كاملة عنه، والتي هي قطعا ليست من الصلوات التي ألزمنا بها الإسلام كمصدر رقي وتحضر، تلزمنا باحترام الآخرين والاعتراف بحقوقهم والتي لا يُبتغى بها إلا مرضاة الله، وأنها صور لصلاة جديدة للتظاهر والنفاق والرياء المحرم في الإسلام، ودعاية كاذبة واستعراض لميولات مقيميها التطرفية، لغايات معينة في ببلاد الغرب الذي يعتبر تلك التصرفات مزايدة هجينة على العبادات التي هي عندهم مسالة شخصية جدا، يقوم بها من أراد بكل حرية لأي رب كان، شريطة أن يستشعر ربه في قلبه، ويخشاه في خلواته حتى لو كان ربه الشيطان ذاته، كما في قوله تعالى:"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا"، أما ممارسة الطقوس الدينية على قارة الطرقات، فليست من علامات الإيمان، والصلاة من دون الإيمان الصادق بالله سبحانه وتعالى تبقى فلكلورا مؤدٍ للمصلي ولغيره من مستعملي الطرق، الذين يشل حركة حياتهم، وليس من حق أي أحد البتة أن يؤذي الناس لأنه يصلي، كما يظن البعض- عن جهل كبير- أن له قدرًا عند الله بما يؤديه من صلوات وإن كان فيها أدا لغيره، فكيف يكون المسلم هو أنفسه أد يقطع الطريق ويسد منافذها وتقاطعاتها على غيره، وقد حثه الإسلام على إماطة الأذى عن الطريق،؟!!؟

نعم الصلاة واجبة ومؤكدة، لكنها ليست مجرد طقوس شكلية يؤديها المسلم خمس مرات في اليوم من دون أن تترك أثراً في حياته وسلوكياته مع الناس، بل هي تهذيب لسلوك من يحرص على أدائها على الوجه الأكمل، تصرفه عن فعل الفحشاء والمنكر، كما أخبرنا الخالق عز وجل: "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون"، فأن يصلي المرء وألا يفوت صلاة باعتباره مسلما، فذاك أمر يحمده لنفسه، ويحمده الناس له، ويجازيه ربه عليه يوم الحساب، لكن هل من المفترض أن يصلى بالشارع، ويؤذي مصالح الاخرين بقطعه للشارع الذى هو ملكية عامة لكل المواطنين بما فيهم هو نفسه، فتلك الفحشاء والمنكر التي تنهى عنها الصلاة؟ .

لكنه الخواء الفكري، القنبلة الموقوتة التي تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية ويلاتها في زماننا هذا، حيث أن خلو العقل مما ينفع، وإمتلاءه بما لا يفيد من التأثيرات الخارجية السلبية، والتأثر بأي فكر واه وأي مَنهج غير إيجابي، بِغض النَظر عن محتواه وَدرجة صحته وَموافقته للشريعةَ الإسلامية، لهو الكارثة العظمى التي تحركها الأصابع الشيطانية الماهرة، المقنعة بقناع الصلاح والتقوى والمبادئ الدينية والقيم الإنسانية، بهدف تهيئة السبل وتمهيدها للوصول لغايتها الخاصة، التي غالباً ما تكون وخيمة العواقبها على الفرد والمجتمع، اللذين لابد أن يستفيقا من غفلتهما  - وربما من غبائهما- ويكفا عن الربط بين صلاة المصلين، وصلاحهم وتقواهم ونزاهتهم، حتى ولو صلوا في كل شوارع وطرقات الدنيا، لأن الشرط الأساس للصلاح والتقوى والنزاهة، هو العمل الفعلي ذي المردودية الواقعية المباشرة على الناس، و ليس المعتقدات أو الميولات الروحية  كيف ما كان شكلها، وإن بعض التطرف خارج حدود الشرك أخطر من الشرك، فربما مشرك مسالم، لا يشكل أي خطر بشركه، ولا يستغل عقيدته، ولا يفرضها على غيره،  خير من متطرف يستغل الصلاة في الشوارع لتشويه للإسلام بإساءته والإساءة للمسلمين وغيرهم من الناس..

وما أظنها إلا حيلة قد أنكشف أمرها -كما الآلاف غيرها-  ولم تعد تنطلي على أحد، حتى البسطاء من الناس، الذين لم تعد تهمّهم لا صلاة المصلين ولا ابتهالاتهم ولا أذكارهم، وأصبح يشغلهم إلا معاشهم وحقوقهم الأساسية المهضومة، بعد أن تغير الوضع وتغيرت أدواته ومدخلاته ومخرجاته وقوانينه مع انتشار شبكات التواصل الإجتماعي، ولم يعد يحتمل الإستحمار..

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم