صحيفة المثقف

السُّلْطَةُ تَشْتَكِي من ضُرَّتِهَا؟

علجية عيشالسياسيون وأزمة المفاهيم السياسية..، إشكالية وجب إعادة  طرحها  والنظر فيها من جديد لتصحيح الأفكار والمفاهيم أو ضبطها في إطارها القانوني، أمام كثرة الحديث عن السلطة والدولة والسيّادة والأمّة والحكومة والحكم الراشد والتحالف السياسي، والوسطية السياسية، الانقلاب، وما شابه ذلك من المصطلحات التي كثيرا ما يتداخل بعضها ببعض، مع أن لكل منها معنى محددا ويميزها عن المصطلحات الأخرى، هكذا كتبت جريدة الخبر في عددها الجديد (الاثنين 07 جانفي 2019) الصفحة الثالثة بالخط  العريض وباللون الأحمر: "أويحي يشتكي من ظلم السلطة"، يكاد هذا العنوان أن يكون شبيها بالنكتة بل نكتة  هو إن صح التعبير، فكيف يشتكي الإنسان من نفسه؟، أو كيف تشتكي السلطة من نفسها؟.

فأن نقرأ مثلا  أن زعيم الأرندي أحمد أويحي يشتكي من ظلم السلطة وهو طرف فيها، يحدث كثير من الشكوك، ويطرح علامات استفهام كثيرة، كون حزبه يمثل ثاني قوة سياسية في البلاد بعد حزب جبهة التحرير الوطني، والأغرب في هذا كله أن الاثنان يمثلان التحالف، ويقفان في خط واحد في ترشيح الرئيس لعهدة جديدة، وهذا مؤشر قوي على أن السلطة في الجزائر تعاني من "الإنفصامية"، وتحتاج إلى علاج خاص حتى تستعد عافيتها،  لا يمنع هذا العنوان أن نقول أن السلطة اليوم تعيش أزمة مفاهيم ومصطلحات، ما جعلها تقف في مفترق الطرق، خاصة مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية،  وموقف المعارضة منها، فما يميز المشهد السياسي في الجزائر حاليا، هو الخرجة التي ظهر بها "إخوان" الجزائر الممثلون في حركة مجتمع السلم، والمبادرة التي قام بها زعيم الإخوان في الجزائر الشيخ أبو جرة سلطاني بتأسيسه "المنتدى العالمي للوسطية"، وكأنه يوجه رسالة للسلطة بأن يكون أعضاؤها وسطيين.

  ولا شك أن هذه المبادرة تمنّت الأحزاب أن تكون هي المبادر الأول إليها، لكن أبو جرة سلطاني الذي تخلى عن القبعة الحزبية شكلا لا مضمونا كان السبّاق إليها، وهو يشكر على ذلك، أمام مطالب بتوسيع المشروع وإعطائه الطابع المغاربي، أي أن تكون تونس المغرب ليبيا وموريتانيا عضوا فيه، ولو أن الحديث عن المنتدى لا علاقة له بالموضوع لكن المشروع يحتاج من الجهات المخولة تثمينه وتشجيعه، بل دعمه، لأنه يخدم الجزائر كدولة، الجزائر التي كانت دائما " وسطية " في علاقتها مع الآخر، فعندما نتحدث عن الجزائر كدولة، يقود هذا للحديث عن مفهوم الدولة والسلطة والسيادة، وهذه المفاهيم مرتبطة بعضها ببعض، فالدولة في نظر رجال القانون وعلماء السياسة ترتكز على ثلاثة أركان هي: الشعب، الإقليم والسلطة، وهذه الأخيرة هي ركن من أركان الدولة،  بمعنى أن السلطة هيئة حاكمة عليا يخضع لها جميع الأفراد، والحكام أشخاص لهم حق ممارسة السلطة، فكيف إذن لرجل في السلطة مثل أويحي يشتكي من ظلم السلطة؟  إلا في حالة واحدة وهي أن تفقد الدولة سلطتها الداخلية، وتفقد أحد مقوماتها الأساسية.

  هي طبعا رسالة أراد أويحي أن يوجهها للرأي العام، بأن للأفلان الذي يعتبر السلطة الأولى في البلاد يريد أن ينفرد  بالقيادة دون سواه، وأنه ليس وحده من أرسى دعائم الدولة، لأن قادة الأرندي ليسوا غرباء عنه وهم الذين خرجوا من رحم الأفلان، وللأرندي ما للأفلان من حقوق وسلطة، لأنهما يتفقان في الأفكار والبرامج  والسياسات والأهداف  حتى ولو اختلفوا في الطريقة، وبالتالي هما مطالبان معا ضمن مسار واحد الحفاظ على سلطتهما، في كل هذا وذاك، فقد أراد أحمد أويحي أن يقول للرأي العام أن الأفلان والأرندي يتقاسمان نفس الوظيفة السياسية سواء من حيث التوجيه والتخطيط والتنشيط والرقابة، وبالتالي لا ينبغي أن تتغلب كفة سلطة على شقيقتها السلطة، وهي تعتبر رسالة تنبيه وتحذير حتى لا يفكر أحدهما اختراق الآخر أو فتح الباب لتسلل تيار آخر ينتظر الفرص لضرب السلطة من الداخل في غياب الانضباط الإيديولوجي الذي يمهد للعمل التخريبي، طبعا ليس عيبا أن تشتكي السلطة من ضرّتها، لكن يبقى السؤال مطروحا ماذا يبقي للدولة إذا فقدت سلطتها؟.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم