صحيفة المثقف

مواقف كويتية شجاعة

كاظم الموسويالمواقف السياسية التي تصدر عن حكومات او مؤسسات سياسية معبرة عن ثوابت التحرر الوطني العربي لابد ان تثمن وتقيّم ايجابا، مثلما العكس منها تشجب وتدان وتكشف امام الراي العام العربي على الاقل. إذ أن هذه العملية تساعد في تراكم مثل هذه المواقف السياسية الإيجابية، وتعززها من جهة، وتقدمها مثالا أو نموذجا لغيرها من جهة أخرى. كما أنها تعطي للمؤسسات مكانها وموقعها في العمل السياسي أو في العلاقات الإقليمية والدولية، وتضعها أمام التزاماتها وانظمتها الداخلية ومسؤوليتها القانونية.

حصلت مواقف كويتية متعددة ، شجاعة وملفتة الإنتباه لها. منها ما حصل في مجلس الامن الدولي مؤخرا. لاسيما في ظل الانحياز المعروف لدى هذا المجلس واعضائه المتنفذين في مواقف بعضهم المعادية للقضية الفلسطينية، والمستمرة ضد حقوق الشعب العربي في اي بلد احتل او غزي، وضد المقاومة بكل اساليبها للتحرير والحرية والاستقلال، ففي ظل تلك الاجواء وحالة الجزر في المواقف العربية الرسمية تصبح المواقف الكويتية في مجلس الامن معبرة ومقيمة ومثمنة عاليا. وهنا لابد من تقديم التحية والتقدير لامثال هذه المواقف العربية المحترمة، عموما والموقف الاخير في مجلس الأمن الدولي خصوصا. والتركيز عليه ليكون مثالاً يحتذى ومطلبا يجمع عليه.

لهذا ورغم ما حصل في الجلسة من نقاشات وتهديدات للناطقين الرسمين باسم الولايات المتحدة ومن يتخادم معها او قاعدتها الاستراتيجية الرئيسية في وطننا العربي، ضد حقوقنا العربية وقوانا التحررية ونضالنا الوطني، وبخصوص لبنان في هذه الحالة، أبدى مندوب الكويت لدى المجلس، منصور العتيبي، موقفاً داعما للبنان في وجه الادعاءات الإسرائيلية، مشيداً بالتفاعل المتميز للحكومة اللبنانية مع أزمة الأنفاق منذ ظهورها، ولافتاً إلى أن لبنان يعيش لعقود وسط استفزازات وتهديدات إسرائيلية. وأضاف العتيبي: "لم نجد مطالب عقد جلسات طارئة لمجلس الأمن بشأن الخروق الإسرائيلية"، مجدداً إدانة بلاده للاعتداءات الإسرائيلية على السيادة اللبنانية، مع تأكيده حق لبنان المشروع في استعادة مزارع شبعا وكفرشوبا وإنهاء احتلالهما، وحق لبنان في المقاومة لتحرير أرضه التي تحتلها إسرائيل، داعياً إلى التفريق بين الإرهاب والمقاومة.

هذا موقف شجاع ترفع القبعة له ويسجل في حساب دولة الكويت، موقف رجال صابرين على العهد، فتاكيد ان المقاومة في لبنان حق للشعب اللبناني وبطولة ردع في التصدي للاحتلال والارهاب الصهيوني، اقرار واجب وجرأة محمودة واثبات قانوني، معترف به، وليست مغامرات او ذراعا بالوكالة، كما هو حال غيرها، لاسيما من يتهمها بذلك.

موقف في مجلس الامن افضل بالكثير من مواقف ما بقي من اسم جامعة الحكومات العربية في هذا الشأن بالذات، وامثاله، حتى كادت تنسى او لا يتذكرها من اسسها وشارك في استمرارها. وفي الشجاعة في اعلانه رد على ما قام به غيره من سفراء متكالبين على حقوق الشعوب وتحررها الوطني وكفاحها المشروع وخياراتها التقدمية. يذكر ايضا ما قام به رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم حين هاجم رئيس وفد الكيان الإسرائيلي إلى مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي المنعقد في روسيا، ونعته بممثل الاحتلال وقتلة الأطفال ومرتكبي جرائم الغصب وإرهاب الدولة. وقال، كما نقلته وكالات الانباء والفضائيات مباشرة، بانه عديمُ الحياء، وإنه لو كانت لديه ذرة من الكرامة لخرج من المؤتمر بعدما اكتشف الحضور زيف مداخلته. وخاطبه مباشرة "عليك أن تحمل حقائبك وتخرج من القاعة بعد أن رأيت ردة الفعل من كل البرلمانات الشريفة". وتابع "اخرج الآن من القاعة إن كانت لديك ذرة من الكرامة.. يا محتل، يا قتلة الأطفال".

كما كان موقف العديد من النواب مشابها لموقف الرئيس، لاسيما في الثبات في رفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. تاكد هذا الموقف في المهرجان الخطابي الذي دعا إليه الاتحاد الوطني لطلبة جامعة الكويت بعنوان "لا للتطبيع مع الكيان الصهيوني" في جامعة الكويت، (تشرين ثاني/ نوفمبر 2018) في الاصرار على أن موقف البلاد الرسمي في هذا الأمر متطابق مع موقفها الشعبي.

حيث أشار النائبان خالد العتيبي واسامة الشاهين في مشاركتهما إلى ذلك مع إدانة هرولة بعض الحكومات للتطبيع ومصافحة القتلة، والتنازل عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. واكدا أن بلادهما وعبر قوانينها، لا تتعامل مع اي اسرائيلي او صهيوني، فهي صاحبة المواقف الراسخة والثابتة تجاه قضية الشعب الفلسطيني وحقه في استعادة اراضيه.

ودعيا "الشعوب العربية والاسلامية الى التحرك ضد التطبيع، فكلما زادت الحرية زادت القدرة على تحقيق مقاطعة اسرائيل. وان كنا نختلف او نتصارع في كل القضايا لكن تبقى القضية الفلسطينية تجمعنا وتوحدنا، ولم لا وهي قضية الامة بأسرها".

هذه الإشارات مؤشرات، معطى يكفي ان يبنى على ما سبق وما يلحق، ويتقدم مثالا لغيره وصوتا اخر يدق ناقوس الارادة والصمود والعزيمة العربية. هذا هو الموقف المطلوب الان.  ومثل هذا الموقف يشاد به ويشار اليه، ويتطلب العمل عليه والاستمرار به، ثابتا من ثوابت الامة وشاهدا لها.

أن تصاعد هذه المؤشرات وامتدادها عربيا، رسميا وشعبيا، تعكس صرخات ضمير الأمة العربية والإسلامية واحرار العالم، وتتطلب الاستمرارية والتواصل على مختلف الأصعدة والمستويات. فلو انتشرت بقوة فإنها تفرض على أصحاب القرار السياسي الامتثال لها واعلانها أو التأمل بها قبل ما يحدث اليوم من تهرب أو تواطؤ أو ازدواجية بغيضة. ولهذا فإن مواقف دولة الكويت المشار لها تستوجب التأييد والدعم، وعليها ليس الاستمرارية بها وحسب وانما تطويرها وتوسيع دائرة شؤونها، برؤية استراتيجية وابعاد إنسانية لضمان العدل والأمن والسلم الأهلي والإقليمي وحتى العالمي.

لاشك أن توافق المندوب الكويتي في مجلس الامن الدولي مع رئيس مجلس النواب مع الاتحاد الوطني لطلبة جامعة الكويت، مع قطاعات واسعة ومنظمات وإعلام  وشخصيات وازنة يحقق للكويت مكانة مرموقة اليوم في حسابات العمل السياسي العربي والإقليمي وسجلات التاريخ.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم