صحيفة المثقف

أنا وحفيدتي والسلحفاة

جعفر المظفريقولون ان التحضر لا يقاس بعدد الجهزة الألكترونية التي تمتلكها الشعوب او بعدد ونوعية السيارات التي تقتنيها بل بطبيعة العلاقات والسلوك الإنساني، فهو، اي التحضر، سمة ثقافية وسلوكية اكثر منه خاصية تَمّلُك. في تعريف كهذا يحتل التعامل مع الحيوانات وخاصة الأليفة منها مكانا متقدما.

في الخمسين حوش، ذلك الحي المعقلي من مدينة البصرة، حيث قضيت طفولتي قبل أكثر من الف عام، كانت واحدة من هواياتنا اليومية قتل السلاحف التي تضل طريق العودة وهي تحاول عبورالشارع إلى نهر مجاور بسرعة سنتمتر واحد في الساعة.

وعلى طريقة (ها أخوتي ها) يصيح أول من يعثر على السلحفاة، أن هلموا يا أطفال الحجارة، فترانا نتجمع بأسرع من الضوء، كُلٌ يضع دشداشته في لباسه الداخلي، ويجعل من طويتها مخزنا للحجارة المدببة، هاتفين (الطوب احسن لو مكواري)، حتى إذا ما بدأنا الرمي فإننا لن نترك تلك المدرَّعة الضالة إلا ومصارينها تتدلى من ظهرها، ثم ننصرف وكأنا إنتصرنا على إسرائيل.

تذكرت هذه القصص وأنا أنظر لحفيدتي الأمريكية وهي تربت على ظهر سلحفاة صغيرة أهداها لها والدها مدّعيا أن ذلك سيساعدها على أن تتآلف مع الطبيعة من حولها، شجراً وحيوان، ثم تربي سلوكها الإجتماعي بشكل أفضل.

لكني شعرت ، وأنا أطيل النظر لتلك السلحفاة المتجولة بأمان أمام أنظار حفيدتي، أن ثمة (حكة) كانت تأكل باطن يدي.

وقد عرفت، وأنا الخبير بهذاالنوع من (الحكات)، أنها دعوة للبحث عن أقرب حجارة بإمكانها أن تحقق عودة الشيخ إلى صباه، وقد أشعل رغبتي تلك طنين بدأ يتصاعد في أسماعي وكأني أسمع من يصيح .. ها أخوتي ها...

غيرأن من حظ تلك السلحفاة المسكينة ان المكان كان خاليا من الأحجار، إضافة لمعرفتي أن (حفيدتي الأمريكية*) التي لم تكن أكبر حجما ولا عمرا من تلك السلحفاة، تعرف تماما كيف تتصل برقم شرطة النجدة. والنتيجة معروفة سلفا.

الشرطة سوف لن تتردد عن سوقي بتهمة إني عراقي همجي قادم من عصر الكهوف، ثم تنشر النيويورك تايمز والواشنطن بوست صورتي في الصفحة الأولى كعدو للحيوانية، ولن تتورع عن تقديمي للمحاكمة بتهمة إستعمال أسلحة الدمار الشامل للقضاء على سلحفاة أمريكية مسالمة.

 

جعفر المظفر

............................

* تحية لسيدتي إنعام كجة جي صاحبة رواية الحفيدة الأمريكية التي أعتبرها واحدة من أفضل الروايات التي قرأتها حول الإحتلال الأمريكي للعراق وذلك بإسلوبها السهل الممتنع.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم