صحيفة المثقف

مُعلِّمي الشيخ محمّد جعفر الكرباسيّ

عبد الاله الياسري(1927م ــ 2016م) في الذكرَى السنويّة الثالثة لرحيله.

علّمني عشرات من المعلِّمين، في مراحل دراستي الإبتدائيّة والثانويّة والجامعيّة، ثمّ مرّوا زبَداً، ومضوا جُفاءً مع السنين، ولم يمكُث منهم في قلبي كالوشم إلا واحد من كلّ مرحلة من مراحلي الدراسيّة الثلاث. ولقد كان معلِّمي الشيخ محمّد جعفر الكرباسيّ ــ رحمه الله ــ ثالث ثلاثة؛ بل كان هو معلّمي الأَوّل الذي وضع حجر الأساس في بنائي العلميّ والأدبيّ يوم علّمني وأدّبني، فأحسن تعليمي وتأديبي وأنا تلميذ غضٌّ من بين عشرين تلميذاً ونَيِّف، في الصفّ الخامس من مدرسة الصادق الإبتدائيّة، بمدينة النجف في العراق، عام واحد وستّين وتسعمائة وألف للميلاد. . كانت للمعلّمين في إدارة المدرسة عُصيّ يومذاك. يَتقلّد كلّ معلّم منهم عصاه حين يرنّ جرس الدرس، كما يتقلّد الفارس سيفه ساعة الوغَى، ليُعلّموا بها من كسل مُقصِّراً، ويُؤدِّبوا بها من شكِس مخالفاً. وما كان المعلّمون ليدخلوا الصفوف من دون تلك الآلة المُرهبة ما خلا معلّمي الشيخ الكرباسيّ. كان يدخل الصفّ أعزل من بين أولئك المعلّمين الكُماة. لايحمل في يده غير طباشير للكتابة علَى اللوحة؛لكنّ طباشيره كان أهيب من العصيّ كلّها جمعاء، بل كان أهيب حتّى من عصا المدير نفسه. وماأدراك ماعصا المدير! خيزرانةٌ أَبرحُ من كلّ العصيّ. وويلٌ ثمّ ويل لمَن تَهوي علَى راحته. . كان معلّمي الشيخ مُعلِّماً تربويّاً، ولا كنظرائه المعلّمين التربويّين في رقيّه الإنسانيّ، وفي طريقته السلميّة الحضاريّة التي كان يسوس بها تلاميذَ غِضاضاً؛ماينبغي لمُعلِّمهم ومُربِّيهم أنْ يُنشئهم على القمع والعبوديّة والهوان، وفي أَيديهم مستقبل العراق كلّه. وكان دينيّاً مُعمَّماً، ولاكرفاقه الدينيّين المُعمَّمين في عمق وعيه، وبعد رؤيته؛إذ كان يَنسلّ وهو فتىً ــ كما رَوَى لي السيّد الوالد ــ من بين ظلام جمودهم وأحابيل جهلهم، إلى المدرسة الثانويّة المسائيّة المحظورة علَى أمثاله من الفتيان المعمّمين، كي يَتعلَّم فيها مالايمكن أنْ يتعلّمه في المدارس الدينيّة حتى تخرَّج مُعلِّماً مختصَّاً بتعليم اللغة الإنجليزيّة. نَشأ مختلفاً عن أَقرانه من معمَّمين وغير معمَّمين إختلافاً نوعيّاً؛لكنّه فرض على الفريقين كليهما احترام اختلافه بمودّة وسلام. مَنْ يَشأْ أنْ يقف على بعض مواطن اختلافه عن الفريق الأوَّل من حيث الفهم الدينيّ الصحيح، يَقرأْ مقدّمة سِفره الخالد (إعراب القرآن) التي لم تُفرِّق بين أَحد من بُناة الإسلام الأَوالي. ومَنْ يَشأْ أنْ يقف على بعض مواطن اختلافه عن الفريق الثاني من حيث العمق المعرفيّ، يَتَحَرَّ رَدَّه على العلّامة الدكتور مصطفى جواد سقطاتِه اللغويّة. . قضَى معلّمي الشيخ عمره كلّه في القراءة والتأليف. لاسمير له إلا الكتاب واليراع. ثمّ فنيَ بدنُه ومات في20 ــ01 ــ 2016م، وكلّ بدن محكوم بالفناء والموت؛لكنّ طيب ذكره لم يفنَ ولم يمت. ولئن كان طباشيره أقوَى من العصا بالأمس؛فإنّ بقاءه أقوَى من الفناء اليوم. ولئن فرض احترام شخصه على الناس في حياته؛فلقد فرض خلود اسمه على الزمان بعد موته. إنّ مثواه في القلوب التي أستنارت بعلمه، وكَلِفَت بسيرته. ولسوف يبقى معلماً تنويريّاً يُستدل به على النور في طريق الظلام، حيّاً خالداً في ذاكرة التاريخ. تستعيد الأجيال طيب ذكره جيلاً فجيلاً. . فطوبَى له مُعلِّماً وِتْراً، وطوبَى لمن تَعلَّم منه مالاينساه.

من مؤلّفاته:

ــ إعراب القرآن 8 مجلدات

ــ نظرات في أخطاء المنشئين

ــ المنتخب من كلام العرب

ــ الرسالة التامّة في فروق العامّة

ــ الأنباء بما في كلمات القرآن من أضواء

ــ ملحة الإعراب في نخبة من سور الكتاب

 

عبدالإله الياسريّ

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم