صحيفة المثقف

كلستومي

صحيفة المثقففي ذكرى الأطباء: أثير على حسن

الاخوين مثنى وخالد العسل

 

انتهت تأتآت المخدر وانبلج صوتها واضحا وهي ترد بالشكر على تهنئات الحاضرين بالسلامة ونجاح العملية التي غدت تعد بسيطة جدا - تذكر أن عمين لها قضوا قبل بضعة عقود بنفس هذه الجراحة - كانت الوجوه المحيطة بها تبتسم بأطراف الشفاه فقط غير إنها لم تعر بالا ولم تقف عند ذلك طويلا، اذ لا زال في رأسها ثقل من بقايا التخدير . استيقظت صباح اليوم التالي وقد زالت من رأسها كل آثار المخدر، لم تقرأ في العيون التي تحاول جاهدة تجنب النظر في عينيها أيّما فرح حقيقي، فهمت ذلك غير إنّها ارتأت أن تصمت . في الضحى زارها طبيب من المعارف جلس على حافة الفراش كما يجلس الابن لامه وبعد أن هنّأها بالسلامة أخذ يحدثها بحديث فهمت مغزاه سريعا غير إنها لم تنبس بحرف بل كانت تهز رأسها بصمت وبشبه ابتسامة ارتسمت على شفتيها الضامرتين .

(اذا شقَّ الجراح مكان الزائدة الدودية لابد له من استئصالها سواء كان بها ضير أو لا، تحسبا من أن تلتهب يوما ما فيرى الأطباء آثار بقايا الجرح فيظنون ان الزائدة مستأصلة فيهملونها فتنفجر) هذا ما قاله الطبيب . كانت تستمع اليه وهي تنظر الى بنطاله الجينز وتفكر انه يعاملها مثل امّه المتوفاة حديثا رحمها الله فنعم ما أنجبت وربّت .

كان الفرح المزيف يزين الشفاه وتتربص كلمات عند ضمة الشفتين تكاد تنطلق ويكبحها الأحباب . حين عادها الجراح للمرة الاولى بعد الجراحة لم يقل ولم يفعل غير ذلك لكنه في الزيارة الثانية بدأ يلوح ويلمح الى شيء آخر والى جراحة اخرى وفي المرة الثالثة أفصح بأهون الكلمات انه يريد أن يفتح الجرح ثانية لأنه في شك من أمره . كان الرضا يعمر صوتها وهي تجيب : كل ما يأتي به الله طيبُ .

الأيام تترى والكل في ارتباك وهمٍّ وتردد وكانت نتائج الفحوص تبشر بالخير غير إن الجراح ظل يهز برأسه مصرا على فتح الجرح تارة اخرى قائلا انه لم يستطع أن يفعل ما يريد لأنه تفاجأ بما وجد داخل الجسد وكان عليه أن يستأذن ولي الأمر والمريض بما يريد أن يستأصل من أحشائها أيضا، ولم يكن قد أعد للأمر عدته، ذلك أن الجراحة الاولى كانت ضرورية وآنية لإنقاذ المريضة ليلتها .

ونظرا لتبلبل آراء الاسرة وترددهم فقد طلب فحوصا متعددة ودقيقة اخرى . وبعد عناء وإصرار منه أخيرا حصل على مراده فوافق الجميع على جراحة ثانية، استأصل الجراح فيها ما طاب له من أحشائها واستيقظت منها المريضة بعين ثالثة ترقد في جنبها الأيمن تنز أقذار الجسد بكثافة. كان عليهم أن يضعوا لها أكياسا من نوع خاص تتلقى القذارة غير إن جسدها العنيد رفض الأكياس كيسا بعد آخر ثم التهب محدثا هما جديدا كانت هي والعائلة في غنى عنه .

ولكن لا بأس فكل ما يأتي به الله طيب . التهب جلد بطنها - نصفه الأيمن فقط - التهابا مؤذيا وكانت فتحة التفويه ال (كلستومي) تنز وتنز وتنز ولا كيس ليلتقط ما تفرز بل كانت تنظف بأساليب شتى من وحي الحاجة تخترعها القائمات على رعايتها - جزاهن الله عنها خيرا - حتى جاء الفرج بعد عدة أسابيع تدريجيا بتقلص الفتحة حدا يقارب الضمور . ثم قام الجراح بإغلاقها ولكنها أبت الا أن تكون مشاكسة وأبت الا أن تحدث ضررا بعد آخر . انفتح الجرح من جديد لشدة التهاب جلد البطن وتطلب عناية طبية فائقة. وأخيرا انضوت ال (كلستومي) في حفرتها قبرا لحميا منغرسا بعمق في جنبها الأيمن يذكرها بما حدث .

***

سمية العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم