صحيفة المثقف

بلاغة البيان في قصائد رَتُريك هذا الزمان

ابتسام يوسف الطاهرعرفته مترجما بارعا عن اللغة الانكليزية وفي كتاباته بلاغة النثر.. لكن مانشره من قصائد على صفحته على الفيس بوك، تحت اسم مستعار، يدعو للدهشة والاعجاب من الظهور المفاجيء لتلك الموهبة أو ربما كان يخفيها عنا تواضعا، لهذا اختار اسما مستعارا لاتينيا، ليس بعيدا عنه.

تساءلت لم هذا الاسم (Rhetoric)؟ الكثير مازال يخيفه الفيس بوك ومتاهاته ولهم كل الحق، فيلجأ لأسماء مستعارة، بعضها يسبب ارباكا وغموضا عن هوية الاسم وجنسه! لكن وانا اقرأ القصائد التي حفل بها موقع الشاعر عرفت انه يستحق ذلك الاسم بامتياز فهو تعني بلاغة البيان او بلاغة النثر.. ربما أراد تواضعا أن يلبس قصائده جبة النثر.

هل غادر الشعراء من متردم؟ تسائل ابو نؤاس في احدى قصائده.. بلى لقد غادر الكثير منهم اطلال المعلقات واطلال المديح واطلال الفخر والهجاء. لكن قصائد العاطفة والحب توارت خلف غيوم الحروب والسياسات الظالمة القاتلة لأحلامنا.

الشاعر رَتُريك (Rhetoric) اي بلاغة البيان من القلة التي تفاجئنا بقوة البيان وصدق الشعر وبلاغة الكلمات بلا لجوء لغموض والتباس ولا تلاعب بالالفاظ والبحث في غرائبية الكلمات، كما يفعل البعض ليضفي اهمية وغموضا على مايقول من تصفيط كلمات! فالبلاغة حسب ابن المقفع "كالبحر، شفاف ظاهره بعيد غوره.. وهي التي اذا سمعها الجاهل ظن انه يحسن مثلها" لكنها تبقى عصية رغم سهولتها، وقريبة لصدقها مع عمق وبلاغة معانيها. رَتُريك Rhetoric شيد قصائدا فيها صوراً صادقةً عن معاناة المتعبين في الشارع العراقي  كما في قصيدة (شارع مريدي):

 

كانَ إطراقُهُ

عَكْس ما ينبغي أَنْ يكونَ

لأنَّ المكانَ موضعُ صيدٍ

وليسَ للمُطرقينَ فيهِ نصيبٌ

من الرزقِ.

تُحدِّث عيناهُ

بامالٍ كبارٍ خَبَتْ

وتحكي تجاعيدُ وجهِهِ

حَربَ سنينٍ

معَ المستحيلِ

وما استحالَ عليهِ

هو لقمةُ عَيْشٍ

وَ مأوىً يقي بهما

أسرةً

 

الشعر الحديث اغلبه نثر وبعضه يفتقد للموسيقى والاوزان. فنجده غامضا في كثير من الاحيان، ومتعبا لدى قراءته لاسيما بعض الشعر الحديث او مابعد الحداثة بقليل!. ربما ليس من حقي أن أكتب نقدا أو رأيا فيه، لكنه مثل الموسيقى ومثل السينما نستذوقه حين يكون قريبا منا، يشذب ذائقتنا أو حين يحكي عن واقعنا واحلامنا. فمنهم من تمكن من بناء صرح للشعر بعمر قصير واشاد صروحا للحياة والكبرياء. في زمن صارت كتابة الشعر كشرب الماء، والماء اليوم يباع في قنان جاهزة لايتعب فيها بتصفية ولا نقاء. وباسم الحداثة ومابعدها مرر الكثيرون اشعار ونثرا هو اقرب للهذر أو للرياء.

فالكتابة او الشعر بالذات حسب تعبير المفكر د.طه حسين، هو من يقرؤه ذوو الثقافة العالية والساذجة والمتوسطة، وكل منهم يجد فيه متعة فنية وادبية.

احيانا تتفجر ينابيع الكتابة الصادقة والبليغة في حالة التوتر أو الفرح الغامر وربما الألم أو عاطفة قد تباغتنا قصائدا. القصيدة الوحيدة لابن الريب، قالها بحالة هذيان سببه الحمى اثر جراحه خلال الحرب، بقيت خالدة يتردد صداها الى اليوم.

 

ما الشعر الا كلمات..لكنها كلمات تشبه التعاويذ ..تشبه الاغنيات. كلمات تدخل القلب بلا رخصة. فالايمان كلمة والحياة كلمة والاخلاق كلمة والحب كلمة، فطوبى لتلك الكلمات. واذا فقد الشعر ذلك فسيمسي مجرد حروف تداخلت مع بعضها بغموض يبعدها عن صفة الشعر والنثر.. الشاعر في قصائده بدا كما لو هو ينهل من نبع صاف فجاءت الابيات منسابة كماء يجري متهاديا، لم يحفل حتى بالعنوان فأغلب قصائده بلا عنوان.

 

وَ أنَّ اللغاتِ وإنْ أنعشتْ

وَهْمَ الحياةِ

قدْ خدمتْ وَهْنَ الخُرافاتِ

فدعني أَكُنْ

واحدة ً

مِنْ ذي الخُرافاتِ

 

قصائد الشاعر اعادت الحياة لمشاعر كدنا نودعها وسط هزيع وضجيج قصائد الغموض مرة وقصائد السياسة والدين مرات .. واعادت الاعتبار للحب الذي قيل عنه مجرد حرفين مش اكثر.. فكتب قصائدا اقرب للصوفية اعادت اليقين بأن الكلمات لها روح ونبض كالحياة... في قصيدته (حوار) يضيء تلك المشاعر:

 

أَضاءَ نهارُك

فيهِ الظلامَ

و أضحى ضحوكاً

بعدَ سوءِ اكتئابٍ

******

هزمني حُباً مَنْ أَحببتُ

فأنا مهزومٌ سعيدٌ

اليس غريباً

أنْ تُسعدَكَ هزيمةٌ.

مِنْ أروعِ ما في الدنيا

أنْ يتفوَّقَ عليكَ

حبيبُكَ

أُفقاً.

أَنْ يحتويكَ

بحُبِّ مَرنٍ.

***

جميلةٌ بحبِ اللهِ والانسانِ

وروحُكِ

عالَمٌ من جمالٍ .

مِنْ أينَ لكِ هذا المزيجُ

مِنَ البساطةِ والكبرياءِ؟

وهذي البصيرةُ

وعُمقُ تأمُلِكِ

وهذا اليقينُ؟

***

ابتسام يوسف الطاهر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم