صحيفة المثقف

لحظة مفارقة

عقيل العبودبوجهه المصفر الشاحب، بتلك العلامات المرسومة تم سحبه بعربة العاجزين الى حيث زاوية المنضدة التي اعتاد ان يجلس عندها مع أصحابه في دار المسنين.

هكذا حضر كما عادته كل صباح، حيث بهيئته راح ينظر الى جميع من حوله، حتى تلك الثريات العالقة بضوئها الأصفر الباهت انصرف ليس بعينيه فحسب،  بل كأنما بحسه وسمعه، وتلك الدموع التي تألق بعضها متفاعلا مع بكاء بعض المودعين الذين التفوا من حوله على شاكلة كورس موسيقي خاص بتأدية الصلوات، أوبعض الترنيمات.

بقي جالسا يتحدث بلغته الاسبانية بطريقة يكاد يفهمها الموظفون والعاملون رغم اختلافها عن لغتهم التي اعتادوا التحدث بها.

اسرار كأنك تتطلع اليها تلك الملامح الممتزجة مع ابتسامته العريضة وكلامه المبعثر.

الشئ الوحيد الذي كأنه يأبى ان يودعه الواقفون هو القهوة الصباحية، ولعبة الشدة والاستماع الى بعض الأغاني اضافة الى ممارسة بعض التمارين المتعلقة  بهكذا نوع من العجز، حيث الأجهزة المعدَّة لمساعدة العاجزين على اداء بعض الحركات الرياضية بطريقة ما، ما يشكل ألفة فطرية حتى في باب ما يسمى بلغة ال non verbal communication،

صباح الامس كان يشبه الى حد ما، صباحات الاحتفاء بأعياد الميلاد؛ الورد وقطع الكيك المغلف بالكريمة الحمراء بعبارة We love you. توقفت قليلا عند وجهه مد لي يده اليمنى مصافحا، هذه المرة كأنه يريد ان يهتف بأعلى صوته وداعا، اوربما من باب القول "لم يبق لي من الدنيا نصيب بعد الا بعدد هذه الأشهر التي صرح بها الطبيب المختص".

 السرطان كما يبدو  بآفته المخيفة، كان قد وصل الى اخر بقعة من بقاع جسده المنهك. قسم الnurse أخبرونا بأنه بحسب التوجيهات الطبية يحتاج الى سحب ملفه كمشترك، discharges.

لذلك يعد الوقوف والتصوير معه، جزء من مراسيم التوديع لصديق سيودعنا جميعا بعد شهرين.

 تم التقاط الصورة الاولى، ثم الثانية معه، بينما بقي سمعي وبصري وجميع مشاعري مسمرة عند المكان ذاته، تلك الطاولة التي سيتركها ليبقى المكان شاغرا، حيث لا عودة به الى ذلك الوجود الذي كان يشغله لأكثر من سنتين.

الصورة في الذاكرة اجتمعت كأنها تروي تفاصيل مشاهد شتى؛ الموت هو الحقيقة التي لم ينكرها احد.

اما الحياة،  فما هي الا نسخة فوتوغرافية يتم تصويرها بهذه الطريقة في القلب، اوتلك، لتحمل اثار أصحابها مودعة اياهم بلا حقائب، اومستمسكات. لتتحرك هكذا كما الشمس صوب محطة لم تعد مضيئة كما كانت.

تمتمت مع نفسي، لأنصرف بطريقة هادئة الى مكاني حيث شعبة الملفات الخاصة بملاحظات الحاسوب إضافة الى تساؤلات تحتاج الى اجابات.

 

عقيل العبود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم