صحيفة المثقف

الحرية الفردية ليست بحاجة لفتاوى!

حميد طولستكم حاولت ألا أكتب عن قضية تخلي البرلمانية ماء العنين عن حجابها في باريس، والتي أثارت لغظا وجدلا كبيرين، جعلا المشهد السياسي المغربي فقيرا ومثيرا للشفقة، ليس لأني لا أحب الخوض في سيرة الآخرين فقط، ولا لأني أكره أن أكون كمن لا همّ لهم غير التّنقيب في حياة الناس والنّبش في خصوصياتهم الخاصّة، والتّفتيش في عيوبهم، وتتبع عوراتهم، وتضخيم نقائصهم، ولكن لأن انتقاد الآخرين لأتفه الأسباب وأحقرها، يؤثر سلبا على الروابط الإنسانية ويسير بها إلى المنعطفات المسدودة، ولأنه لا خيار لنا إذا نحن أردنا لتلك العلاقات الإنسانية أن تستمر حية طيبة بين الناس، إلا أن نسمو بأنفسنا فوق فضول التدخل فيما لا يخصنا –إذا كان فعلا لا يعنينا- ومع كل هذا وغيره كثير من الموانع كنت كلما قررت عدم الخوض في مثل هذه الأحداث، إلا وجدتني منجرا للإنخراط فيها، وبقوة، ليس للوم وعتاب أصاحبها على تصرفتهم، التي أعتبره حرية سخصية، وتحررا من قبضة جهل الفقهاء، وحق من حقوقهم التي ليس لأي كان أن يجادلهم فيها، وإنما لإظهار حجم ما تتظمنه من نفاق اجتماعي وسياسي، وما ينجم عنه من خيبات أخلاقية وفكرية وعقائدية فاضحة مفضوحة، تزيد من حدة ما تعرفه البلاد من التشتيت الأخلاقي والخراب الفكري والدمار العلمي الذي يتفنن في اختلاقه ونشره عبدة السلطة المتخذين من الدين مطية لتحقيق مصالحهم الذاية، ضدا في الأعراف والدين والإنسانية والبشرية، وعلى حساب الأوضاع المجتمعية المزرية التي تدفع بكل ذي ضمير حي أن ينغمس في طرح التساؤلات حول الأوضاع الاجتماعية والإنسانية والدينية والسياسية والاقتصادية، التي تجاوز تدهورها  كل الحدود، ومست الأمن العام، والتي لا يظهر للعيان أي حل أو بديل سليم لها في ظل هذا النفاق الاجتماعي والسياسي، وآثاره على المنظومة القيمية الأخلاقية، والتي يجب أن نفهم جيدا أنها  ليست عنصرا شخصيا مرتبطا بكل فرد حسب التربية والتدين وأسلوب الحياة، وإنما هى فرع من منظومة القيم السائدة فى المجتمع الذي أصبحت الحاجة فيه ماسة لإعادة تعريف الكثير من المفاهيم التي لوثتها العقول المتحجرة ومنها مفهوم الحرية الفردية، التي صنعت منها درائعة وأسبابا معلبة تقذف بها فى وجوه منتقديها، في تجاهل تام ومتعمد للأسباب الصحيحة أو الأقرب إلى الصحة للأزمة الخانقة التي يعيشها المواطن المغربي، بسبب الإسلام السياسي المرتكز كليا على مظاهر التدين الفلكلوري، وحرض شيوخه على إظهار مشاهد الإيمانية الزائفة، كموضة اللحى وزبيبة الجبهة ومداعبة السبحات وصدح الهواتف النقالة بآيات الذكر الحكيم وأحاديث الرسول وآدان الصلوات، بدلا من العمل بصدق على تغيير أحوال المواطن والوطن إلى ما هو أفضل، ما جعل الناس يفقدون الثقة ليس فقط في الإسلام السياسي الذين يمثله حزبكم ذي المرجعية الإسلامية ... ولكن أيضا على الفعل السياسي ككل..

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم