صحيفة المثقف

الإنسان روح وجسد

حميد طولستيحرص الكثيــر منا على غذاء الجسد ويهتم به غايـــة الاهتمام، ويسعى لتحصيل ألوان الأطعمة لتقويته، ويتفنن في تنويع أصنافها لتسمينه، يطهوها الطهو المتنوع الطعوم ولذيذ النكهات، لتروق ذوقه وتشبغ حاجته، لكنه قلما يهتم بغذاء روحه، وكأنه جسد بلا روح،  ولن أبالغ إذا قلت أن غذاءها  بالتطهير والتربية والتهذيب، وتنقية القلب و الضمير، وتقوية كل معاني الرجولة والإنسانية، هو أهم من غذاء الجسد في أكثر الاحيان، وإن كانت تغذيته ضرورية لاستمرار الحياة فيه ؛ فلماذا ياترى نهتم بتغدية أجسادنا ونغفل الروح والعقل؟ سؤال أو تساؤل قديم  كثير التداول الذي لا يشكل نقدا أو عتابا، بقدر ما هو تحفيز للعقل الجمعي للمساهمة في تحسين المسار البشري، وإضفاء اللمسات الإنسانية على تطوره الذي لا يمكن أن يحدث مع أجساد بلا روح ولا ضمير؟ منطقيا لا أرى ذلك ممكنا ولا يصح مع ذوي العقول النيرة المدبرة، التي لا تتمسك بزيف زهو الخطأ، وتتراجع عنه إن وقعت فيه، وعمليًا، يمكن أن يحدث ذلك على أرض الواقع ، ويعيش الإنسان بجسد لا روح فيه، إذا كان من الذين يعلّمون أولادهم قول الحق، وعندما يجدون أن ذات الحق مضر بمصالحهم، يتراجعون عنه وينصحون بالسكوت عنه، ويسموم نصرفهم  ذاك، حكمة ونباهة، مع علمهم القاطع أن الساكت عن الحق شيطان أخرص، كما يمكن أن يحدث نفس الأمر الذي مع الذين يحثون أطفالهم على الصدق، ويأتون غيره في تصرفاتهم اليومية، كالذين يتلقون مكالمة هاتفية من شخص لا يرغبون فى التحدث إليه، يأمرون أبناءهم بإبلاغ المتصل بعدم وجودهم، وهم يعلمون علم اليقين أن الكذب مفتاح كل الشرور والموبقات، وأن الكذابين ملعونون عند الله بدليل قوله تعالى: "إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون 105 النحل، وقوله تعالى "فنجعل لعنة الله على الكاذبين 65 آل عمران، ولا شك أن الإنسان يمكن أن يعيش في جسد بلا روح ولا ضمير، إذا كان ممن يحاكمون الناس على الخطيئة، ويلومونهم على التقصير فى أداء الواجب، وطنيا كان أو دينيا، وإذا انفردوا بأنفسهم، إرتكبوا ما حاكموا غيرهم عليه، وتلذذوا بما لاموهم به، دون أن يشعروا بتبكيت ضمير أو وخزه، وكانوا في ذلك كالذين يأكلون مع الذئب ويبكون مع  الراعي ..

فهل هناك أيّ أمل في تغيير سلوكات مثل هذه النوعية من البشر؟ شخصيًّا، أعتقد أن ذلك ممكنا، لأنه ﻻ يوجد إنسان كامل، كما يقال، لكن أجمل ما في الناس قابليتهم للتغير، وسعهم الدائم ليكونوا أفضل في الغد مما هم عليه اليوم وما كانوا عليه بالأمس، لأنهم، رغم بساطتهم، يمتلكون أرواحاً نادرة جداً، تتعلم من مشاق الحياة وما يقابهم من صعوباتها ومنعطفاتها، التي كلما زادت ضرباتها وإحباطاتها، كلما إزدادوا طموحاً وأملاً، وكلما أوشكت أحلامهم أن تجف تدفقت أحلام جديدة غيرها في شرايينهم، وكلما قلت القيم الحميدة من حولهم، تفتقت القيم الشخصية التي ينعمون بمحتوياتها العالية الراقية المستبطنة في دواخلهم والتي تنتظر المحفز على ظهورها..

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم