صحيفة المثقف

علم النميات

حسين حسن العنزيالنميات لفظة معربة من الكلمة اليونانية (نوموز) والتي تعني القانون، وتطلق كلمة (نوموزماتا) على المسكوكات وهي العملة التي تعد من المخلفات المادية الملموسة التي تركها الماضي والتي تساعدنا دراستها في استنتاج معلومات تاريخية يستعملها المؤرخ في سد النقص في الحقائق التاريخية، لذلك فهي من أهم الوثائق المعاصرة للحدث التاريخي، وتشير الى المستوى الذي بلغه الانسان في مدة محدودة ومكان محدد في كل مجالات الحياة آنذاك الحضارية، الثقافية، الاقتصادية والسياسية.

يستفيد المؤرخ من هذه المخلفات في التوصل الى تثبيت اسماء الخلفاء والامراء والولاة فضلاً عن تسلسل الأسر الحاكمة وتوسع النفوذ السياسي والتجاري ومعرفة المراكز التجارية وطرقها.

فقد عثر في ارض وادي الرافدين خلال الألف الثالث ق.م. على ما يشير الى استعمالهم النقود وتغير التعامل التجاري من معاملة التبادل بالسلع الى ما يقابلها بمسكوك من معدن نادر. فكانت هذه المسكوكات على شكل قضيب مصنوع من المعدن دون كتابة. ولكن الثابت ان اول ظهور للنقود كان في القرن الثامن ق.م في اواسط آسيا الصغرى في عهد مملكة ليديا ثم لحقتها المدن الاغريقية الأخرى، وقد اثبتت الدراسات ان مدينة سيراكوسة  (سرقوسة) الايطالية اصدرت مجموعتين فاخرتين من الدراهم في ذكرى تحريرها من القرطاجيين عام 480 ق.م. عد ذلك شاع في الشرق تداول الدينار الذهبي الروماني (صدر أول دينار روماني عام 268ق.م). ومن الكلمة الفارسية للدرهم  الفضي الساساني (دَرم) اشتقت كلمة درهم بعد أن عربها المسلمون بإضافة هاء قل الميم للتخفيف، واستمر العرب في استعمال هذه العملة، ثم بعد ذلك اخذ المسلمون يفكرون بسك عملة خاصة بهم لغرض المحافظة على سيادة الدولة الاسلامية واستقلالهم المالي فوضعوا اشارات وكتابات تتوافق مع ديانتهم. وخير مثال على ذلك عندما انشأ الحجاج بن يوسف الثقفي مدينة واسط 83هـ  ارفقها بدار لسك العملة، وهذا يدل على ان العقلية الاسلامية كانت تفكر في انشاء المدن لتقوم بفعلها الحضاري منذ التأسيس. فكشف عن فلس نحاسي في مدينة واسط قد سُك في وقت مبكر من الدولة العباسية. وهناك الكثير من المدن الشرقية التي كان لها اثر كبير في سك النقود خلال العصور ومنها مدينة ميسان فقد عرفت سك النقود منذ قبل الميلاد وحتى العهد الاسلامي. ومدن اخرى مثل الصرة والكوفة وبغداد والموصل وغيرها من المدن الشرقية.

استمر تطور المسكوكات حتى حدثت نقلة نوعية في العهود اللاحقة للدولة العباسية الى عهد تأسيس الدولة العراقية 1921م. فقد مر العرب المسلمين بمرحلتين في سك النقود: الأولى: في عهد عبد الملك بن مروان عندما هدده الامبراطور الروماني بسك عملة تسيء الى الرسول محمد (ص) فألتجأ عبد الملك بن مروان الى الامام الباقر (ع) فأشار عليه بأن يصنع قالباً من الزجاج لقابليته على ضبط الوزن، فعمل المسلمون على اخذ الدنانير الرومانية وأعادوا صهرها لعدم قدرتهم على استحصال المعدن. المرحلة الثانية : قاموا باستخراج المادة المعدنية وسكها فتمت لهم عملية السك.

 

الدكتور حسين حسن العنزي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم