صحيفة المثقف

تذكرت أمّي الآن

شلال عنوزلم أدر لماذا تذكرت أمي الآن !!

بعد أن شرب الماء ماءه

وخطب الجدب على منابر القحط

تذكرتها الآن

وأنا الذي امتهن التذكّر

ككل البائسين في بلادي الثيّب

مُذ تفاقم اليباس في شجر العمر

احتدم العقم في رحم الأمنيات

وأنا أحتلب ثديَ العقوق

أرقص على شفرة سيف الحَجّاج

أمضغ لُبان صلف التغرّب

في بلاد تسوسها شراهة المهرجين

تحرسها فيالق الدمى

يهزج في نوافلها الضجيج

تذكرتها ...و القرية النائمة على أخدود الشقاء

ولدت فيها باكيا صباح يوم نازف بالمطر

حينها قال والدي وهو يلقي( المسحاة) جانبا

ويضمني الى صلوات صدره  :

عوّضنا الله به عن أربعة أكلهم التراب

لم يبلغوا الفطام

ما أروع أن يزفني الغيث وليدا

في يوم غرس فيه والدي فسيلة النخل

التي خلّفناها وراءنا محنية الجذع تراقبنا ذاهلة

ونحن نفارقها بلا وداع

صبيحة يوم زاخر بالضجر

لمدينة قيل أن جدّي الأكبر

أول من أشعل فوانيسها

وجاور قبراً فيها ضمّ كل الأيمان

تذكرت الذين أغرقتهم ضراوة الرحيل

شربوا ظمأ غصة الفراق

ومازالوا يشربون من نهر القهر

هناك في أقاصي المأساة

في قريتنا  (التوثي) قبل خمسين عاما ونيفا

(سيد كريّم) يذرع الوقت على ضفاف صمت نهر (الميزر)

يمسك منسأة الزمن المعتوه

يلوح بسوءتها للغافلين

يتلفت حيث لايسمع سوى عنف صريرالقلق

لايرى غير مآتم ظلّ المشوّهين

الشابحة عيونهم في آنية

تستبدّ فيها سطوة الجوع

كان حالما كخيال الشعراء

يغني  غناءً ليس كالغناء

يمزّق أمعاءه بيُتم نواح مكلوم

يخرج من جوف  حنجرة

يحشرجها الأنين

صغار نحن , نشاكس وحدته

نرميه  بحجارة الغربة

نركض وراء هسيس عذاباته

نشاغب أجيج بوحه

و لايتعب عن مسبتنا

صارخا يا أبناء ال ......

لم  يمنعنا الموج الهمجيّ عن مطاردة سِفر تجلياته

قائمة الحرام الحلال تتدلى مشنوقة على شرفات التصحّر

اللغو البليد يتناسل في المدن الموبوءة بشراسة الجهل

العنت  الطفولي  يستصرخ  شهوة الشغب

يتشيطن الفضول

يوقظ  كوامن الأذى

الذي انتقل لنا بالوراثة

من فحولة الصحراء

طواحين الغباء تجتاح المدن الافيون

سكارى وماهم بسكارى

في تلك القرية التي أكلتها صرعات الفاقة

الناس لايقاومون من قيّدهم  بسلاسل الفقر

لم يجرّبوا فكّ شفرة القيد

بل يتلذّذون بعذاب التعساء أمثالهم

بلادي تتناسل في حيطانها رعونة الطغاة

شقوة النفاق

تعشش في خرائبها بشاعة الكراهية

أفانين الذبح المشاع

تتبخّر بدخان الهزائم الخيانات

فتستحم بدماء  ابنائها

بلادي مدمنة بقداسة التبعية

وتنصيب  الغرباء  أئمة

نكاية بالنسب !!!

تذكرت أمي الآن

آآآآه  كم أفتقدك يا أمّي

مازلت تبلّلين ريق لهاثي في مواسم الهجير

تشاكسين سوط ذاكرتي

في محطات الانتظار

هو جوع البكاء على دفء تراتيل صدرها

توق طفل  تجاوز غسق الستين

هو عطش البكاء  حين يفتك بك الجفاف

في تخوم البلاد العطش ياصاحبي

أمي لم تكن أمّاً حسب

كانت ينابيع عنفوان

تتفجر محبة في عنق الهجير

تأتزر صمت آهاتها

فتزق الشذا في نسغ المشاوير

تشعل مواقد الأمل في ذروة القنوط

وتنشد لعرس سيولد في الأفق

هي  مآذن مدن من حنان

قناديل نهاراتها تراقص خضرة الصفصاف

على ضوء حبها السرمدي

سأبقى أغني الأمل المنشود

لعلّي أجدُني

ولو بعد حين

ففي سفوح المواجع

سطوة الزمهرير

احتشاد الحسرات

يطوفني غبش ثورة الحلم

فأتمنى..

دفء حضن أمي

عذق نخلة أبي

ونهر المواويل

على شواطيء دجلة

 

***

نص: شلال عنوز - النجف

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم