صحيفة المثقف

يونس بحري، صديق هتلر الذي مات معدما!.. تحليل سيكولوجي

قاسم حسين صالحتعريف: هو يونس بن صالح الجبوري، ولد في اسرة فقيرة بمحلة السوق الصغير بالموصل عام (1900 او 1903). شخصية عراقية، عربية، عالمية! مثيرة للجدل، واستثنائية في تعدد المواهب، فهو: كاتب، صحفي، اذاعي، سياسي، رحالة وصف بالسندباد، صديق للأمراء والشيوخ والملوك ومارشال في الجيش النازي ومقرّب من هتلر .. والناطق الرسمي بأسم الملك غازي ومذيع اذاعة الزهور.

 حياته حافلة باحداث .. افراح، انتصارات، انكسارات، واخرى كثير منها قد لا تصدق، فعدد زوجاته بحدود المئة .. شرعيا!، وبحدود المئتين مدنيا! .. من جنسيات متعددة، واولاده واحفاده يزيدون على الفين في بلدان العالم!.

 يتحدث (17) لغة ولديه (15) جنسية عربية وعالمية، واسس (16) اذاعة في بلدان عربيه واجنبية، اشهرها اذاعة (هنا برلين حي العرب) في المانيا .حكم بالاعدام اربع مرات وسجن في ابو غريب مع رئيس الوزراء الأسبق توفيق السويدي من قبل محكمة الشعب (المهداوي). وفي انقلاب شباط 1963 عاد الى العراق وكرّمه الرئيس عبد السلام عارف. كل هذا والرجل لم يصل الجامعة .. فهو بدأ بـ(الكتّاب) ثم الابتدائية، واعلى ما وصله انه دخل دار المعلمين الابتدائية .. وضجر منها وتركها.

 زوجته الأولى موصلية اسمها (مديحة)، انجب منها ثلاثة:دكتور لؤي اختصاص كيمياء .. في اميركا، ود.سعدي .. فنان مسرحي عمل باكاديمية الفنون الجميلة غادرها الى باريس، والسيكولوجية .. زميلتي الأخت د. منى الاستاذة بجامعة بغداد والمتقاعدة حاليا في عمان- الأردن .. والتي لم تر والدها يونس في حياتها!

 وما يدهشك في يونس الجبوري (وبحري لقب حصل عليه بسباق في بحر المانتش باحرازه المرتبة الأولى مع انه ما كان سباحا!) انه يجمع بين مهن وممارسات لا تحصل الا عند مجنون او دجال او بهلوان يضحك على الناس.ففي الهند كان يعمل راهبا في النهار، وراقصا في ملاهي الليل، وفي اندنوسيا عمل مؤذن وخطيب جامع في النهار وراقصا سكيرا في الليل! .. وكذا فعل في باريس. ومع انه تزوج اكثر من مئة والف كتابا عن الاسلام، فانه يقول (لم انكح الا كما جاء في القرآن .. امساك بمعروف او تسريح باحسان!).

 شخصية وصفت بأنها (اسطورية) .. ومع انه كتب عنه الكثير لكنني لم اجد عنها تحليلا نفسيا يجعلنا نفهم ما أدهشت به العالم.

يونس بحري .. سيكولوجيا

وفقا لمنهج الطب النفسي فان شخصية يونس بحري ليست سليمة نفسيا، فهو لديه من الشخصية الزورية اهم عرضين فيها:

الأول: ان المصاب بالبارانويا يبحث بشكل مستمر عن ادلة او معلومات تشير الى وجود نوايا سيئة او خيانة من اقرب الناس اليه .. ولهذا فانه قام بتطليق زوجاته (المئة) شرعا و(المئتين) مدنيا، ان لم يكن مصابا بضعف جنسي، وهو احتمال ضعيف، أو انه يعاني من جوع ملحاح للعاطفة ناجم عن شعور بالغبن في وطنه .. وهو احتمال وارد.فضلا عن ان من صفات هذه الشخصية هو ضعف القدرة على الاتفاق وحسن المعشر، اذ لا يعقل انه لا يوجد بين (المئات) التي تزوجهن من لم يجد معها حسن المعشر، ما يعني ان الخلل السيكولوجي فيه تحديدا .. وللأسف فأنني لا متلك شهادات موضوعية من مطلقاته المئتين!

والثاني: ان المصاب بالبارانويا لديه افكار تخص شعوره بالعظمة واخرى بالأضطهاد، وهذه واضحة في شخصيته حيث اضطهد في وطنه وسجن وحكم عليه بالاعدام وواضحة في المواهب التي يمتلكها التي تمنحه الشعور بالزهو والتباهي والنرجسية.

 وهو لديه من اضطرابات المزاج اشدها .. الهوس الذي يتصف صاحبه بالحساسية والمزاج العالي والصريح والنشاط المتزايد جسميا واجتماعيا وادبيا وفنيا .غير ان هوس يونس بحري في الجنس يعد حالة استثنائية ويقدم انموذجا لأشد حالات اضطراب المزاج.

فضلا عن ذلك فان المصاب بالهوس يتصف بكثرة الكلام والنشاط الذي لا ينتهي والمتعة في اشياء جديدة واخرى ما كانت تثير اهتمامه، وانشغاله بشكل كبير بنشاطات متنوعة وباشخاص متعددين مميزين .. وهذا ما امتاز به يونس.

 والعلة هنا ان المصاب بهذا النوع من الهوس تصبح لديه صورة الذات متضخمة ومنتفخة بشكل كبير، تدفعه الى الاعجاب بها وحبها بلا حدود والطموح بتحقيق ما يثير اعجاب الآخرين ودهشتهم، وهذا ما حققه الموصلي الوسيم .. يونس الجبوري.

 والمفارقة ان في شخصية يونس بحري عرض من اعراض الشيزوفرينيا! .ففي خمسينيات القرن الماضي ظهرت فتاة اسمها(Sybil) شكلت حالة جديدة في الفصام (الشيزوفرينيا) .. اذ كانت لها ثلاث شخصيات: عادية .. موظفة تمارس عملها حسب الاصول، وشخصية متدينة تذهب الى الكنيسة ايام الاحاد، وشخصية مستهترة ترتاد الرقص في الليل.وكان لكل شخصية اسم خاص بها ولا تعرف احداهن الاخرى .. والحالة هنا تشابه حالة يونس بحري، فهو كان يقوم بدور الراهب المتعبد في النهار، وفي الليل كان يرقص في ملاهي الهند، واخرى يعمل مراسلا لصحيفة هندية.الحالتان متطابقتان باستثناء ان شخصيات(Sybil)ما كانت الواحدة تعرف بالأخرى وكانت مجنونة، فيما كانت شخصيات يونس بحري تعرف انها ثلاثتها يونس بحري! وما كانت مجنونة!

ان الرجل يمتلك مواهب متعددة، وانه مبدع فيها .. ولأنه لا توجد احداث اسرية واجتماعية ودراسية مهمة او استثنائية في طفولته لها تأثير في خلق هذا الابداع بهذا التنوع من المواهب، فان الراجح هو ان يونس بحري يمتلك طفرات في جينات محددة واخرى خاصة بجينات الهوس الجنسي تحديدا والهوس الفكري والمزاج الانفعالي والقدرة على التحدي وتحقيق طموحات استثنائية تخططها لها ذاته المشحونة بالتضخم وحب التباهي.

 ويبدو لي ان قدرة يونس بحري في اقامة علاقات صداقة مع ملوك ورؤساء جاءت من حادثة مقتل الملك غازي، حيث خبر حياة الملوك عن قرب بحكم عمله مذيعا باذاعة قصر الزهور واصداره لجريدة (العقاب) ايضا وهو في بداية ثلاثيناته.وقد اعلن للناس ان الملك غازي قتل بمؤامرة دبرها الانكليز.واضطره اعلانه هذا ان يهرب الى المانيا بمساعدة من مخابراتها .. ومن هذه الحادثة ادرك ان كثيرا من الملوك والرؤساء .. تافهين، وأنه يمكن خداع اقواهم بمن فيهم هتلر الذي منحه رتبة مارشال في الجيش النازي، وان الناس بسطاء وسخفاء وممتع ان تضحك عليهم.وبتفاعل هذه العوامل في ذاته المتضخمة .. تملكه مفهوم ان يعيش الحياة بمعنى وجودي .. وفق قانونه هو الذي يبيح له ان يتصرف لا اخلاقيا في العديد من الحالات .. واظن ان عائلته الموصلية المؤلفة من الدكاترة:لؤي وسعدي ومنى، زميلتي الىسيكولوجية، التي صرحت في برنامج (أطراف احديث) بانها لا تعرف عن والدها سوى(تناتيف) .. أنهم يشعرون بالخجل منه (وربما العار) .. والا كيف مات في بغداد معدما ودفنته البلدية في مقبرة الغزالي على نفقتها! في مشهد تراجيدي .. أن هذه الشخصية التي كانت صديقة الملوك والرؤساء وبينهم من ضحكت عليهم، والذي كان مارشالا في الجيش النازي وصديقا لهتلر .. يموت وحيدا في بيته ولا يمشي في جنازته حتى اولاده!

                 

 أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم