صحيفة المثقف

اللوحة الفنية والصوت الذهني

652 Derain Madameقال احد المفكرين بان (الشعر تصوير ناطق والتصوير شعر صامت)، وهو اشارة الى اهمية حاستي البصر والسمع .. في قرآءة الصورة والنص، فتذوق الصورة والتمتع بها وتلذذها يأتي عن طريق البصر اما السمع فهو اداة لفهم اللغة . ولكن البصر بالنسبة للفن التشكيلي اهم من السمع فالبصر ينقل صورة مادية واضحة المعالم والمضامين الى القلب والمشاعر والاذن ترسم صورة خيالية في الذهن ومن ذلك نجد هناك تشكيلا بصريا وهناك تشكيلا ذهنيا ..

ويذكر علماء الاجتماع ان كل الذين يتعلمون القراءة والكتابة يرسمون في اذهانهم صور واصوات الاحرف الابجدية، فعندما نرى مثلا صورة حرف – ع – او- ق – يحضر امامنا في نفس اللحظة احساسا بصوته، وهو مايسمى – بالصوت الذهني – ولنضرب مثلا آخر، فعندما نرى قطارا على شاشة التلفزيون او غيره نجد انه يتولد لدينا احساسا بالصوت لمجرد رؤيته بدون سماع صوته . لهذا هناك افتراض على وجود اصوات في اللوحة بمعنى ان اللوحة ناطقة وليست صامتة كما يحللها البعض وان المتلقي يحس باصوات منبعثة من داخل اللوحة التي يقف امامها من خلال اشكالها وحروفها خاصة في الفن الحديث و المفاهيمي الذي يستخدم الحروف الابجدية في اللوحة كما هو في حركة الكرافيتي .. ومثال آخر لانبعاث الصوت، فعندما تستلم رسالة من صديق تعرفه، ستقرأ الرسالة وتشعر بصوت صديقك من خلال الكلمات وهذاهو ما يعنيه بالصوت الذهني .كما ذكرناه سابقا .

لهذا فعندما نرى لوحة واقعية يتولد لدينا احساسا باصوات تلك الاشكال سواء كان انسان او حيوان او اي رمز آخر حيث نشعر ونرسم على اساسها اصوات ذهنية في مخيلتنا او عقلنا ...

و تعيش كل عناصر العمل الفني الكامل او اللوحة في ارتباط وتضامن وانسجام داخلي كي تعطي وحدة متناغمة ومنسجمة ورسالة واضحة يمكن ان نطلق عليها بالرسالة الصوتيه .

الصورة الذهنية ظهرت في عصر النهضة عند بعض الفنانين حيث كانوا يرسمون صورهم في الذهن والخيال ثم ينظمونها على اللوحة وقد نحى الفن الحديث على هذا النحو في اثارة الصور الذهنية والابتعاد عن التمثيل

و بالتالي فان اللوحة الواقعية او الحديثة تبعث الى المتلقي احساسا بمعانيها وصورها واصواتها والرسالة والمضمون الفني البصري الذي تحمله .. واللوحة ناطقة وصامتة حسب مستوى احساس وشفافية المتلقي وثقافته . ومع ذلك فهناك يوجد ناس صم بكم عمي لا يفقهون وان بصروا وسمعوا .

653 سي تومبلي

قيمة الصورة الفنية:

اين يقع جمال وقيمة الصورة هل هي في ذهن الانسان او في الواقع المرئي بمعنى آخر هل ان الجمال يوجد في ذهن المشاهد او انه يوجد في اللوحة المنظورة؟ لو افترضنا انك دخلت متحف اللوفر وقصدت الى مشاهدت لوحة موناليزا فوجدت ازدحاما كبيرا يصعب بذلك الوصول اليها واخيرا شاهدتها وانت في عاطفة وشوق كبير لمشاهدت لؤلؤة دافنشي العظيمة .. في هذه الاثنا جاء احد الاشخاص وهمس في اذنك قائلا: هذه ليست اللوحة الاصلية وانما هي نسخة عن الاصلية المحفوظة داخل مخازن المتحف ...في هذه اللحظة ماذا يحدث لك؟؟ سوف تتغيرة مشاعرك بسرعة وتهبط قيمة اللوحة وجمالها وتنصرف عنها لائما نفسك؟ ولهذا فان الذهن هو الذي يتحكم في تذوق الاشياء الفنية وجمالها وتقيمها ، فنرى بعض اللوحات جميلة والاخرى لا، بينما يرى الآخر عكس ما تراه انت؟؟

الاطراء والضجيج:

652 الموناليزاهل العمل الفني يحتاج الى اطراء ومدح وتفسير وشرح؟ ام ان العمل الفني هو ينطق عن نفسه ويتكلم ولا يحتاج الى تفسير الآخرين؟ وهل ان اللوح تحتاج الى ان نكتب عليها عنوان؟؟ اليوم اصبحت المتاحف تعير الزوار اجهزة صوتية صغيرة تساعد على توضيح وشرح الاعمال الموجودة في المتحف او هناك مرشدين يقومون بذلك الدور .. ولكن هل كل الزوار يتفقون مع ما جاء في تلك الاجهزة من شروح وتفسير؟ .. انا اعتقد ان كل ما في الامر هو تعريف بسيط عن ظواهر الاعمال وليس عن جواهرها وكذلك التعريف بالفنان، و ربما تكون هذه التعليقات هي من وجهة نظر احادية ...؟ واتذكر قصة طريفة حدثت لاحد الفنانين الكبار وربما هو الفنان الانكليزي بليك حيث كتب عن اعماله شرحا وتفسيرا مطولا، فعندما قرأ ذلك تعجب وقال : هذه ليست مقاصدي؟؟ واتذكر قول للفنان المفاهيمي تابيس (ان اللوحة هي التاريخ ) ولهذا القول تفسيرات ومعاني وتأويلات كثيرة و جليلة .. حتى احيانا نجد ان الفنان يعجز عن تفسير اعماله، فهي متأتية من خلفيات وجذور تاريخية عميقة ..

اليوم نجد ظاهرة الاطراء والمديح تباع وتشترى بعيدا عن حقيقة الاعمال الفنية وانجازات ذلك الفنان .ولهذ فان العمل الفني الاصيل والفريد لا يحتاج الى شرح فهو ينطق عن ذاته، اما المتشابهات والمستنسخات والتقليدات وما اكثرها فهي تحتاج الى ضجيج ... .. ولو تأملنا اللوحة بهدوء لاستطاعت هذه اللوحة ان تقول لنا شيئا ولنطقت بمشاعرها وروحها ما يعادل آلاف كلمات الاطراء والمديح، ولهذا من الافضل ان تترك الاعمال هي تتكلم عن نفسها وحدها (فلتكن اعمالكم تسبق اقوالكم)..

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم