صحيفة المثقف

صاروخ "سارمات" وتعليق روسيا العمل بمعاهدة القوى النووية المتوسطة المدى

بكر السباتينأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية يوم الجمعة الموافق 2 فبراير أنها ستنسحب من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى مع روسيا خلال ستة أشهر، إلاّ إذا أوقفت موسكو ما وصفته واشنطن بانتهاك المعاهدة الموقعة عام 1987.. فما علاقة صاروخ "سارمات" الروسي الذي تم تجريبه نهاية عام 2017.. وهل يهدف ترامب من قراره المشروط إلى إرهاق ميزانية الدولة الروسية التي تغطي خطط التنمية لتذهب باتجاه سباق تسلح محموم في إطار حرب باردة جديدة. كيف تقدر الأمور إزاء رئيسين من الصعب توقع أفكارهما!

وكان هذا التهديد المباشر الذي صرح به ترامب قد لاقى تأييداً غربياً لافتاً؛ لكنه في المقابل دفع روسيا باتجاه التصعيد الفعلي.. فمن جهته قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس السبت، إن بلاده علقت العمل بمعاهدة القوى النووية المتوسطة المدى التي تعود إلى الحرب الباردة، بعد أن اتخذت الولايات المتحدة قراراً مشابها.

وأضاف بوتين خلال اجتماع بثه التلفزيون مع وزيري الخارجية والدفاع: "أعلن الشركاء الأمريكيون أنهم علقوا مشاركتهم في المعاهدة وبالتالي نحن نعلقها أيضا".

وقال بوتين إن روسيا ستبدأ العمل على بناء صواريخ جديدة، بما في ذلك صواريخ أسرع من الصوت، كما طلب من الوزيرين عدم البدء في محادثات لنزع السلاح مع واشنطن.

وكانت المفاوضات قد بدأت بين أمريكا والاتحاد السوفييتي للحد من الصواريخ النووية قصيرة ومتوسطة المدى من كلا الطرفين، واستقر الأمر إلى عدم نشر واشنطن صواريخها في أوروبا مقابل خفض موسكو لعدد الصواريخ، واستمرت المناقشات حول بنودها إلى أن دخلت حيز التنفيذ رسميا عام 1988.. والتي تعهد فيها آنذاك كلٌّ من الرئيس الأمريكي رونالد ريغان والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، بعدم صنع أو تجريب أو نشر أي صواريخ باليستية أو مجنحة أو متوسطة، وتدمير كافة منظومات الصواريخ، التي يتراوح مداها المتوسط ما بين 1000-5500 كيلومتر، ومداها القصير ما بين 500-1000 كيلومتر.

ويُذْكَرُ أن صواريخ "إس إس - 20" المتوسطة المتطورة، التي نشرتها روسيا في حينه كانت مصدر رعب للدول الغربية، لأن مداها يصل إلى خمسة آلاف كيلومتر وتتمتع بالدقة العالية في إصابة أهداف في أوروبا الغربية، وشمال أفريقيا، والشرق الأوسط، كما يمكنها ضرب أهداف في ولاية ألاسكا الأمريكية.

وبحلول مايو 1991، تم تنفيذ المعاهدة بشكل كامل، حيث دمر الاتحاد السوفياتي 1792 صاروخا باليستياً ومجنحا تطلق من الأرض، ودمرت الولايات المتحدة الأمريكية 859 صاروخا. وتشير نصوص المعاهدة إلى أنها غير محددة المدة، ويحق لكل طرف منها الانسحاب بعد تقديم أدلة مقنعة للخروج، وهذا ما أقام عليه ترامب حجته التي دفعته باتجاه التلويح باتخاذ قراره المحتمل التنفيذ بشأن تعليق العمل بمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى لعام 1987 وخاصة أن روسيا جربت عام 2017صاروخا حربياً جديداً هو "إر إس-28 سارْمات والذي صُمم لاختراق الدفاعات الجوية المعادية والوصول إلى الأهداف المطلوب ضربها من جهات شتى. وحسب يوري بوريسوف، نائب وزير الدفاع الروسي، فإن وسائط الدفاع الجوي ستواجه صعوبات كبيرة في اعتراض صاروخ "سارْمات".

وأهم من ذلك أن تصميم صاروخ "سارْمات" يراعي إمكانية تحليقه لمسافة طويلة ليكون بإمكانه الوصول إلى شمال أمريكا عبر القطب الجنوبي، أي أنه يستطيع الدخول إلى الولايات المتحدة من الجهة التي لا تحميها وسائط الدفاع الجوي الصاروخي، ويستطيع توجيه الضربة لأراضي الولايات المتحدة كلها. لذلك سيضطر البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) إلى نشر مضادات الصواريخ في المحاور الاستراتيجية الجديدة أو البحث عن حلول أخرى للمشكلة التي يشكلها صاروخ "سارْمات" مثل وضع الصواريخ الاعتراضية في الفضاء.

من هنا يمكن القول أن القرار الأمريكي القادم سيتم اتخاذه على اعتبار أن بوتين عازم من جهته على خوض تجربة سباق التسلح الجديد الذي ستكون له تبعات قاسية على بلاده ولعل صاروخ "سارْمات" شكل بداية الخرق الذي سيفتح أبواب الحرب الباردة من جديد.

 

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم