صحيفة المثقف

الإزدواجية ليست سُبة!!

صادق السامرائيالإزدواجية توصيف تم إلصاقه بالعراقيين من قبل الذين إجتهدوا فأخطأوا وما أصابوا، وقد أطلقت هذه التسمية منذ أكثر من نصف قرن وترسخت وتكررت حتى صارت سمة وعلامة فارقة.

فالذي جاء بهذا التوصيف كان يدرس في أمريكا في زمن الخمسينيات، وقد ظهرت في حينها نظرية لتفسير السلوك المتناقض مع الإعتقاد التي جاء بها (ليون فيستنجر)، وفي ذات الوقت ظهر فلم حواء وثلاثة وجوه، وغيرها من الإنتاجات الأدبية والعلمية والسينمائية، ويبدو أن صاحب تلك الدعوة قد تأثر بها ورأى أن يرميها على العراقيين بلا مبررات موضوعية وأسباب وأدلة وبراهين علمية.

ويبدو أن من المشاكل الفاعلة في هذا الشأن هوعدم التمييز ما بين الطب النفسي وعلوم النفس والمختصين بها وما بين علوم الإجتماع وهذين الإختصاصين، مما تسبب بإختلاط حابلها بنابلها، والوصول إلى إستنتاجات غير موضوعية ومتعسفة.

ومن وجهة نظر متواضعة، القول بأن العراقيين يعبرون عن الإزدواجية صفة إيجابية، وهي مدح لهم لا قدح، فمن خلال التفاعل مع البشر من معظم أرجاء الدنيا يمكن القول من النادر أن تجد شخصا يتمتع بهذه الصفة وحسب، وإنما الغالب أن البشر يعبر عن عشرات أضعاف الإزدواجية في سلوكه، الذي هو ناجم عن تفاعلات معقدة ما بين ما فية وما هو فيه، أي بين الذات والموضوع أو البيئة التي يكون فيها، وبتعدد الخصال الذاتية وتنوع البيئات الموضوعية، يكون السلوك متنوعا ومتعددا ولا يمكن ضبطه بالقول أنه إزدواجي وأكثر.

ومن المناسب القول أن مصطلحات الشخصية العراقية وغيرها كالأردنية والمصرية والسودانية والإنكليزية والتركية وما جرى على شاكلتها، إنما هي مسميات لا أساس لها من البرهان، فالشخصيات البشرية معروفة الأنواع والمواصفات وهي موجودة في جميع المجتمعات، وربما تتفاوت نسبتها فيها، لكنها شخصيات معروفة وموثقة.

ولا يوجد توصيف بعنوان الشخصية الإزدواجية إذا إعتبرنا ذلك إضطرابا سلوكيا، كما يوحي به الذين جاؤا به أو إستوردوه من الخارج، وهو كأي بضاعة مستوردة أصابتنا بمقتل.

فالشخصية البشرية يمكن تصنيفها، وفقا لما يبدو عليها من إضطرابات سلوكية، بالشخصية الشكوكية والإنعزالية والشيزية واللاإجتماعية والمتطرفة والهستيرية والنرجسية والإعتنمادية والوسواسية وغيرها مثلما جاء في التصيفات العالمية المعتمدة، كما أن الشخصية تتأثر مميزاتها بما يصيب الشخص من أمراض وأضرار.

ومن هذا التنوع يتحقق السلوك وتتواصل التفاعلات ما بين البشر، مما يعني أن السلوك البشري خليط معقد ومتشعب لا يمكن حصره بتوصيف ما أو تسمية معينة.

ويمكن القول أن ما أشيع من تسميات لا صحة لها ولا برهان، فالبشر يتصرف وفقا لما ينجم عن تفاعل ما فيه مع ما هو فيه من ظروف ومتغيرات، ولا يجوز التعميم والحكم المسبق وفقا لما يتم حشوه في الرؤوس من أضاليل وأكاذيب على أنها علمية وصحيحة.

وياليتنا إزدواجيون وحسب!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم