صحيفة المثقف

السيادة المغربية في مواجهة الضغط الاجنبي

سعيد توبيرالشراكة الاوربية انموذجا

في الحقيقة احتفت عدد من المواقع الاعلامية المغاربية والجرائد الوطنية بتصويت البرلمان الاوربي على تجديد الاتفاق الفلاحي مع المغرب، لكن لا احد تساءل كيف تم اختزال الشراكة في مجرد اتفاق خاص بقطاعي الصيد والفلاحة؟ لماذا لا ترقى هذه المواقف الاعلامية الى مستوى التحليل التاريخي والسياسي لحقيقة الجدل الذي يحكم العلاقة اللامتكافئة - ما بين مغرب مازال ينزف من جرح استكمال وحدته الترابية ومصالح "قارة عجوز" وقد عادت الى ممارسة منطق سايكلوجية المستعمر مع ما يحكمها من عدوانية في الاحتكار والهيمنة في تعاملها مع جنوب ضفة البحر الابيض المتوسط وعلى راسها "المغرب الاقصى"؟

الواقع هو ان "المقاربة الاعلامية" تتحرك ضمن منطق التدافع الايديولجي ومنطق السوق والمناسباتية مما يفوت على "الرأي العام" فرص التعمق والتدقيق في فهم المسائل التي تحتاج فعلا الى عدة ذهنية وعلمية لفك شفرة الشبكة البنيوية الناظمة لعلاقات الاحتكار والهيمنة وامكانيات المقاومة والتحرر وبناء الذات على اسس منطق العالم الحديث من استعياب للعقلانية والنسبية والديمقراطية والانساق الاقتصادية التنافسية. وعليه، نرغب من جهة المسؤولية الثقافية ان نكشف للقارئ العربي عموما والمغربي خصوصا حقيقة الصراع "التاريخي الخفي" الذي يحكم منطق هذه "الشراكة القطاعية" بنوع من الايجاز والتركيز، ذلك ان "المقاربة التاريخية" لا تستطيع الحكم على الاني او السطحي وانما ترتد الى الجذور التاريخية التي تكون دائما عميقة ومتشعبة.

1- ليست الدولة المغربية كما يقول د عبد الله العروي (1) دولة "استعمارية" نشأت في حدود خططها المستعمرون واورثوها لقادة البلاد الجدد بعد الاستقلال، بل هي دولة تاريخية، تكونت عبر قرون، وبخاصة بعد القرن السادس عشر. وتبلور الوعي الوطني المغربي اثناء صراع مرير ضد الاسبان شمالا وضد الاتراك العثمانيين في الشرق، للمحافظة على حدود معروفة لدى السلطة والشعب. وكان الشعور بضرورة حماية حدود معروفة، لايقل رسوخا عن الوعي بالمحافظة على استقلال البلاد.

2- لم يرث الاستعمار الاوربي السيادة على المغرب من دولة سابقة (مثلا الاتراك في الجزائر) او من رؤساء القبائل (عموم افريقيا) ولم تخلق من عدم (استراليا) . وانما استمرت السيادة المغربية رغم تفويض الادارة لدولة او مجموع دول اروبية - واكد على هذا التمييز بين السيادة الواحدة والادارة المفوضة الى عناصر مختلفة. عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء(1906) وما تلاه من من اتفاقيات ثنائية. كان الفنرنسيون يديرون شؤؤن الدارالبيضاء والاسبانيون طرفاية والبلجيكيون وسواهم طنجة . لكن كان الجميع يعترف بسيادة واحدة. السيادة الواحدة المتقمصة في "حقوق السلطان"

3-  يعتبر الدكتور محمد "عابد الجابري" رحمه الله(2) انه في يونيو 1974 على إثر قرار إسبانيا (فرانكو) إجراء استفتاء في صحرائنا الغربية، وكان الهدف هو إقامة شبه دولة “مستقلة” تابعة لها. ولما تبين للمغرب، حكماً ومعارضةً، أن هذا المخطط كان بتواطؤ مع الحكومة الجزائرية، والتي كانت تطمح إلى الوصول بحدودها الغربية إلى المحيط الأطلسي عبر هذه الدولة المزعومة، اكتست القضية حينئذ بعداً آخر: تطويق المغرب وعزله من الشمال والشرق والجنوب (والمحيط الأطلسي من الغرب). كان هدف إسبانيا من ذلك ضمان استمرار احتلال سبتة ومليلية وضمان تأييد الحكام الجزائريين. أما هدف هؤلاء فكان ضمان استمرار استتباع تندوف ومنطقتها والحصول على منفذ إلى المحيط الأطلسي (على مسافة 300 كيلومتر) لتسويق معادن هذه المنطقة (حديد “كارت جبيلات)، خصوصاً بعد أن تبين أن تصديره عبر الموانئ الجزائرية على مسافة 1500 كيلو متر، مكلف جداً.

4- وعليه فان العروي (3) يعتبر ان عودة المغرب الى المطالبة بالصحراء المغربية لتصفية الاستعمار الاسباني مسألة حتمية، والتي افضت الى ملحمة شعبية وسلمية وطنية" المسيرة الخضراء"؟ لقد نوه العروي كذلك بالقيادة والفكرة والاسلوب، كما ثمن فيها جرأة الملك الحسن الثاني السياسية والشجاعة الديبلوماسية والتخطيط الاداري التي خاضها في تنظيم ملحمة تاريخية ووطنية اسمها " المسيرة الخضراء" والتي اصبحت نبراسا للرأي الدولي والشعب المغربي في فلسفة السلمية واسترجاع الحقوق بالطرق المشروعة: (تحريك 350.000 من المواطنين بتوفير كل من النقل والتغذية والصحة في جغرافية قاحلة امام انظار العدو)؟ وبطريقة غاية في الذكاء على مستوى التخطيط والتنفيذ تفادت المسيرة التاريخية النموذجية كل مظاهر الانحراف او العنف، انه الحدث الروحي التاريخي الذي يؤكد اهمية الثنائية السرمدية "ثورة الملك والشعب" في استرجاع السيادة الوطنية الترابية.

انها لحظات تاريخية مهمة تربطنا بالحاضر عبر "دروس تاريخية" والتي تمارس فيه اوربا دراما الصراع" الفرانكو الماني" ضغطا على المغرب الذي راكم مناعة تحتاج دائما الى الدعم والتقوية في بناء "وطنية مستقبلية" قادرة على الاستيعاب والتجاوز. واما اليوم بعد تراجع الحرب الباردة وخلق الغرب ذو القطب الوحيد لعدو وهمي "الاسلام" ملصقا به ظاهرة الارهاب ظلما وعدوانا، فان كل الدول النامية ومنها المغرب تتعرض لقصف تكنلوجي راسمالي احزمته عولمة فائقة التوحش. وهو ما جعل اليوم اوربا تعيش على فتات الموائد الامريكية، ناهيك عن معاناتها من ازمة اقتصادية خانقة واجتياح المهاجرين وانفجار ديمغرافي للجاليات المقيمة، فيها ناهيك عن اكتوائها بسعار الارهاب. وبالتالي سنعمل على عرض بعض ملامح سلوكاتها العامة اتجه المغرب المعاصر:

ا- ان اوربا تفكر بمنطق عقلاني فيما يخص مصالحها وان المغرب شريك اساسي بحكم الضرورة الاستراتيجية، واهميته تظهر على مستوى معالجة ملفات اوربا الحارقة: الهجرة المهددة لبنيتها السكانية/ الارهاب الذي اكتوت به ديار"عواصم" دول السوق، ناهيك عن ملفات الجريمة وتجارة السلاح والمخدرات. وفي هذا السياق تقول النائبة الاوربية "انماكولا رودريغز بينييروفرناندز":( ان الاتحاد الاوربي سيكسب كثيرا اذا ما دفع نحو اندماج اكبر للمغرب داخل السوق الاوربية الموحدة).

2- تقتضي "السوق الاوربية الموحدة" ان تتعامل مع دولة مؤسسات وادارة عصرية وليس عصابات تقتات من المساعدات الدولية وتتاجر في البشر وترهب سكان المخيمات وتعذبهم امام مرأى ومسمع من هيئة الامم المتحدة ومنظمة غوت اللاجئين عاجزة عن احصاء وفحص وضعية الرهائن او محتجزي الحرب في مخيمات الذل والعار بمباركة جزائرية سافرة من خلال الاحتضان والتوجية والرعاية السياسية والعسكرية.

3- ان توقيع اتفاقية الصيد البحري لدليل تاريخي قاطع على تهافت الاجتهادات اللاقانونية للمتربصين بوحدتنا الترابية. انها الجواب الجذري والحاسم على كل من تسول له من "مرتزقة وفقهاء حرب العصابات" التشويش على مصالحنا وترواثنا ومستقبلنا امام "ارادة امة مغربية" تاريخية تسير بخطى حثيثة نحو الديمقراطية والتنمية الشاملة بحكم الموقع الجغرافي التنافسي، الذي يسمح للمغرب بتنويع شراكاته الدولية: "السوق الاوربية" / "الصين" / "روسيا" /"دول الخليج"/ "الهند" و"اليابان" مؤخرا.

اننا نحيي ونثمن جهود "الديبلوماسية المغربية" التي تشتغل بتوجيه من "الارادة الملكية السامية" في هدوء على مستوى التفكير والتخطيط والدينامية الاعلامية والسياسية التفاوضية التي لا تعرف الا العمل الجاد والمضني. وبالتالي تفرض الحكمة في التعاطي مع السيادة الوطنية هي ان تفاوض انطلاقا من موقع القوة العقلانية والاستراتيجية، اذ لا يمكن تقطيع السيادة الترابية : "على الجزء ان يلتحق بالكل" في اطار "الدولة" الحديثة التي تلعب دور الاساس الصلب في تحقيق التوازن بين المصالح وصراع القوى بتعبير عالم الاجتماع السياسي الالماني "كارل دوتش". وبالتالي فان المغرب كل متكامل "المغرب الطوبوغرافي" المنفتح والمتفتح بلد السلم وليس الاستسلام.

نخلص في النهاية من خلال هذه الملاحظات التاريخية ذات البعد السياسي الوطني هي الحافز الفعال في توحيد الصفوف وتضافر الجهود الجميع لبلورة مشروع مجتمعي حداثي ودولة الحق والقانون، على اساس ان أن المجتمعات التي تضمن لنفسها استقرارا وانخراطا إيجابيا هي التي تبلور بشكل نوعي قاعدة مشتركة متوافق عليها. وبالتالي فان هذا التوافق كفيل بإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع"، ودعا الجميع إلى المساهمة، كل من موقعه، في بناء المستقبل المنشود، قبل أن يؤكد على وحدة جميع القوى السياسية وضرورة استرجاع هذا المكون للمبادرة.

- علينا نحن المغاربة ان ندخل تلقائيا زمن الاختيار والحسم والارتماء مباشرة في مشروع "الحداثة والتحديث" لانه لم يعد هناك اي متسع من الوقت امام عجز سياسي لايحتاج الا للملاحظة والاستقراء وعقم ثقافي مروع يفسره لهث النخب وراء الرفاهية المرعية. اذ لاديمقراطية ولا أي شيئ دون تخفيض معدلات الامية. اذ "لاديمقراطية بدون ديمقراطين". ما يلزمنا اليوم "بديل حكومي" نشيط قادر على اخراجنا من عنق الزجاجة الاقتصادية والاجتماعية" الاحتقان السياسي والغليان الاجتماعي" وتوطين لثقافة نقدية تاريخية تحررنا من الفكر التقليدي وثقافة الماضي وكل ما هو ميت ومميت في التراث، أي الاوهام والمطلقات.

 

الاستاذ: سعيد توبير

المملكة المغربية.

............................

المراجع المعتمدة:

1 - الدكتورعبد الله العروي: مقالة - في موضوع الصحراء المغربية- رسالة مفتوحة الى مصطفي خولي- ص 83

"مغربية الصحراء، مقالات مرافعات ووثائق".للاستاذ عبد الصمد بلكبير.

2- الدكتور محمد عابد الجابري: الصحراء المغربية وقضية الديمقراطية- مجلة الازمنة الحديثة. 10 يوليوز2007

3- الدكتورعبد الله العروي: وثيقة- الجزائر والصحراء المغربية- الترجمة الفرنسية 1975.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم