صحيفة المثقف

الحجاب بين الإرتداء والخلع

حسن زايدليس من الحكمة في شيء الوقوف في وجه الحرية بتوهم الحيلولة دون ممارستها . فالحرية مجبولة ابتداءً داخل النفس البشرية، يمارسها الإنسان حتي ولو بينه وبين نفسه . وهي أصل التكليفات الإلهية دونها يسقط التكليف، ويصبح بلا معني . وحرية الإعتقاد هي قمة الحرية لأنها متعلقة بالإعتقاد في وجود الله وحده، أو مع شريك له، أو بعدم وجوده علي الإطلاق، فإن كانت الحرية في الإعتقاد في الوجود الإلهي مكفولة فإنها مكفولة في غيرها من باب أولي .

والإسلام قد سبق القوانين والمواثيق الدولية في تقرير حرية الإنسان، وجعل التكليفات قائمة علي الحرية، وجعل الإضطرار رافعاً له، مسقطاً للحساب عنه: " إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173) " .

وعندما يقع اختيار اٌلإنسان علي اختيار الله له، فلا ريب أن تلك قمة الحرية وسنامها: " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36) " . هؤلاء اختاروا اختيار الله لهم بحرية، إذ أن الحرية مقررة ابتداءًا في مسألة العقيدة .

ومن بين الفروض التي انزلها الله في قرآنه علي لسان نبيه صلي الله عليه وسلم فرض الحجاب وطبيعة الزي الذي ترتديه المرأة . ومن الآيات الدالة علي تلك الفريضة: " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31 " " وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/60 " . "  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الأحزاب/59 " .

فلو قفزنا فوق التاريخ، وفوق التفسيرات، ووصلنا إلي أول فبراير عام 2013 م، لوجدنا فكرة أطلقتها " ناظمة خان  البنغالية  "، فحواها الدعوة إلي رفع الوعي حول الحجاب، وتعميق فهم الآخرين عنه، وتعزيز التسامح . وكانت الدعوة لجميع الفتيات المسلمات وغير المسلمات للبس الحجاب ومعرفة انطباعاتهن . وبالرغم من الإنتقادات التي يتعرض لها إرتداء الحجاب، باعتباره رمزاً للتشدد الديني، وشكلاً من الأشكال الإضطهاد الذي تتعرض له المرأة . ذلك كان مدخل الغرب .

وعندما تفهم المرأة أن ذلك مراد ربها منها، ويطلبه منها، ولها في ذلك الخيار، ثم تقفز فوق هذا الخيار بخيارها، وتقدم خيارها علي خيار ربها، فتري أن عدم ارتداءها الحجاب والزي بالمواصفات المطلوبة فذلك يصونها ويحفظها، فتختار وفقاً لذلك التمرد علي مراد الله، فتسفر عن شعرها، وتجسد جسدها، وتشف عنه . وتصبح رغم أنفها موضع إغواء للرجال، وموضع فتنة وإغراء . وتري أن في ذلك متعة ومصدر سرور وسعادة لها، ثم نشتكي بعد من تحرش الرجال بهن، والتنمر بهن .

وعليه فإن الحجاب مجلبة لكل خير، والسفور والتعري مجلبة لكل شر . فهل يعني ذلك أن إرتداء الحجاب هو الإيمان ؟ . بالقطع لا، ولكنه مظهر من مظاهره . أما الحجاب التجاري فمرده إلي الله، والحجاب التجاري هو ذلك الحجاب المؤقت الذي يرتبط بترتيب خدمة معينة إقتصادية أو إجتماعية أو سياسية .

إن للمرأة الحق في الإختيار بين الإحتجاب من عدمه، وهي واختيارها . إن تحجبت تكون قد أطاعت ربها، وإن امتنعت عن التحجب تكون قد عصت ربها . وهناك فروق بين الطاعة والمعصية.

 

حسن زايد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم