صحيفة المثقف

الوحش

فتحي مهذبالى الصديق Alaa Mohsen

بيت يشبه قلعة مهيبة مهجورة يتكئ على صدر تلة مسيجة بأشجار الكاليبتوس

الكثيفة خالعة على الفضاء الداخلي لصحن البيت الوسيع دكنة غامقة الى درجة تخيله لوحة سريالة مثيرة للرعب لطخها فنان

بهستيرية مفرطة..لوحة رمادية معلقة مثل قلادة من عظام الموتى على صدر التلة الموحشة..

ورث هذا القلعة الصغيرة المشبعة بروح قروسطية مذهلة عن أبيه المشهور بتجارة المخدرات حيث كان الوارث الشرعي الوحيد لهذه التحفة الفنية الموغلة في سوداويتها المقرفة ..

كان( ش ) كلفا  حد الهوس بتربية الحيوانا ت الغريبة .. الأفاعي السحالى..  الذئاب..

الكلاب الضخمة المدججة بأنياب فظيعة..

يبدو مظهره مثل قس هادئا غارقا في نهر عميق من التأملات ولكن في الحقيقة هو على نقيض ذلك ..

انه كائن شهواني عدائي سفاك..

مبشر بايقاع القتل المجاني..

مكتظ بضروب الحيل والشرانق ..

انه عنكبوت سام وضخم يتخفى وراء قناع ملاك بريئ..

اختلف (ش) كعادته الى الملهى الليلي ليراقص الحسناوات الرشيقات يغريهن بالأموال وبابتسامة قس مزيف ..

يرمي شبكته السحرية التي حبك خيوطها من معدن ذئبيته الماكرة ويظل منتظرا فريسته  بروح عنكبوت لا يمل الانتظار.. المهم أن يحصل على فريسة مشتهاة..

ليسكت نواقيس شبقه الداخلى الفوار..

هاهو يستفرد بقنيصة خلاسية

مشبوبة الملامح تتقطر عسلا وشهوة ..

ساقها مثل شاة عمياء امتطت سيارته الشبيهة بعربة الأموات الموسرين..تبادلا النظر بصوفية مرهفة.. أطلق ضحكة مدوية مثل قذيفة هائلة لم تقف على ما تبطنه من عواقب..سرد لها قصصا رائقة

عن الحمامة التي افترست صغارها

أفعى قرمة اندست الى عشها في غيابها القسري بحثا عن الطعام لصغارها وكيف انتصر الطائر الكسير على الأفعى المتسلطة اذ فقأت عينيها بمنقارها فاندفعت من أعلى الشجرة الى أسفل لتلتقطها هوام تجوب المكان بسرية مطلقة..

انه مبدأ الافتراس الحتمي .. العالم يفترس بعضه بعضا .. أحيانا تفترس الأشياء ذاتها بعذوبة باذخة..لقد خلقنا لنفترس ونفترس..

انها لعبة قذرة ولكنهالا تعدو أن تكون ضربا من الاقتضاء والضرورة..هكذا خلقتنا الآلهة لنكون قرابين لبعضنا البعض...

-قالت ببحة تتقطر طلاوة :

أنت فيلسوف يفسر الحقائق مشفوعة بسيل من البراهين الساطعة..

-قال معقبا: كل ما نفسره قابل للدحض والتفنيد..

ليس ثمة شي ثابت قطعي..

مثل النظريات التي تنقض بعضها البعض..

التهمت لسانها دفعة واحدة مثلما تلتهم الأفعى جرذا جموحا..

وغابت في أعماق غابة من التفكير

المليئة بقمح مجازاته واستدلالاته.

أهدى اليها أساور ذهبية سحبها من جيبه الأيمن..

اطمأنت قليلا وزالت رهبتها الغامضة بينما السيارة تطوي المكان بجنون وسط طبقة كثيفة

من العتمة ..

قالت: ما أروع قصصك الآسرة التي نفذت الى عمق روحي .. أنت بارع في سرد الحكايا..

رد باقتضاب : الحياة حكاية ضخمة ونحن الأشباح التي تملأ صفحات كتابها الأبدي..

قالت : جميل هذا.

قال : العفو أيتها الوليمة المقدسة..

لم تعي جيدا مغزى حديثه مسدلة زفرة عميقة على المكان كما لو أنها توجست شرا..

طمأنها مداعبا أرنبة أنفها بأصابعه

المشبعة برائحة القتلى..وبعد ربع ساعة ونيف تقريبا وصل الى قلعته المخيفة .. أطفأ محرك السيارة .. أمسكها من يدها اليسرى مترنما بأغنية ذات ايقاع دموي..

بصوت خفيض جدا..

أيها البيت الملعون

الخالي من ضوء الضمير

الذي تسكنه  ملايين الأشباح

في الدهاليز السفلية

مثل شياطين تمارس لعبة الغميضة..

أيتها القلعة المكتظة بأرواح الأسرى النائمين على سرر الفجيعة

أيتها اللعنات الأبدية

أيتها الضفادع المخيفة

التي تغطس في حوض الشيطان

التي تأكل لحم القطط الساخن..

هانذا جلبت وليمة

لابنك الذي تدهسه العزلة في غيابات القاع..

وليمة لاسكات زئير الفراغ

أيتها السكين

كوني مهذبة أثناء الصلاة

وتقطيع الأطراف..

هذه وليمة لسكان القلعة المخفيين

نظر اليها نظرة نسر كاسر

وفجأة استل سكينه المقدس طاعنا فريسته طعنات متلاحقة في أماكن حساسة من جسدها المستسلم لقدره البائس..

جر جثتها مثلما تجر كلاب الاسكيمو زلاجة ثقيلة..

انتهى به المطاف الى المغسلة..

جلس على قائمتيه مثل وحش أسطوري .. أزال بعض البقع الدموية المتحجرة .. وبحركة عدائية استأصل عينيها الزرقاوين المغرورقتين بالدموع ثم ابتلعهما

مثل حبتي لوز..

حدق في وجهها مثل عقاب يتجسس على حال فريسته الهشة

صاح مولولا بلهجة خفاش غامضة

استيقظي الآن يا أميرتي..

لنرقص رقصة الأموات الأخيرة..

رقصة الفأس في تضاعيف الشجرة المتغطرسة..

رقصة فارغة من طعم المعنى..

رقصة يتحرر فيها الجسد من قبضة الأمكنة المتعفنة..

طوقها بذراعيه بقوة قرش محدب

وأخذ يرقص.. فمه ملطخ بالدم..

يزرب دخان أسود من محجريها المثيرين للذعر..

سقط أرضا مثل سلحفاة عرجاء..

الآن أتممت طقوس رقصتي الوثنية على مسرح هذه الخلوة الفريدة..

أنا مروع الشياطين

وحارس الجحيم الهلامي..

صوتي هراوة قدت من عظام المردة..

أخذ سكينا تلمع مثل ضوء قنديل في عتمة المقابر..

قطع رأسها .. دق حزمة من المسامير في فروة رأسها صائحا

ليغفر لك الرب ما اقترفت من آثام

أيتها المومس.

أنا النهر الملكي الذي يتدفق في

غابة الجنون الخلاق..

يا لها من حفلة شواء رائعة..

أيها المردة أيها الجن أيتها الأبالسة تعالوا .. اهبطوا من سرايا الغيب ..

هذا عشاء مقدس لم يك بد من الحضور ومقاسمتي لحم هذا الضأن الطازج..

سأحتفي بكافة الأشباح الملعونة التي تسكن بيتي الرجيم..

أيتها الكائنات السريةالحارسة لفخامتي من عضة الذئاب البشرية..البشر القذرين الذين هم في مسيس الحاجة الى

صلاة سكيني الرحيمة..

أنا دخان متشظ يقبع داخل كومة من  اللحم القذر..

أكره البشر الذين دمروني ودمروا قرية الله الجميلة..

سحقا لشيئ يسمى انسانا..

هذا الذي الذي امتص جمال روحي مثل حبة فراولو..

اندلعت معركة وحشية بين قططه وكلابه الشرسة التي كانت تقاسمه

الحياة بمجرد تسلل رائحة الشواء

الى مسامات أنوفها..

تساقت الكؤوس الفاخرة من أعلى الرف المصنوع من  الأبنوس..وتهشمت الأواني واحتل المكان  ذعر شديد ..

احتسى كميات من  دم ضحيته معمدا وجهه وأطرافه صائحا لتنزل بركة الرب..

فر طائر غريب يشبه الى حد بعيد طائر غرغر من أعلى تلة رأسه..

نادته خزانة صغيرة محشوة بجماجم ضحاياه

كف عن الضجيج أيها الحقير شاتمة أصله وفصله والسلالة التي تحدر من منابتها..

رد عليها بكل برودة دم وبلهجة فيها ما فيها من العنجهية

سأكسر عظامك أيتها البائسة العطنة..

سقطت الساعة الحائطية محدثة قرقعة فتحت النافذة وفرت خارج أسيقة الزمن..والتقاويم..

ثارت الملاعق الخشبية ..كان لثورتها واحتجاجها وقع كبير في صحن القلعة الرمادية ..

فقد الكرسي الذي يجلس عليه حاسة اللمس ظل يعوي مثل كلب خرافي..بينما الريح تطرق باب القلعة الكبير كما لو أنها رجال  شرطة بيد أنه لم يزل غير آبه بهذه

الاحتجاجات داخل بيته الرهيب..

مزمجرا مخاطبا الريح بعدوانية

انتظريني قليلا

سأفتح الباب وأمسك جدائلك وأمزق لسانك المتطاول.

وبينما هو كذلك في نشوته الدموية الباذخة اذ هطل مطر شديد لم يسبق له مثيل..

حمله الطوفان الى قاع الجحيم  لينال جزاءه الحتمي مثل حشرة

قميئة تعشش في غابة

***

فتحي مهذب

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم