صحيفة المثقف

لماذا تكرهين ريمارك.. عذابات الامكنة وسرد عين الكاميرا

عقيل هاشم"هانحن الان امام اللوحة (لماذا تكرهين ريمارك) ذلك الاسم المستفهم الذي تشكل في الايام الاولى لتواصلنا معا في المرسم حينما حدثتني يوما عن (ريمارك) بكراهية تتساقط ككرات من ضوء حولها وهي تواصل حديثها عن كراهيتها للحرب ـ فانبثق اسم اللوحة التي تحيلني الى صور وكوابيس الايام التي كنت محاصرا بها ...الخ" كمن يزيح التراب عن تفاصيل لوحة ثمينة بحثا عن المهمل من جمالياتها وأملا في العثور على ملامح عوالم غاربة يجمع الروائي محمد علوان في روايته “لماذا تكرهين ريمارك” نتفا من الوجع الإنساني لتضفي قدرا من الحساسية على خزين عذابات الامكنة . « لماذا تكرهين ريمارك » هذا العنوان هو جزء من اشتغالات الكاتب في احداث- تناصا مع رواية الألماني إريك ريمارك " للحب وقت وللموت وقت" اما من ارشده للعنوان فهو (برهان) حين قال له: إنه عنوانا مناسبا. إن أول ما يستوقفك، وأنت تقرأ هذه الرواية ”، وهو عنوان مثير عنوانها المثير للجدل، وسنفهم فيما بعد أنه عنوان يستحق هذه الرواية رواية (الحب والحرب)، ولأنه يربط جميع الأحداث التي شكلت بنية السرد. الرواية عبارة عن قراءة في شهادة (ماهر) الذي هرب من وطنه العراق الى بيروت لأنه مطلوب للسلطة، ويصل بيروت مكاناً للإقامة فيها، وعمل مصمماً في جريدة، يبدأ ماهر حكايته مثقلاً بذاكرة مدينته (مدينة الثورة) اسما ومسمى ماقبل 2003 وعلاقته بأخته «ثريا» واكرم وذكريات الطفولة ومن خلال سرد مكثف ومتداخل الاصوات نطلع على عالم واسع من الهموم والأحلام والخبرات الذاتية، مشغولة بالتماس مع تجربة إنسانية، ثرية بطبيعتها، لكنها لا تأخذ حيز التسجيل المحض، بل يتجادل فيها الفني مع الوقائعي في بنية متجانسة تقنياً ودلاليا.ًقائمة على جدل الحكايات الفرعية المتشظية والحكاية الأم، فثمة خط رئيس للسرد يبدأ من الراوي- البطلة (باجي ثريا) اللقب المحبب البغدادي وفي لحظة فارقة من حياتها، تتبدد فيها الأشياء، ضمن حركية (الفقدان) - الموت والحياة/الحب الحرب - ،هذا السرد الذي اسهم في ما يسهم مزيدا من الإيهام بواقعية الحدث الروائي، في عمل يجدل بين التخييل والسيرة الذاتية، بحيويةِ كاتبٍ ينظر إلى العالم بتأمل، معتمداً على جماليات الصدق الفني. هنا نجد ثمة إشارات سياسية متناثرة يسائل فيها الراوي القارئ عبر المواقف السردية وليس عبر الصخب الأيديولوجي تصواراته الفنية في السرد. تدور أحداث هذه الرواية في مدينة (الثورة) وكما ارادها كاتبها، وتقوم كلها على حوارات متعددة ومتداخلة، هناك دائماً نص أو نصوص مرئية وأخرى مضمرة، بطلها الوحيد هو المكان والذي يلقي بظلاله على الشخصيات المختلفة، ويعبر عن نفسه في لغة صحفية موحية وجذابة . الرواية مقسمة إلى 18 قسم والسرد عبارة عن استرجاعات للماضي اعتمادا على ذاكرة الشخصيات، تتداخل الرواية مع مايسمى رواية داخل الرواية الام "أكرم" كتب سيناريو بعنوان -القطاف المر-اذن هناك عالمان من (الحب والحرب) يبتعدان وبقتربان كلما تقدم بنا السرد ،هذا الكشف والرصد يعلن عن التحول وماحدث مابعد 2003 بعد دخول المحتل الامريكي المتوحش وفعل القسوة مع شعب العراق، حتى أن (برهان) حين عاد إلى بغداد لم يجدها كما غادرها وماوجده من مايسمى بالمليشات المسلحة والقتل المجاني والعنف الغير مبرر. الرواية تحوي الحكاية الرئيسية، التي تبدأ من مايسمى سرد عين الكاميرا –مدينة الثورة وصولا الى بيروت ..سرد دقائق اشياء تلك الشخصية المراة –باجي ثريا/ بغداد - ، وصولاً إلى مجموعة من الحكايات الفرعية التي تتصل بها وتنفصل عنها في آن. ويتمثل الرابط الرئيس هنا في ذلك السارد الذي يقدم هذا المقطع الطولي لتك العوالم من منظور عين الكاميرا التي تنقل ما يدور من وجهة نظر صاحبها. السارد هنا مارس لعباً تقنياً ودلالياً، فتتعدد الطاقة الإيحائية للروايتين، وظل يسهم حضور الثنائية بخاصة في تنمية المتخيّل (السيناريو). الكاتب هنا يؤثث عالمه الروائي بدقة من جماليات التهكم ،فثمة عالم مدهش في تدوينه وكشف تفاصيله للحوادث ، يقدمه الينا بشهية . اذن هي رواية حاول الكاتب أن يترك لنا رسالة مفادها أن الآخرين هم الجحيم .بينما استطاع هو فعلا أن يحول رداءة الواقع المعيش، في عمله الإبداعي الأدبي، إلى جمال، كما يفعل الفنان التشكيلي عندما يحول منظرا قبيحا في الواقع إلى جميل في العمل الفني، أو كما يفعل السينمائي الذي يجعل من الحرب التي ترمز في الواقع إلى العنف والدمار، موضوعا للفرجة والتشويق بقوة ملكته الإبداعية أن يفعل الشيء نفسه.

 

قراءة عقيل هاشم الزبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم