صحيفة المثقف

الإمامة أولاً

مقدمة: نقول: لقد أخطأ العلامه الحلي في وصفه للإمامة بأنها: - [رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي] - الباب الحادي عشر للحلي، والخطأ نقرئه في أصل التوصيف لأنه أعتمد على كلمات عامة، ولا ربط لها بمفهوم الإمامة ودلالتها، فقوله: إنها رياسة عامة !!، في أمور الدين والدنيا !!، نيابة عن النبي !!، قول غير مفهوم في المُراد من عموم معنى الرئاسة، كذلك الربط بينها وبين النبوة مجازفة غير دقيقة، بل إخلال في موضوعة الإمامة بإعتبارها قضية إجتماعية وحاجة في موضوعها وفي محمولها، فالرئيس لا يكون رئيساً إلاَّ بالإنتخاب أو الإختيار، وهذا يعني نفي كونها نيابة أو أنها هبة أو وصية أو تنصيباً، فكل هذه الأوصاف لا تنسجم وطبيعة الفاعل فيها والذين هم الناس لا غير، فهم أصحاب الشأن في إختيار من يكون رئيسا عليهم فينصبوه .

 ونقول: لا يكون الإمام نائباً عن النبي بأي نحو، ذلك أن موضوعة النبوة قضية إلهية محضة تكون بالإصطفاء من قبل الله، والنبي لا يكون منصوباً أو مختاراً من قبل الناس، فيصح معه ان يكون منصبه قابلا للنيابة، وفي ذلك المعنى تحديداً لا تصح النيابة ولا تصح الوصية ولا يصح التنصيب .

 أذن فحينما نقول: إن الحلي قد أخطأ في التوصيف فنحن نعني ما نقول، وذلك لأن الكلام في شأن الإمامة وطبيعتها مرتبطة بالناس وبشؤوناتهم، هي إذن: (عبارة عن حكومة تنفيذية ترتبط في مهامها بالرسالة)، وفي هذا نكون قد أخرجنا الإمامة من النبوة وطبيعتها وما يتعلق بها، وبهذا يمكننا القول: (هي نيابة عن الرسول في أمور الدين والدنيا) وهذا القول على نحو الإعتبار لا الحقيقة، بإعتبار كونه حاكماً ورئيساً، فالأمر والنهي والقضاء وجميع شؤونات السلطة والحاكمية هي من مهام الرسول، وكذا يكون بالتبعية من مهام الإمام أي (الحاكم أو الرئيس)، فمهام الإمام من مهام الرسول ومهام الإمامة من مهام الرسالة لا النبوة، وهذا الكلام من جهة الوصف وتعيين المصداق، ولكي يكون الوصف صحيحاً يجب ان يكون منسجماً مع معنى الموصوف .

 ولزيادة في الإيضاح نقول: [الإمامة هي سلطة زمنية تستقي فعلها وعناصر قوتها من الرسالة، بلحاظ كونها مؤوسسة من أجل تنفيذ القوانين والتشريعات وإجرائها]، والإمام يكون رسولاً من هذه الحيثية وليس من جهة الشخصية، فالرسول أو الإمام هو عنصر بشري يجري عليه ما يجري على عامة الناس، من جهة تطبيق القانون وإجرائه، ولا يتعلق الأمر بشخص الرسول من حيث هو، لذلك قال: (أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم) - آل عمران 144، وحتى حينما يقول النص: - [وما آتاكم الرسول فخذوه] - الحشر 7، إنما يعني إن ما جاء للرسول من تعليمات فعليكم بالأخذ بها وتنفيذها، وشرط التنفيذ متعلق بما يحكم به الزمان والمكان من حيث الطبيعة والإنسجام والموافقة، ونفس الشيء يُقال في معنى قوله تعالى: - [أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ..] - النساء 59، ومفهوم الطاعة هنا هو إطاعة ما جاء به الرسول من تعليمات ومن أوامر ونواهي، وليس إطاعة الرسول من حيث هو هو، فهذا شيء أخر إنما المتعلق في الطاعة هو طاعة الرسالة وما فيها، من قوانين وتشريعات، هذا هو الظاهر وفي المقام الأول، وبما إن الرسول هو المنفذ والمجري لهذا القانون في زمانه فتلزم طاعته من هذا الباب، ويعني هذا إن الأمر بالطاعة متعلقق بالرسالة أي طاعة الرسالة ومن ينفذها في كل زمان وفي كل مكان، والمعيار في ذلك هو المفهوم وليس المصداق لأن المصداق متغير بحسب الزمان والمكان .

 والفصل الذي نقصده بين الرسول والرسالة فصلاً إعتبارياً لا فصلاً حقيقياً، أعني هو فصل في الجانب الإجرائي وما يتعلق بفهم النصوص وشرحها والإجتهاد فيها، وفي مسألة الإمامة كذلك فنحن نشير إلى الإمام لا بصفته الشخصية بل بصفته الإعتبارية الدائمة والمتغيرة بحسب الزمان والمكان، بمعنى إن الشخصية مفهوما زمنيا إعتباريا لا يجوز فيه التعلق بها أو تسوية الأمور حسب مواصفاتها الشخصيه لأن ذلك غير ممكن .

 ومع التطور الإجتماعي والإقتصادي وتنامي دور المعلومات وسيادة النزعة الوطنية تقلص دور الإمام بالمعنى التاريخي، ولم يعد مفهوم الخليفة الإمام أوالسلطان مقبولاً في ظل التطور العلمي لمفهوم الحكم، ومن هنا تجذر المفهوم الجغرافي للوطن الذي لم يعد يتسع لمساحات واسعة، فأصبح لكل وطن وقوم أماماً خاصاً لهم ينتخبونه من بينهم ضمن مواصفات إجتماعية وسياسية معينة ...

نعم إن هناك خللاً مفاهيمياً في الفكر الإسلامي، يلف فكرة الإمامة ككل، ويبدأ من خلال الإعتماد المغلوط على أخبار وروايات غير صحيحة في تأسيس الإمامة والبناء عليها، ومن بين تلك الأخبار قولهم ا: - (الائمة أثنى عشر وكلهم من قريش) -، فالتأسيس لمفهوم الإمامة إسلامياً أنطلق من هذا الوضع، ومنه أبتدأت المغالطة والخرافة ونمت وترعرعت وكبر عودها، وصيغ حولها القصص والحكايا، والتي أنتهت بسيادة الغلو والتطرف وكثرة الأخبار التي روجت لذلك، وهذا ما نجده واضحاً في كتب الروايات والأخبار الإسلامية .

والبحث في سند الخبر أرشدنا إلى جميع رواته من الكذابين الوضاعين الذين لا يعتد بهم، ومع إن البحث في الخبر وسنده لا يعنينا لكن ومن باب الإشارة والتذكير جئنا به، وأما المعمول عندنا فهو كتاب الله المجيد وما يقول به العقل في هذا الشأن، فالخبر حسب قواعد الكتاب ونصوصه (خبر متهافت) ولا يصلح في التأسيس والبناء عليه، كما إنه لا يصح نسبة التهافت لرسول الله أو إنه عليه السلام يتبنى هذه الفكرة وبأن يكون الخلفاء من بعده أثنى عشر وكلهم من قريش .

 فالخلافة بمفهومها العام هي سلطة زمنية وليست وهبية ولا كسبية ولا نصيه، إنما هي سلطة إجتماعية في التأسيس والبناء، كما لا يصح الإعتماد على هذا الخبر، لأنه يجعل من الرسول هو المؤوسس لفكرة القومية والتعصب العنصري، وهذا يناقض ما جاء في وصف وما نفهمه من قوله تعالى: - (وما أرسلناك إلاَّ رحمة للعالمين) - الأنبياء

107، وماورد في المأثور عنه عليه السلام: - (لا فضل لعربي على أعجمي إلاَّ بالتقوى) -، وهذا الكلام يتجاوز البعد الضيق للإنتماء القومي أو القبلي أو المناطقي، والمعيار عنده هو في العمل الصالح .

نعم شكل هذا الخبر دافعاً للبعض للقيام بتمرد مشروع على فكرة الإحتواء القهري الذي يمارس من قبل قوى السلطة، إذ ذاك يعني حذف متعمد لمفهوم السلطة كمؤوسسة إجتماعية تكون وتكبر وتنمو بالإنتخاب (الشورى والديمقراطية)، ناهيك من كون هذا الخبر المسخ يعارض بوضوح نصوص الكتاب المجيد، الداعية إلى التساوي في الحقوق وفي الواجبات من غير تمييز أو تفاوت طبقي أو أثني، كما إن من المفيد الإشارة إلى أخبار تعارض ذلك وتعلن بصراحة رفض فكرة التفاضل حسب النسب والعشيرة، وجعلت من التفاضل المحمود بالعلم والعمل والتقوى وهي مفاهيم مجردة مطروحة للعموم، وليست هي من خواص أو من ممتلكات قريش أو أنصار قريش، ففي المأثور قوله عليه السلام: (والله لعبد حبشي يطيع الله خير من سيد قرشي يعصي الله) .

 ولا يجوز حصر الأفضلية في الطقوس والممارسات والشعائر، بل تكون بالعمل الصالح وبالتقوى وإن كانت الثانية شأن خاص لا يدخل في مجال التنافس والتفاضل بل يجده العبد عند الله، والذي عليه المعول:

 - إن هذا القول عام مطلق ويتناول حركة الإنسان في مطلق الزمان والمكان -، ومن غير تصنيف أو علامات فارقة أفترضتها الذهنية المتخلفة، والكتاب المجيد كذلك يصدح بمقولته الشهيرة: - [إن أكرمكم عند الله أتقآكم] - الحجرات 13، وصفة التفضيل عند الله كذلك هي بالعمل الذي يقي الناس من العنف والشر والجريمة، وفي ذلك لا يكون هناك متسعاً من القول لكي نقول: - إن لقريش فضل على عامة الناس وفي قيادتهم -، وكذا لا يصح كذلك حصر الإمامة بعدد محدد من الخلفاء، طالما إن الأمر يرتبط بالحياة وبالوظائف اليومية للناس وبالزمن الإفتراضي لكل خليفة .

الرسول أو الإمام:

 موضوعة (الرسول أو الإمام) ليست موضوعة ثنائية التشكل والمعنى بل هي أحادية الصفة والمضمون، فالإمام في الكتاب المجيد هو رسول والعكس صحيح (وفي هذا الشأن يجب التركيز على مقولات الكتاب المجيد، وليس على ما تقوله الأخبار والروايات الموضوعة)، وهذا يعني إن للإمام من المهام والواجبات ما للرسول، وله نفس االسلطة والقابلية في إجراء القوانين وتنفيذها والحكم والقضاء بين الناس، إنهما إذن يعبران عن وحدة حال، وإلى هذا أشار النص التالي في قوله تعالى: - [.... إني جاعلك للناس إماماً، قال: ومن ذريتي ؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين] - البقرة 124، وفي بيان معنى هذا النص، نقول: إن مفهوم جعل أي صار في لغة العرب وهو من الصيرورة، أي الإنتقال من حال إلى حال أخرى، ونفس المعنى نجده في الكلامي وفي الفلسفة أيضاً، هو تطور ذاتي وموضوعي يطرأ على الشيء لغاية ما .

 والفعل ورد هنا في صيغة ما يحدث لا حقاً، كالذي حصل لإبراهيم من تطور (صيرورة) فبعد أن كان نبياً صار إماماً، هو إذن تطور في المهام وليس في المقام، وقد عبر الملا صدرا عن ذلك بحركة النقلة، وهذا ما عناه النص أيضاً في قضية الواجبات والمهام التي سيضطلع بها إبراهيم الإمام (الرسول) وليس إبراهيم النبي .

 وكما قلنا غير مرة (إن الإمامة هي ليست النبوة) تختلف عنها من وجه ولا تفترق عنها من وجه أخر، ففي:

الأول قال: إني - جاعلك .. إماماً - بصيغة المفعول الثاني،

 ولفظ - جاعلك - يقوم بمقام الفعل في نصب المفعول، ولا تصح إليه الإضافة، هذا إذا كان بمعنى الحاضر أو المستقبل، وأما إذا كان بمعنى الماضي فلا يقوم بمقام الفعل .

والثاني قولهم: أن أسم الفاعل حين يكون مضافا يكون ماضياً كدليل على الإقرار، وهذا لا يكون عند الكسائي، فهو إن كان مضافاً يحتمل الحال والإستقبال، وعليه يكون معنى النص: (إن الله قد جعل إبراهيم إماماً أما في الحاضر أو في المستقبل) .

 وكا قلنا إن: - (الإمامة شيء والنبوة شيء أخر) -، وإلى هذا ذهب صاحب الميزان حيث قال: - إن إمامة إبراهيم غير نبوته - الميزان ج1 ص 271، والإمام هو ما يُقتدى به ويُتبع في أفعاله وأقواله، كتدبير أمور الناس وإجراء سياساتهم وتطبيق القوانين والأحكام بينهم، ولا تدل عبارة - إني جاعلك - على معنى (إن يكون الإمام منصوباً من قبل الله)، ولكنها تشير فقط إلى تطور وإنتقال في حياة إبراهيم من كونه نبياً يوحى إليه إلى كونه رسولاً يقود الناس ويطبق القانون، إذن هي ترتبط بقضية الفعل والمهام التي سيقوم بها إبراهيم بإعتباره إماماً .

 وأما التوكيد في القول إنه: - (لا ينال عهدي الظالمين) -،

 أي عهد الإمامة لا يناله الظالمين، ولفظ - الظالمين - بصيغة الجمع مع ال التعريف مشعرة بالتخصيص، والمُراد منها (جماعة خاصة بعينها) من ذرية إبراهيم، ولا يصدق معناها على كل من صدر منه أو عنه ظلم أو شرك أو معصية في حياته، ولو كان في برهة من عمره ثم تاب وأصلح !!، ذلك إن الظلم ليست من الصفات الثابتة التي لا تزول بزوال السبب، ثم إن ترتيب الظلم والحكم عليه بأثر رجعي ممنوع عند الله إذ (لا تزروا وازرة وزر أخرى)، هذا من جهة الطبيعة وما يكون عليه الإنسان بالفعل، وقد ورد في الأثر التأكيد على: - إن الإسلام يجُب ما قبله - أي يمحو ما قبله، وبهذه الحيثية دخل الناس في الإسلام وقُبل منهم .

 أما لماذا لا ينال عهد الإمامة من ذرية إبراهيم ؟، فالقيد كما قلنا يشير إلى البعض منهم، والمتعلق في المنع هو الظلم، الصفة والفاعل إذ لا يستقيم أمره ومهام الإمامة، التي يتطلب فيها العدل كونها أمر ونهي وتنفيذ دقيق للأحكام، والشرط الموضوعي المقترح هذا يُلزم من يتصدى من ذرية إبراهيم لهذا العهد، وبأن لا يكون ظالماً أو من الظالمين في الحال وليس في الماضي .

 والظلم صفة نفسية نسبية تكون ضد العدل في مطلق الزمان والمكان، وفي الكتاب المجيد نرى التقابل بين الظلم والإحسان كما في قوله تعالى: - [.. ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين] - الصافات 113، والإحسان كما الظلم من الصفات النسبية المتغيرة، والمعيار في التعريف بالظلم أو الإحسان هو في الطبيعة والكيفية التي يتم الإعتماد عليها فيما ينفع الناس ويحقق مصالحهم .

والظلم والإحسان والعدل وغيرهما هي من الصفات الغير تخيُليه، ولا يصح التوصيف بها أو الكلام عنها على نحو مطلق من غير دليل، وكذا لا يجوز إعتبار لفظ - عهدي - منه تعالى ذو دلالة مطلقة بحيث يشمل كل عهد، حتى في قوله هذا: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل ..) - طه 115، فالعهد ليس مطلقاً ومعناه هنا لا يشمل كل عهد، وهكذا قال في قصة يونس: - [سبحانك إني كنت من الظالمين] - الأنبياء 87، ولا يُقال عن الظلم هنا إنه محمول على ترك الأولى، بل يُقال عنه إنه متعلق بما يقوم به الإنسان تجاه نفسه (ظلم النفس)، كما جاء في قول آدم: - [ربنا ظلمنا أنفسنا] - الأعراف 23، وفعل آدم ويونس في الحقيقة لا يدخل في باب العهد الذي نحن بصدده، ولهذا لا يستوجب المخالفة والعصيان، وإنما جاء التوصيف من باب العتب أو لنقل من باب تعظيم الشأن .

 ....

ولكن هل العصمة واجبة للإمام أم العدالة ؟ وقبل بيان مفهوم العصمة، نقول: إن الله أستعرض في الكتاب المجيد الشروط الموضوعية الواجب تحققها في الإمام أو الحاكم، ولم  يذكر العصمة ولم يركز عليها بقدر تركيزه على المفاهيم الإعتبارية الأخرى من العلم والقوة والكفاءة، كما في قصة الملك طالوت والنبي داوود، فهو حين جعل طالوت ملكاً على داوود لم يقل إنه أو لأنه معصوماً، بل شدد على مقومات القيادة مع الحفاظ على النسبية في الأشياء التي تؤهل الفرد ليكون قائداً، مع العلم إن الله قد جعل طالوت ملكاً وجعل داوود جندياً في جيشه، قال تعالى: - [.... إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً ..] - البقرة 247، يعني جعله حاكماً عليهم بوجود النبي داوود، وهذه تحتاج إلى تأمل، لأن الله لا يركز في القائد إلاَّ على الصفات التي تحقق للناس العدالة والتساوي وتطبيق القانون، فالحاكم المطلوب من قبل الله هو الحاكم العادل الذي يلزمه علم وقوة ولا تلزمه العصمة، أي إن اللازم توفره في الحاكم هو القدرة على تنفيذ القانون وإجرائه بشكل عادل، وتوفير الأمن والإستقرار للمجتمع وحمايته من التعديات الخارجية .

وحين نقول هذا فإنما نعني الجانب القيمي وفيما يحقق السعادة للمجتمع، وكذلك نقول: - ولا يشترط في الإمام أن يكون معصوماً -، ولكن ماهي العصمة ؟:

- عُرفت العصمة بأنها الحماية أو الوقاية، وأصلها من الفعل الثلاثي عصم، وبقولنا حماية فهذا يعني بان الفعل ذاتي، وقد تقع أثاره في الخارج، فهي حماية ذاتية تمنع صاحبها من الوقوع في الخطأ، وهذه الفكرة تنقسم بحسب موضوعها إلى نوعين:

1 - عصمة تكوينية: ومعناها إن يكون الفرد معصوماً في النشأة والتكوين، أي إنه لا يرتكب الخطأ ولا يفعله تكويناً، وهذا المعنى يجعل من المعصوم غير مكلفاً وهو أقرب إلى النبات والجماد منه إلى الإنسان .

2 - عصمة تشريعية: ومعناها إن يكون الفرد قد راقب نفسه ومنعها من الوقوع في الخطأ أو إرتكاب الخطأ، وهذه المراقبة هي فعل أو قدرة على المقاومة يكون الإنسان فيها مكلفاً ومختاراً، أي إنه من ينتخب ماهو صالح وصحيح له، ويتجنب كل ماهو ضار وقبيح، وهذا الفعل ينطلق من الفرد قبل التشريع، ويأتي التشريع كتعزيز وتثبيت لذلك عبر الأوامر والنواهي، وإلى ذلك أشار النص بقوله: - (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) - العنكبوت 69، ويُفهم من هذا إن التشريع يُثبت ويعزز ويدفع بهذا التوجه، لدى من يجد في نفسه العزيمة والإصرار والرغبة، وهذه الحالة تكون سابقة للنبوة ومنها وعليها يتم الإصطفاء .

وهذا المعنى مطلوب على نحو الإستحباب في الإمام أو الحاكم، لأن من يكون كذلك تكون العدالة لديه تحصيل حاصل، ولكن هذا الشرط ليس لازماً إنما هو شرط إقتضاء، ففيه تتحقق المصلحة والغاية من الحكم العادل والحكومة العادلة، ولذلك تكون العدالة هي الشرط الموضوعي الأكثر إنسجاماً مع الطبيعة البشرية في الحكم .

و أما القول: بأن العصمة هي ملكة نورية قدسية، كما يذهب إلى ذلك مُدعي العرفان والتصوف، فهو قول مجرد بل محض خيال ووهم، لأن العصمة في هذا المعنى تجرد الشخص المعصوم من إنسانيته وتذهب به إلى جهة الملائكة، وهذا ما لا يقره الحق ولا يسمح به، فالذين: - [..لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ..] - التحريم 6، هذا الوصف لا ينسجم ولا ينطبق على الإنسان وماهيته وجوهره، الذي يتميز به من عقل وقوة إدراك وتخيل وإختيار وإنتخاب للفعل والقرار .

ونعول للقول: - إن الإمامة ليست رئاسة عامة -، بمعنى إنها ليست تفويضاً من قبل الله، بل هي تفويضا من الشعب لمن يرتضونه إماماً عليهم، وليست التقوى شرطاً في صحة الإمامة، ذلك لأن التقوى في الغالب شيء أو ملكة ذاتية أو نفسانية يحصل عليها المرء من كثرة العمل بالواجبات والإحتياط عن كل الشبهات، وهي شرط مفاضلة عند الله لا يعلمها إلاَّ هو، ولايصح الوصف بها على نحو موضوعي خارجي، والدخول في جدلية التقوى لا يقودنا إلاَّ إلى الدور الباطل بين التقي والأتقى، كما هو الحال بين المفضول والأفضل، وكلها صفات لا يمكن التحقق منها على وجه الدقة في الخارج .

نعم في الإمامة يجب التركيز على إنسانية الإمام، وما يحقق لنا شرط محاسبته إن أخطأ والنظر والتدقيق فيما يقوم به ويحكم، هذا بلحاظ كون فعل الإمام مرتبطاً بحياة الناس وحاجاتهم، ولا يصح الحكم عليهم من غير تشاور معهم، فالشورى شرط لازم في صحة الإمامة، والشورى: - هي إستنطاق عقول الأخرين فيما ينفعهم وفيما يضرهم -، قال تعالى: - [وشاورهم في الأمر] – آل عمران 159، وقال تعالى:

- [...وأمرهم شورى بينهم] - الشورى 38 ..

وللحديث بقية

 

آية الله الشيخ إياد الركابي

7 جمادي الثاني 1440

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم