صحيفة المثقف

من يحكم الجزائر؟

علجية عيشللعقيد محمد الصالح يحياوي.. الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني

لقد سبق وأن حذر العقيد محمد الصالح يحياوي بخصوص الإنتخابات الرئاسية بأن جهات خارجة عن الحزب ودوائر بعيدة كل البعد عن هياكله وهيئاته القيادية هي التي كانت توجهها، وتفرض عليها طبيعة القرار الذي يتعين عليها أن تتخذه في موضوع الترشيح للرئاسة، وهو شأن بالغ الخطورة، والحساسية، يتصل بمسيرة الأمة ومستقبل الوطن، ويعكس حقيقة ما تتمتع به من حرية وديمقراطية في بلاد "التعددية"، ألا يحق لنا بعد كل هذا أن نطرح مرة أخرى سؤالنا القديم من يحكم الجزائر؟، سءال طرحه العقيد محمد الصالح يحياوي، الذي قال أن الأزمة في البلاد هي أزمة ثقة على كل المستويات، وأن تدهور الأوضاع كان نتيجة لممارسات خاطئة، من أهمها عدم احترام الرأي الآخر، وفي غياب الحوار تفاقمت الأزمة وظلت قائمة إلى اليوم

تمر الجزائر في هذه الفترة بظروف جد حساسة وصعبة أمام التنافس الحاد حول من له الحق في الترشح للإنتخابات الرئاسية ومن له صفات الشخصية الكاريزماتية القادرة على إدارة الحكم، وموقف الأحزاب المعارضة من ترشح الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، التي اعتبرت قرار ترشحه باللا مسؤول، من شأنه أن يغرق البلاد في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، خاصة والرئيس البالغ من العمر 84 سنة ما زال يعاني من المرض وصحته تتدهور يوما بعد يوم، لكن لا يعني ذلك التنكر لما قدمه منذ توليه الحكم في 1999، ودوره في إخماد نار الفتنة ولم شمل الأمة والانطلاق من جديد بعدما أنهكتها العشرية السوداء، وقد اعترف هو نفسه يوم أعلن ترشحه للإنتخابات، وقال بصريح العبارة أنه لم يعدبنفس القوة التي كان عليها لكن إرادته لخدمة الوطن راسخة وتعهد بوتفليقة بأن يقوم في حال فوزه في الانتخابات بتنظيم ندوة وطنية تهدف إلى إعداد "أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية" بهدف تحقيق التوافق في مجال إجراء الإصلاحات .

ولعل رسالة بوتفليقة تعيد طرح السؤال من جديد حول الإنتخابات الرئاسية وكيف تكون مواصفاتها، وهل ستتغلب كفة السلطة على المعارضة التي ستقدم مرشا الوفاق، لاسيما والذين اقدموا على الترشح شخصيات لها وزن سياسي وعسكري على غرار رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، والجنرال المتقاعد علي غديري الذي يعتبر من أبرز منافسي الرئيس الحالي، وقد اثارت قضية ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاتية جديدة موجة من الإنتقادات، حيث أطلق جزائريون دعوات للتظاهر رفضا لترشح بوتفليقة في مسيرة سلمية ينظمونها يوم 22 فيفري الجاري للتعبير عن موقفهم، وأطلقوا عليها اسم "حراك فيفري" ( فبراير/ شباط الجاري)، يجددون فيها مطلبهم في التغيير، ولعلها ستكوت ثورة فكرية لم تحدث من قبل في الجزائر، وهو ما يدعو إلى القلق أكثر، كون بعض الجهات ستستغل هذه المسيرة لصالحها من أجل بث الرعب وزرع الفتنة بين الجزائريين من جديد، بهدف تكرار سيناريو العشرية السوداء.

كانت هذه المقدمة تمهيدا لعرض رسالة العقيد محمد الصالح يحياوي كتبها أيام كان مسؤولا تنفيذية على حزب جبهة التحرير الوطني وأرسلها إلى الشاذلي بن جديد، وقد كتبت بأسلوب ممير، أسلوب يعتبر من السهل الممتنع، يعبر عن قدرة هذا الرجل في بسط القضايا وتشريحها، ووضع الإستراتيجيات للذهاب نحو الحكم الراشد، وبناء دولة ذات حكامة في إطار الديمقراطية التشاركية، حيث شخص فيها موضوع "الإنتخابات الرئاسية بين القول والممارسة" ووضع لها  عنوان ضخم : "من يحكم الجزائر"، وهي بلا شك رسالة صالحة لكل زمان لأنها تتكيف مع كل الظروف والمستجدات كلما حلّ موعد الإنتخابات الرئاسية وتجديد العهدة لرئيس ما او البحث عن رئيس جديد، يكون في مستوى تحمل هذه المسؤولية، وفي هذه الرسالة رسم العقيد محمد الصالح يحياوي رؤيته للممارسة السياسية النزيهة وكيف يتم ترشيح رئيس الجمهورية، وكيف يكون هذا الأخير إمّا محل إجماع فعلي، وإما محل اختيار من الأغلبية بصفة ديمقراطية لا يرقى إليه الشك ولا يمكن الطعن فيه، لقد عالجت أمانة حزب جبهة التحرير الوطني في تلك الفترة قضية الترشيحات للانتخابات الرئاسية بطريقة خالية من كل حكمة، وعرّضت الحزب لخطر كبير، وانتزعت منه كل مصداقية، ونتج عن ذلك الخروج عن الانضباط الحزبي، والخرق للوائحه وقوانينه، والتحلل من القيود التي تربط المناضلين بحزبهم، وتصاعدت السلوكات الجهوية والمواقف الفئوية والتصرفات الأنانية والانتهازية.

جاء في رسالة المجاهد العقيد محمد الصالح يحياوي مايلي: " وأمام هذا الوضع المرير، المفروض مرة أخرى على الجبهة، فإنني أحببت أن أتوجه بشكل خاص إلى كل أولئك المناضلين والمواطنين الشرفاء، الذين بلغ بهم حسن الظن، وصدق المشاعر،و نبل العواطف، متطوعين، مدفوعين بوحي من انتمائهم الصادق لهذا الوطن، ووعي دقيق بما يتطلبه الموقف من تصد حازم لكل دعوات الجهوية المقيتة، ونداءات التحالف ضد مصلحة الوطن وثوابته التاريخية، ويختم رسالته قائلا: أنني استخلص ما ينبغي من الدروس منذ 1979 وما تلا موت الرئيس بومدين رحمه الله من تطورات، وما أعقب ذلك من تصرفات لاستخلافه، إنه ليس لي أيّ موقف سلبي ولا أيّة مشكلة شخصية مع "الإخوان" الذين رُشِّحُوا أو ترشحوا، أو سيترشحون في الأيام القادمة، وإنما كنت أتمنى أن يجري التنافس النزيه في ساحة جبهة التحرير الوطني بين كل الراغبين في الترشح من أبنائها، وأن يكون الفصل في من يقع عليه الاختيار في مؤتمرٍ مشهودٍ، وبصفة ديمقراطية كاملة، ثم نخرج جميعا وراء مرشح واحد، يحمل راية جبهة التحرير الوطني، ويكون هو الذي يمثلنا جميعا، لأنه الفائز بثقة أغلبية المناضلين، ونحن جميعا أنصارا له ومساندون.

و ضمت الرسالة كلمات تعبر عن مدى وطنية هذا الرجل وصدقه، حيث يستطرد بالقول: أن قيادة الحزب لا تستطيع أن تتنصل من مسؤولياتها التاريخية، الثقيلة في تشتيت ما تبقى من صفوف الحزب بعد الزلزال الذي أحدثه المؤتمر السابع، ولا أن تتملص من قرارها الخطير الذي فتح الباب على مصراعيه أمام كل من يريد الإخلال بقوانين الحزب والتلاعب بما شاء من لوائحه ومبادئه، إن قيادة الحزب التي سارت كل هذه الأشواط في دروب الخلط والغلط، تظن أن يشفع لها أن تعتذر بالإعلان لنا صراحة والترويج على أوسع نطاق، بأن جهات خارجة عن الحزب ودوائر بعيدة كل البعد عن هياكله وهيئاته القيادية هي التي كانت توجهها، وتفرض عليها طبيعة القرار الذي يتعين عليها أن تتخذه في موضوع الترشيح للرئاسة، وهو شأن بالغ الخطورة، والحساسية، يتصل بمسيرة الأمة ومستقبل الوطن، ويعكس حقيقة ما نتمتع به من حرية وديمقراطية في بلاد "التعددية"، ألا يحق لنا بعد كل هذا أن نطرح مرة أخرى سؤالنا القديم من يحكم الجزائر؟...

وقد عبر العقيد محمد الصالح يحياوي أن الأزمة في البلاد هي أزمة ثقة على كل المستويات، وأن أحداث أكتوبر حلقة دامية في سلسلة طويلة تعود أسبابها إلى ما قبل الاستقلال، وأن تدهور الأوضاع كان نتيجة لممارسات خاطئة، من أهمها عدم احترام الرأي الآخر والإنفراد بالسلطة، وفي غياب الحوار الحقيقي تفاقمت الأزمة وظلت قائمة إلى اليوم، وهو ما دفعه إلى المطالبة بديمقراطية التعبير والتغيير، أي ديمقراطية المشاركة لا ديمقراطية الموافقة، لقد كان طرد المستعمر في نظره هو الخطوة الأولى لتحقيق الديمقراطية، لأنه لا ديمقراطية بدون حرية، كما يعتقد أن الممارسة الحقيقية للديمقراطية مرتبطة بحجم الحرية التي يتمتع بها المواطن، ثم نجده يتساءل عن أي ديمقراطية يمارسها عاطل لا يجد قوت يومه، أو خادم يعيش تحت رحمة سيده، ولذلك، لا مجال للحديث عن الديمقراطية وأغلبية الشعب أسيرة الفقر والجهل والمرض، والمتأمل في رسالة العقيد محمد الصالح يحياوي يقف على حنكة الرجل في رؤية راهن البلاد بابعادها الجيوسياسية وافقتصادية والإجتماعية أيضا وهي رؤية استشرافية لمستقبل الجزائر من بعد ديل نوفمبر، وهو الذي كان في صفوف جيشس التحرير الوطني، وهو صاحب 18 رصاصة غرست في جسده، وبهذا يعتبر اكبر جريح من حيث عدد الرصاصات وأصغر جريح سنًّا،، كان عضو في مجلس الثورة، ورئيس الأكاديمية العسريكة بشرشال، بعد إبعاده من السلطة وتعرضه لمحاولة اغتيال، فضل العقيد محمد الصالح يحياوي الصمت لكنه ظل يراقب الأمور عن بعد إلى أن توفي في 10 أوت 2018 بالمستشفى العسكري عين النعجة بعد مرض عضال جعله طريح الفراش.

 

علجية عيش

........................

من كتاب محمد الصالح يحياوي رجل بوزن أمة ظلمه رفاقه

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم