صحيفة المثقف

جرثومة نوتنغهام

قصي الشيخ عسكرهل يعد نفسه خاسرا حين جلب ذات يوم جرثومة إلى نوتنغهام وعاد من دونها في الوقت نفسه ترك بعضا منه في إحد المختبرات فَهُرِعَ بعد سنين يبحث عنه.

ليست مصادفة مفتعلة ..

ماظنه عبثا أصبح حقيقة أغنته عن الحاضر نفسه وما عاشه من صخب ولهو، ولعل جوستينا شجعته من دون أن تدري. لم ير الدموع بعينيها، ولم يعرف أية مسحة حزن إذ يغادر إلى حيث لا عودة. كانت تبدو متماسكة سوى لمحة من الجدّ لاحت على وجهها. أشبه بالحزن قطعا. أصبح بقاؤه في نوتنغهام وعودته ممكنة جدا. سيكون هناك بعيدا وهنا أيضا. المستحيل تلاشى .. يمكن أن يحقق ذاته في مكان واحد بوقت واحد أو بأكثر من زمن ومكان. نحن نعيش عصر العلم والخيال وقد جمع بينهما حين حشر نفسه في قارورة وهو طليق .. سنين وهو يحاصر اللشمانيا، يحجز الخفاء ويراقبه، فهل يعجز أن يمنح نفسه سعة ليكون في أي مكان:

- سآتي بعد نصف ساعة.

ليحاصر بعضا منه حتى يعيش سنوات أخرى!

استقل الحافلة إلى المشفى الملكي، أيمكن أن تجده جوستيانا ساعة تشاء. في أيَّة لحظة. خاتم سليمان بيدها. شبيك لبيك، تعيد إليه الحياة من جديد، فتجده أمامها وإن عاد إليها بشكل آخر. كانت ترى أنها هي التي صنعته من خلال عالم النساء. شخص بريء لا يعرف عالم المرأة .. جعلته يقدر فحولته، وحاول أن يجرب مع غيرها فأخفق. عافت نفسه البيكادللي وقرفه، هذه ليست دلال التي صفعت أستاذا قديرا فأنهت كيانه، محقته، أجبرته يهرب من الجامعة، ولا فتاة طريق تبصق على أصابعها كي ترطب مكانا في جسدها. انفرد بها في المختبر قدّمها لمن يعرفهم بصفتها صديقته. انحنت على عدسة المجهر وراقبت ذبابة ذات شعر أصفر محمر. ورأت المياه والرطوبة يحاصران الكائن الخفي. بحر متلاطم لاقرار له. عالم آخر يثير دهشتها. ابتسامتها تتسع فتتألق وسط اجواء تحيطها روائح المطهرات. الذبابة وإن تبدو بصورة وحش ذي شعر محمر إلا أنها لا تكاد تخلو من مسحة من الجمال لكنها لا تصفعه، ولوكانت في مكان آخر لقبلته، أما النساء اللائي تهافت عليهن بعد أن رجع من أعوام البعثة فيظن أنهن لون آخر. لايبعثن القرف مثل سيدة البيكادلي. مرحلة جديدة فرضتها عليه حفنة دنانير ليست بذات قيمة تعبّيء الحكومة بها جيبه كلَّ شهر، وخضار ولحم ودجاج يستلمه من طلاب متملقين فيرسله إلى أخواته وإخوانه، .. كل شيء عزيزتي جوستينا تغير ولو عاد الزمن ثانية لابتعت من دجاج التجارب أكثر من قفص أرسلته إلى مستخدمي أنجم ولا غثيان يراودني.

لا قرف!

الآن المسألة لاتثير الاشمئزاز.

مادمتَ ترى رؤوسا تطير، وأشلاء لبني آدم تتبعثر، وتبصر من يكرع دما من صدر جريح ينزف .. فيمكنه بعد كل ذلك أن يترك بقاياه في أي مكان أما هنا فالحالة تبدو أفضل. شيء ما يصبح امتدادا له. وفي باله احتمال آخر، في الجامعة أخبروه أن هناك تجارب ممتازة لكنَّ المؤسسات الخاصة هي الأكثر خبرة، بعد ساعة كان يحتاز طريق داربي في مركز المدينة إلى مختبر الخصوبة، تجاوز المدخل إلى ممر على اليمين، أمور محظورة كثيرة وقوانين جديدة. فحوصات ولائحة شروط أخلاقية. أنت لايحق لك أن تسأل عن سيدة تحبل منك لكنك مادمت ذكرت صديقتك جوستينا .. نعم my girl friend حسنا القانون لا يمنعك تستطيع في أي وقت أن تطلب التفاصيل .. القانون، والأخلاق. مسألة تبدو سهلة وصعبة:خطان متوازيان يمكن أن يلتقيا في دائرة مجهولة. كان يحضر مرتين في الأسبوع. حسن جدا أنه انتبه إلى عامل الوقت، وكانت عنده بقايا نقود تكفي للمغامرة الجديدة. إن لم تنته الحرب سيكون هناك في الجبهة وهنا في بريطانيا.

بكتريا تنسخ نفسها.

ينشطر شطرين!

وربما أكثر. رتابة السكون من حوله تلاشت. في المرحلة الأولى بعد الفحوصات والتحاليل استلم أنبوبة، قيل له ستكون في الحمام ولو جئت متطوعا من غير قصد لدفعنا لك ثلاثين جنيها أجرة الحافلة! دخل من دون تردد، الممرضة الحسناء ذات اللكنة الإنكليزية البحتة قالت له ستسمع موسيقى، وتحيطك أضواء متباينة الألوان .. أنوار حساسة تساعدك على الخيال، فتخيل ماشئت، ولم يتخيل نفسه مع جوستينا قط، كاد يقرف إذ خطرت امرأة البيكادللي واللعاب يلمع على أطراف أصابعها، أما آجر الحمام اللماع المستطيل والأرضية المفروشة بغطاء مرمري وثمة الرف الذي أطلت منه أو عية العطور والصابون، فذلك ماطرد عنه القرف. في الخارج من يعرف أنه الىن يبدا لكن لايهم. خمس مرات بدأ الأولى مع دلال .. البانيو. نعم دلال ممتلئة الجسد عريضة الوجه ساقاها لامعتان فخذاها ملفوفتان جذبها إلى المختبر قبل أن يراها في مطار ما عجوزا مترهلة تسحب حقيبة السفر. بعض الطلاب أحبوا التقرب إليها. كانت مثل الفرس الصعبة انقادت له مختارة بجسدها الأبيض الممتلئ الريان، وطولها الفارع، في البانيو السحري لايخشاها ولا يخاف أن تنقلب عليه.

بدت أليفة مثل جوستينا التي انحنت على عدسة المجهر وهي تقول له بابتسامة واسعة:كم هي مقرفة هذه الذبابة وهي طليقة أما هنا فتكاد لا تخلو من جمال!

 .. اللعبة انكشفت،

تأوه وتأوهت .. أنتَ لستَ في ترعة انحسر عنها المدّ واقفٌ رجلاك في الرطوبة وخيالك يسرح، مع ارتفاع الموسيقى وآهات النغم انقلبت فوقه ثم انقلبت على يديها وركبتيها تأوه معها. مارس مختلف الأوضاع، وكانت الزجاجة بين يديه تمدّ عنقها وتفتح فمها المدوّر لسائله اللزج!

قارورة الحياة الجديدة ..

المرّة تلو المرّة يتخيل في البانيو الترعة الصغيرة فتاة لا يكررها .. يملأ جرتها، قضى وقتا ممتعا على وقع الموسيقى مع طالبة في الفيزياء يجهل اسمها تسبقه بعامين في قسم الرياضيات، هادئة ممتلئة .. لاتعجبه الفتيات النحيفات كلّهن شرقيات عذراوات .. أبصر دم البكارة على منديل أبيض وسمع صراخ اللذة يختلط بالألم وكاد يخصص الجلسة الأخيرة لجوستينا إلا أنه استثنى في آخر لحظة واختلطت بخياله أكثر من فتاة. ليربح امرأة يجهل جسدها. ثم وصل الى مرفأه الاخير عندئذٍ توقفت الموسيقى.

ران السكون على الحمام.

كان وحده مع الوعاء.

ابتسم للمرضة الشقراء التي استلمت وعاءه، وخطت برشاقة نحو الممر خارج الغرفة، ها هو يتخلص من حمل ثقيل. كان يشعر أنه انتشر في العالم، يكاد يطير من الفرح .. انشطر، وتناسخ. بعض البكتريا تنقسم. تعيش إلى الابد .. لا تموت .. لا تندحر قطّ كاللشمانيا. سيبقى أربع سنين أخرى، سوف يظل محبوسا في زجاجة تحت صقيع قاس عندئذٍ تكون حياته الجديدة بيد جوستينا أو امرأة أخرى لا يعرفها .. جوستينا التي يعرفها ويقرؤ خرائط جسدها يمكن أن يتتبع بذرته فيها أما التي لايعرفعها والتي سوف تسأل عن بعضه ولا تعرفه، فالقانون والأخلاق لا يسمحان له أن يعرفها، هناك أيد ستأتي لتخرجه من الوعاء الصغير من بينها يدا جوستينا.

مغامرة هنا وهو محبوس ومغامرة هناك وهو طليق!

شبه متفائل أو متأكد!

وخرج من مكمنه المؤقت عالم الموسيقى ليدفع إلى موظفة أخرى قائمة الحساب، ثم غادر مركز الفحولة يراوده زهو وبعض الإرهاق، بعض منه يظل محفورا في الزمن أربع سنوات مالم تأت إليه جوستينا لتنقذه. مارد محبوس في قارورة. ، قد تأتي أخريات ليطلقنه، شخص يحارب في جبهة ملتهبة وهو يكمن بمكان لا تحرره منه إلا النساء. وحين وصل السكن الجامعي وجد، عند واجهة المدخلِ، قصاصةَ ورق من عبد العال محشورةً في الصندوق الخاص به يحثه فيها أن يقدم إليه على عجل، فظنه يروم السفر معه إلى بغداد، فدخل غرفته يرتاح ساعة أو أقل ثم يغادر!

12

وهاهو هو يبدأ من جديد.

يقف متأملا ..

المطعم القديم اتسع وانفتح على محل آخر فاندمج الاثنان ليصبحا معرض مفروشات. أطل من الزجاج فوقع بصره وسط الداخل الشاحب على شراشف وأسرة ومقاعد، وخطر في ذهنه أن البيت الكبير تغيَّر. أكثر من ثلاثين عاما لكن العائد الى بريطانيا بعد سنين يجدها كما هي وإن تبدلت. واصل سيره في الطريق الضيق. واستغرقته الشوارع الفرعية ثم انحرف إلى اليسار. انحدر على الرصيف المثقل بأشجار الكستناء والزيزفزن. واجتاز بيوتا انمحت ملامحها من ذاكرته. هناك .. عند نهاية الطريق حيث الشارع العام .. وقف والدهشة تعقد لسانه.

البيت تغير تماما ..

الوحيد دون سائر البيوت اختفت حديقته الأمامية .. ترآى له أنه أشبه بعمارة صغيرة . بدا بواجهة أخرى، وعلى حافة الباب يقرؤ لافتة تشير إلى أن البناية مركز للصمّ. بسط بصره في الشارع من واجهة اليمين كأنه يلاحق بعينيه نهرا إلى منبعه. هل مايزال مرتعا للبغاء مثلما عرفه قبل أكثر من ثلاثين عاما؟إنه لم يأت ليطرق الباب فيأمل أن تطل عليه جوستينا. ذلك مالم يخطر على باله. وإن شطح به الخيال بعيدا فإنه يجد واحدة أخرى تخرج إليه تظنّه زبونا غريب الشكل يسألها إن كانت تعرف ساكنة قبلها بعمر أمها تحمل اسم جوستينا. فكرة سخيفة. غير أنه الفضول الذي يدفعه إلى أن يرى محلا قديما عمل فيه للمرة الأولى في حياته، وبيتا سكنته امرأة كانت هي الأولى التي شفته من حرمان طويل، أما اللائي جئن بعدها من زمن الحرب والحصار فتكاد أية منهن لا تبقى معه سوى بضعة أسابيع. كانت جوستينا هي الثابت الوحيد في حياته وسط عالم متغير مثل رمال متحركة دائمة الهيجان تبتلع كل من يدفعه حظه العاثر للوقوع فيها. ساعات الحرب تذكّرها، وكم حسد عبد العال على نعمة فراره، لو أدرك وهو في بريطانيا بشاعة الرؤيا لما عاد، ليبع والده البيت ويسدد ثمن كفالته، فلتبق عائلته من دون مأوى، ذلك أهون من مشهد موت يطبق مثل حبل على عنقه في أيّة لحظة، وهاهو يتذكر إلحاحها عليه أن لا يغادر. يقول مبتسما:

- سيظلّ بعض مني هنا معك!

- لا أفهم ماتعنيه.

يتأمل قليلا ويتريث في الجواب. أكثر من اربعمائة جنيه دفعها غير نادم. قيل له قبل أن يمارس الفحص سنمنحك مبلغا زهيدا مقابل حيامنك. اعتبره أجرة الحافلة. هذا لايتنافى مع القانون والأخلاق إما إذا رغبت في التجميد فلن تبقى الحيامن أكثر من أربع سنوات عندئذٍ عليك أن تدفع مائة وعشر جنيهات عن كلِّ سنة .. المهم ان يحقق نفسه، فقد يقتل في الحرب وهومطمئن إلى أنه مازال يعيش في مكانٍ آخر. ولا يظن أن له رغبة في الزواج إذا ما نجى:

- ألا تراودك رغبة في أن تصبحي أما؟

فمطت شفتيها اهتماما وقالت:

- بالتأكيد لكن ليس الآن.

فتنفس الصعداء بارتياح وقال:

- ستجدين بعضا مني مجمدا فقط احذري أن تتجاهلي لا يغلبنّك الوقت لديك أربع سنوات فقط!

منحها أربع سنوات لتعيده بصيغة أخرى إلى الحياة سواء كان حيا أم ميتا. إنه يغامر على الحياة والموت معا .. ويفاجؤها أنه دفع للعام الواحد مائة وعشرة جنيهات. كان يحلم أن يشتري أدوات لمختبر واسع، لقد تغيّر كلّ شيء . التفصيلات حذفتها أحداث جانبية أكبر من إرادته ولا خلاص لديه من قدر يلاحقه بقسوته:

- لا تشغل بالك مهما يكن سأقدم على الأمر !

احتضنته وقطعت عليه صمته:

أعدك بذلك لا لأنك حشرتني في زاوية ضيقة لكن لا أحب أن أراك محبوسا في علبة صغيره!

وحين غادرها صامتا من دون أن يخبرها بيوم الرحيل كان يعول على الكتابة إليها. جندي في الجبهة يزور أهله مرة كل شهرين وربما أطول. تلك الأيام جللتها صورة العنف وحدها. ثلاث سنوات عنف. لم تظهرفيها بعد صورة جريئة لطالبة تزوره في عشّ صغير هاديء .. لاسكر ولا شقة ولا عبث. العنف عجز عن يمحي صورتها من ذاكرته. جسدها عطرها. الخدر الذي يشعر به حين يتنفس وأنفه بين نهديها. عبق. نشوة. عطر لا حدودله:

- ماهذا؟

- كلامور!

- أي عطر تحب؟

جرب كل العطور ولم يرسخ في ذهنه إلا الموسى والتمساح فكانت تقدم له في اليوم السابع من أبريل قنينة لا كوستا وتغرد معه عيد ميلاد سعيد، ومن حسن حظه أنه ولد في اليوم السابع من هذا الشهر ولو حدثت ولادته في اليوم الأول لتحول إلى أكذوبة كبيرة تذيعها الصحف ووسائل الإعلام ويتندر بها الناس في الشوارع. كل عام وأنت بخير حبيبي. ولم يكن ليجرؤ أن يكتب لها كل شيء وفق هواه. الجندي العائد من الجبهة يظن أنه لن يضمن نفسه في الإجازة القادمة، مع اختلاف كبير فيما يراه:الحرب حين تلسع الوجوه والأجساد تشوهها لكنّ اللشمانيا تشوّه وجوها وتبدوجميلة مع أخرى. لا يكتب لها عن الأجنة والتجميد خشية من أن يؤّل كلامه باتجاه آخر. يتحدث عن عطر الكلامور وعيد ميلادها. فهل وصلت رسائله إليها. هل كتبت إليه؟سيعرف أمورا كثيرة في غد وقد ساوره شك ما في أنها نسيته. عدته لحظة عابرة مرت. مثل أي حدث صغير أوكبير. أن تصبح عبثا أفضل بكثير من أن تكون أكذوبة. جوستينا لم تكذب عليه.

غدا يدرك الأمور كلها. الحقائق تصبح ماثلة بين يديه. فلعلّ جوستينا أبقته في العلبة ولربما جاءت أخرى لا يحق له أن يسأل عنها أطلقته من القارورة !

لم يستقل الترام الذي يبعد بضعة أمتار عن البيت القديم . اقترب من محطة "المدرسة العالية" ، وتلفت. انتقل إلى الرصيف الآخر. "ساينس بري" سوبر ماركت جديد، الطريق صديقه. كان يفضل إن يعود ماشيا إلى البيت الجامعي، فيوفر بعض النقود. تتبعَ أثر الترام، ولاحقته السكة المغروزة كدبوس منتصف الدرب، وبين حين وآخر يطل عليه من خلفه أو أمامه شبح الترام كأنه يسخر منه. يعبره مقبلا أو عابرا مثل غراب يأتيك من خلف وأمام. كان يلهث لكنه أصر على المشي. وعندما وصل مركز المدينة ازداد لهاثه. وقف في مركز المدينة وجلس على الدكة أسفل أحد الأسدين أمام مبنى البلدية، وحين استعاد أنفاسه نهض ثانية، فاستقلّ الترام حيث هبط إلى القسم الجامعي .. فاستسلم لنوم عميق ..

وفي الصباح استقبل يومه على مضض بعمل روتيني زار المختبر الذي عرفه قبل عقود، واطلع من مستقبليه على أحدث ماتوصل إليه القسم، وشعر حين انتهت الساعات الأولى أنه نفض حملا ثقيلا عن صدره، فقد تشتت ذهنه ولا احتمال إلا أن يزور مركز الذكورة في وسط المدينة. استقبلته موظفة شابة بابتسامة واسعة وأبدت اهتماما لما يقوله. أنصتت باهتمام لحديث جرى قبل أكثر من ثلاثة عقود. كان يسألها عن رقم مازال يحتفظ به ويريها وصولات قديمة .. امرأة تدعى جوستينا .. هل قدمت إلى هنا تبحث عن بعضه؟ أشارت إليه بلطف أن يتبعها إلى غرفة أخرى حيث قابله مكتب وجهاز حاسوب .. بقي ينتظر دقائق حتى فتح الباب بهدوء . استقبلته خبيرة ترتدي الصدرية البيضاء وتتأبط ملفا ذا غلاف أخضر وخطوط سوداء:

- مرحبا سيد نادر أنا الدكتورة إيملي المسؤولة عن ملفك!

- أظن أنني جمدت حيامن عندكم وفق الوصولات والرقم المطلوب قبل أكثر من ثلاثين عاما.

- لحظة من فضلك.

دفعه الفضول ألا يتوقف:

- أعرف القانون جيدا فأنا لا أسال عن أية امرأة تبنت بعض حيامني لكن هناك سيدة تدعى جوستينا؟

تصفحت الملف، وانصرفت إلى الحاسوب، وقتها، تلك اللحظة الحاسمة تراقصت حساباته الكثيرة. جوستينا فعلتها أم لم تأت. هناك مجهولة أخرى جاءت كي تتلقح .. كل شيء ممكن وكل شيء محال. لن يخسر شيئا، لاشيء إن لم تفعلها جوستينا سوى الإحباط والشعور بالمرارة. لكنه يود لو أنها فعلتها. لا يعرف لم تراوده مثل تلك الرغبة. وقطعت عليه تأملاته الدكتورة إيملي وهي تقول:

- سيد نادر يوم السابع من شهر أبريل عام 1985تلقحت منك حسب تعهدك السيدة جوستينا .. .وقد تركت لنا معلومات عنها تسمح لك بمقابلتها واللقاء بالمولود!

تراقصت فراشات جميلة عبرات أمام عينيه حدائق تموج بالزهور، وقاطعها بشوق يشف عن رغبة قديمة:

- ماذا كان جنس الجنين؟

- بنت سمتها أمها نادية!

فازداد فضوله. وربما ناقض نفسه عن عمد كأن جوستينا فتحت شهيته على حمل ثان لسيدة أخرى. صورة جديدة له. انشطار آخر. كان يعرف الجواب الجواب سلفا رغم ذلك يجده يندفع لعله يحظى بكلمة ما:

- هل هناك سيدة أخرى جاءت تتلحقح مني "وأضاف" لا أسأل من هي لكن مجرد نعم أو لا؟

فطالعته بنظرات جادة ظنها تحذيرا :

- هذا موضوع آخر من المحال الحديث فيه!

إذن لم يمض عام حتى تلقحت جوستينا. كانت صادقة في مشاعرها معه ووعدها له، لا يهمّه بعد انشطاراته حتى لو انقسم إلى مئات أو ملايين، ولم يلبث إلا لحظات في غرفة يرين عليها الصمت والبياض ..

ثم ..

تأبط الملف ذي الورقات الأربع وهبط إلى الشارع كأنه يضمّتحت إبطه الدنيا كلها، فقد عثر على ذاته التي حبسها في قارورة ذات يوم.

13

نادية نادر سعيد

1986 نوتنغهام

تفصيل غير ذي أهمية:

مكان الولادة المشفى الملكي في نوتنغهام

الأب نادر سعيد

الأم جوستينا فريدريك

1956 ليستر

تفاصيل مهمة أخرى تعنيه:

السيدة جوستينا في الخامسة والعشرين صحيحة البدن. لا أمراض. الطول 170. فصيلة الدم .. الوظيفة طالبة في قسم علم النفس جامعة ترنت!

تفاصيل ثانوية:

رقم هاتف أرضي وآخر نقال ملحق ..

إذن تركت البغاء الذي تسميه عملا حرا أو تجارة، والتحقت بالجامعة بعد سنة. لابدّ أن تكون تخرجت ومارست التعليم. يظن أنها لما تزل حية، ونادية ماشكلها .. لونها. شعرها أسود أم ورثت شعر أمها .. أيهما أقرب إليها في الملامح. مفاجأة متوقعة تسره وتدفعه إلى القلق. يتذكر أنها قالت له ستشتري بيتا هل فعلتها في نوتنغهام أم مدينة أخرى. أمنيته وهو وحيد الآن يتخبط في بحر من الأسئلة والهواجس أن يجد عبد العال، نوتنغهام تعني جوستينا أولا ثم عبد العال، وحميدة بللوز، يا سيد عبد العال يا صديقي العزيز سأدعو جوستينا إلى الإسلام كما ترغب الست حميدة الحمد لله إنها امرأة نصرانية لا تخاف يوم الحساب مع ذلك أخشى أن أدعو أي رجل. في هذه الحالة سيفقد قضيبه حين يدخل دينناcircumcision ياسيدي أما إذا فكر أن يخرج فسيفقد رأسه. أنت تعرف جيدا لو لو تكن حميدة في المطبخ تحضر عصير الفرح لما تجرأ نادر على أن يطلق تلك النكتة السمجة. يقول لوكنت شجاعا قل ذلك أمامها. قل بصوت جهوري .. يتراجع مبتسما ويدعي أنه لا يريد أن يخرب بيت صديقه العزيز، وها هو يأمل أن يجد صديقه القديم كي يشعر بالراحة والأمان إن لم يكن رجع من دون رأس، فأين هي المصادفة التي تجعل اثنين يلتقيان بعد ركام من السنين؟. قد لا ينفعه عبد العال بشيء سوى أن يرى فيه سندا له وهو يبحث عن حقيقة أرادها ان تكون قبل أكثر من ثلاثة عقود. قد يعثر عليه أو لابدّ من أن يعثر. كانا في حركة متوازنة، إما أن تعيش الحرب ثم حين تنجو تغادرها فتجد أن لا شيء يستحق شيئا كما لو أن الفوضى أصل الأشياء، أو أن تعيش في الخارج ثم تعود مختارا إلى الحرب وتنجو فلا تغادر فتجد أيضا ألا شيء يستحق شيئا سوى الفوضى. لا بدّ أن يلتقيه، فلعله يستعين به. كانا في حركتين متناقضتين، ذهاب وإياب، لديه إحساس أن حميدة بللوز بعد أن لاح العنف في الجزائر وظهرت حالات قطع الرؤوس والانتقام وغطى الدم الغابات والحقول وضعت يدها بيده وهربا إلى الخارج. عادا إلى نوتنغهام، أو قد تكون هي نفسها تطرفت وحملت فأسا فعاد زوجها وحده.

كل شيء محتمل!

مثلما كان محبوسا في نوتنغهام طليقا في مكان آخر ربما يعيش عبد العال في الجزائر من دون رأس فيجده في الوقت نفسه براس في نوتنغهام!لكنه بحاجة إليه حتى لو لم يفضِ بأدقّ التفاصيل .. لم يخطر في باله وقتها سوى أن يسافر ا معا، وعندما وصل وجد كل شيء يكاد يكون على غير ما توقع. حميدة بللوز عنده بشكل آخر. ارتدت فستانا يغطي ساقيها. شعر رأسها الكثيف اختفى تحت حجاب يصل أعلى حبينها وينزل أسفل حنكها. مشهد جديد على نادر تماما، ولربما تباهى عبد العال في بعض الأحيان أنّ لديه الحرية المطلقة على جسدها ويستثني العذرية. قطع عليه ذهوله رفيقه مداعبا:

- مالك صعقت كلّ مافي الأمر أن حميدة تحجبت!

- مبارك لك !

والتفت إلى رفيقه ممازحا:

- إلهذا دعوتني على عجل!

- إسمع أمس ذهبنا أنا وحميده إلى الركز الإسلامي حيث تزوجنا!

- مبارك مبارك!

وردت حميده مزهوة:

- الله يبارك فيك ياخوي إن شاء الله يوم نراك عريسا هل تعرف يا نادر لك أجر عند الله إذا تزوجت تلك الإنكليزية وجعلتها تتحجب يكفي الإنسان حياة الحرام وليس هناك أحسن من الحلال!

- كل شيء ياست بأوانه والله ظننت أنك دعوتني لتتحدث معي بشأن موعد السفر!

- بالمناسبة لا تعدّه تطفلا هل صديقتك طالبة؟

- أنهت الثانوية قبل سنتين وفي نيتها أن تسجل في الجامعة أما الرياضيات أو علم النفس لا أدري!

- أنا سأسافر غدا إلى الجزائر وستبقى حميدة هذا العام حتى تكمل دراستها!

- يعني لن تسافري هذه العطلة!

قالت ممازحة: سأبعثه بالبريد قبلي!وأردفت" الدراسة صعبة وأحتاج أن أبذل جهدا هذا العام!

- هل فكرت جيدا بما سيحدث لأهلك!

- الكفالة أجلك الله هي وحذائي ولن يقولوا هرب ثلاث عطل تطوعت فيها. عشت الحرب ورأيت الموت، أثبت أني لست جبانا لكني غير مقتنع !

فبدت حميدة كأنها تلوم:

- قبل أول رحلة قلت لك هذا غلط لا تذهب ثم أخيرا اكتشفت أني على حق!

- طيب قد كان الذي كان لنترك الماضي!

- وأيش يا خوي كان الذي كان واحد يلقي نفسه في النار عمدا

- طيب ماذا عن العمل وقد أصبحت الان لست وحدك وقد تصبح أبا؟

- والدي سفير وعضو في جبهة التحرير وخالي مدير شركة الغاز غير أعمامي وأقاربي الذين يحتلون مراكز مهمة أترى يعجزون عن أن يجدوا شغلا لزوجي وسيبقى في بيتنا حتى لو وجد عملا إلى أن أكمل وألتحق به ؟

مهما يكن فقد قرأ براءتها في اللقاء الأخير معهما، فلا يظنها بعدُ قطعت رأس عبد العال ولا يتصور أنهما بقيا في الجزائر ، من سوء حظه أنّ الموت انتشر هناك فدفعه إلى الهجرة.

وحده أو معها لافرق!

إحساس يدله على أنه يلتقيه كأنه جاء، وفق ترتيب ما يبحث عن اثنين، صديقه القديم ونطفة منه كبرت وأصبحت تتكلم تحس تنطق . كائن حي ذو إحساس، امتداد له ظنه يكون فكان، أو ظنه لا يكون فكان، في حين لا تهمه قط نطفه الأخرى. الملايين التي ذهبت هدرا أو تلقحت ببعضها أخريات.

قليل من اليأس وبعض من الأمل.

مبكرا نهض في اليوم التالي . أعرض عن زيارة المختبر، وفكر بالقطار. الطريق إلى ليستر يمنحه بعض الراحة .. مجاولة .. تخفق أو أو تنجح .. المكان ذاته لم يتغير .. وقفز في ذهنه خلال الهواجس المتضاربة خاطر سريع، هبط إلى مركز المدينة، تناول فطوره في كافتريا .. ثمّ غادر يحث خطاه إلى مكاتب جامعة ترنت، تحدث مع موظفة تعنى بشون التسجيل أحالته إلى موظف رحب به، ونصحه أن يقصد شؤون المتخرجين حيث التقى موظفة بارعة الطول ضخمة تبدو قاسية الملامح لا تغطي ابتسامتها المفتعلة قسوتها:

- لِمَ جئت تسأل الآن؟

- ياسيدتي أعرف أن من حقك أن تشكي لاسيما أني قادم من مكان يعج بالقتل وقطع الرؤوس هذه الفتاة جوستينا ولدي صورة بطاقتها كما ترين كانت صديقتي حينما كنت أحضر الدكتوراه قبل أكثر من ثلاثين عاما في جامعة نوتنغهام وقد علمت فيما بعد أنها حامل مني ورزقت ببنت.

فقطبت حاجبيها ورفعت النظارة عن عينيها كأنها تتمعن فيه:

- ألم تتصل بها طوال هذه العقود.

فهز رأسه متواضعا لبديهيتها:

- سيدتي رجعت والبلد في حرب الخليج الأولى كتبت لها عدة رسائل خلال إجازاتي متأكد أنها أجابت لكن في مثل هذه الظروف يضيع كل شيء "استلّ يده من جيبه"وأردف هذا هو جواز سفري جئت زائرا للقسم الذي تخرجت فيه بتكليف من قسم البيولوجي وهذا هو رقم هويتها جوستينا مكنز فريدريك لدي شهر واحد لو ..

توقف عن الكلام، فتمعنت فيه بصمت ثم نهضت:

- انتظرني لحظة.

غادرت المكتب فبقيت عيناه تحلقان في لاشيء غابت عنهما صورة تشكيل ضوئي ارتسمت على الحائط وأنبوب الماء الذي هبط من الزاوية عند السقف، والشباك ذو القضبان المعدنيةواستفاق أخيرا على وقع خطواتها وهي تداريه بابتسامة وتقول:

 السيدة جوستينا مكنز فريدريك أنهت دراستها في علم عام 1989هذا كل ما لدى الجامعة!

فراوده أمل آخر :

- أتظنينن أنها عملت في التدريس؟

I dont know

وحين لمس منها تجاوبا:؟

- أتظنين أن البوليس ينفعني؟

maybe

كلّ شيء يبشر بخير، هناك أمل، فهل حدثت جوستينا ابنتهما نادية عن شارع ويلفرد، والبيتزا. أبوك كان يوصل البيتزا إلى البيوت. الإنكليز صرحاء. لم يكن يهمها إلف أخوها. العائلة كلها تعرف ممارستها البغاء، لم تنثني أن تقول إنه صديقها .. boy friend .. كلّ شيء يبعث على التفاؤل وإن بدا يخفي ملامح غامضة تستعصي على الحلّ، وفي نهاية نهار بين البحث والسؤال يأوي إلى غرفته في السكن الجامعي. يومان مرا، ولم يزر ليستر بل ألغى الفكرة تماما، لايشك أن السيدة تيري توفيت، قد يظل يضغط على زر الجرس ولا يخرج إليه أحد وفي أحسن الحالات يقابله شاب .. عجوز يصغي إليه والشك يلوح على ملامحه. تضيع جهوده سدى. ثمانية وعشرون يوما مازالت في جعبته لعلها تجمعه بابنته وصديقته القديمة ثم بعبد العال أو قد يلتقيه قبلهما!استرخى على سريره ، وأغمض عينيه، ابتسم في سره ابتسامة المنتصر، قبل عقود حاصر اللشمانيا في علبة ولم يطلقها وكمن يسير نحو المجهول حشر بعضا منه في علبة، بعدها انشطر وراح يبحث عن نفسه التي شطرها نصفين:واحد معه والآخر يقبع في قارورة صغيرة فكان من الممكن جدا أن يموت وينتهي إن لم تخرجه جوستينا أو أية امرأة مجهولة غيرها.

فجأة ..

انقلبت ابتسامته إلى ضحكة قوية حادة ارتجت لها الجدران، وراح يتابع الأيام الباقية له وهو يضحك ضحكة المنتصر الذي يدرك من دون شكّ أنه سيعثر على كل شيء فقده ثم تذكر شيئا كاد ينساه:يوم حاصر اللشمانيا كان الوقت معه وفي متناول يده، ثلاث سنوات وهويطالع كل يوم كائنا مخفيا لايراه أحدغيره، يتأمله، يراقبه بحذر، يخطو لقتله، أما الآن فتقابله- إذ حررته جوستينا دون أن يدري - أيام معدودة، فهل يغامر من جديد ليعثر على كل شيء أم لن يجد صورته الأخرى قط؟

نوتنغهام

انتهيت من كتابة هذه الرواية في يوم:

الثلاثاء 27 / 11 / 2018

 

ملاحظات مهمة

قبل ثلاث سنوات خلال إحدى المكالمات الهاتفية جاء اقتراح من الناقد الكبير د صالح الرزوق بالشكل التالي:لماذا لا تكتب رواية عن نوتنغهام او رواية تجري أحداثها في نوتغهام. طبعا هذا تحفيز لذاكرتي.

حوالي 12 سنة مرت زارت دكتورة في البايولوجي جامعة نوتنغهام باتفاق مع جامعة البصرة واستضافتها عائلتي في منزلنا حدثتنا عن قضية يوم كانت طالبة وهي أن هناك أستاذ مغرور صعب في العلامات صعب أقسمت أحدى الطالبات أن تلقنه درسا ستدعي انها لم تفهم التجربة وسيأتي معها في المختبر وطلبت أن لا يأتي احد من الطلاب معهما وفي المختبر صفعته وصرخت أنه حاول التحرش بها فانكسرت شخصيته ي الجامعة. كتبت الواقعة في دفتر الملاحظات، تخيلت وقتها أن الطابة بعد سنوات طويلة ستقابل الدكتور الضحية في المطار وقد تغير شكلها وشكله!

هناك في بريطانيا يحق للشخص أن يؤجر بمبلغ رمزي مزرعة صغيرة أو حديقة تسمى بالدنماركية plot وبالإنكليزية allotment قلت لصديقي العزيز د صالح رزوق إني سأشتري دجاجا أربيه في المزرعة فأنا من قرية نهر جاسم الزراعية ذات النخيل وأحن إلى الفلاحة، فأخبرني أن هناك حيوانات تجارب وطيورا ودجاجا يباع حيا في campus جامعة نوتنغهام يبيعونها حية بعد الانتهاء منها بسعر زهيد ودائما يشتريها الطلاب العرب ليذبحوها شرعا ركبت الحافلة وزرت المكان رأيت الطيور والأرانب والدجاج والخرفان فقرفت نفسي وتخيلت المواد الكيماوية التي تتحملها أجساد تلك الحيوانات"طبعا لم يكن الوقت وقت بيع لكن نفسي قرفت من مشهد تخيل التجارب على تلك الكائنات"

أخبرني صديقي رئيس قسم البايولوجي في جامعة ترنت بنوتنغهام والذي كانطالب دكتوراه خلال حرب العرلق وإيران أن في كل جامعة فيها عراقيون هناك طالب مسؤول حزبي يجتمع بهم كل أسبوع أو أسبوعين الاجتماع الحزبي ويبلغهم عن تجمع في لندن بعض الاحيان يكون شهريا تنقل الطلاب حافلات على نفقة السفارة يطالبون بوقف الحرب في كل مقاطعة هناك حافلة باص وكنت أظن أن التجمع يكون أمام السفارة الإيرانية لكن الطلاب الدكاترة الآن أخبروني أن السلطات البريطانية منعتهم من التجمع عند السفارة الإيرانية فاختاروا اللقاء في الهايد بارك ثم ينطلقون في شوارع لندن.

حدثني صديق لي طبيب مدير مشفى وأخصائي عيون خلال الاجتماعات كان المسؤولون الحزبيون يسألون إذا كان بإمكان الطالب الذي يسافر إلى أهله في العطل لأن يتظوع في الجبهة لكن يبدو أنهم لم يجبروا أحدا على ذلك. وأكد لي الخبر أكثر من صديق.

زودني الدكتور صالحالرزوق بمعلومات عن تخزين الأجنة وقمت أيضا بزيارة أحد المراكز فعرفت أن المتطوع إذا كان يرغب في تجميد أجنته فيعظنه مبلغ النقل يمكن ثلاثين باوند ولا يحق لهمطلقا وفق القانون والأخلاق أن يسال عمن أخذت أجنته لكن في حال أن يوصي لامرأة ما فيتحمل دفع 120 باوند عن كل سنة والإجالي 280 أو أقل بقليل لأن الأجنة لا تتحمّل تجميدا أكثر من أربع سنوات.

كان في بريطانيا نوعان من الطلبة الطلبة المتفوقون وهؤلء يُبتعثون على نفقة وزارة التعليم العالي والطلبة الذين يبعثهم الحزب بغض النظر عن مستواهم لكن طلبة بعثات وزارة التعليم العالي يضطرون للانضمام إلى الحزب سواء في العراق قبل ترتيب البعثة أو في بريطانيا تفاديا لمواجهات غير محمودة من قبل السفارة.

أخبرني الدكتور صالح عن المبلغ الذي يستلمه الطالب السوري وسالت الأكاديميين العراقيين فأخبروني أن الراتب كان يأتيهم من السفارة بحوالة أو صك بالبريد للمتزوج 450 باوند وللأعزب نصف المبلغ.

قمت بزيارة إلى شارع البغاء في نوتنغهام واستطلعت المكان جيدا لكني لم أحاول أن أتوغل في المكان أكثر وقد عدت ماشيا أتتبع طريق الترام لأن الشارع إلى مركز المدينه كانت تعبره السيارات في ثمانينيات القرن الماضي حيث بني خط الترام قبل خمس سنوات.

هناك مكان زاره الدكتور صالح رزوق عندما كان طالبا في ثمانينيات القرن الماضي برفقة أستاذه وهو منزل سيدة في القرن السابع عشر. السيدة تزوجتأربع مرات في المرة الرابعة من ثري ورثته بعد موته فاصبحت في عصرها تحتل المركز الثاني أو الثالث في قائمة أثرياء بريطانيا في ذلك العصر وقد جعلتها المثل الأعلى للبطلة جوستينا. لقد ذهبت إلى مركز الاستعلامات وأخبروني عن حافلة تقلني إلى مدينة صغيرة معينة بين لستر ونوتنغهام ثم أستقل حافة أخرى بعد ذلك أمشي ميلين لأصل إلى القصر. لقد كانت الرحلة منعبة للكنها لذيذة.

زرت المختبر بفضل صديقي رئيس قسم البايولوجي وعلمت أن الأجهزة الحالية متطورة عما كانت عليهي عام 1982

لكنها قريبة الشبه بها.

قابلت بعض الزائرين القادمين من جامعة البصرة وحكى لي بعضهم عن أيام الحصار وقد أخبرني من قبل أستاذي الدكتور ( .. ) أطال الله في عمره أنه عمل سائق أجرة بعد الدوام.

وفق المعلومات أعلاه جعلت البطلة بغيا والطالب الذي كان يتطوع في الحرب يتخرج ولا يرجع للعراق في حين لم يذهب البطل الذي شغل باللشمانيا في أية عطلة لكنه اختار الذهاب مع أنه كان يعرف مصيره.

نسختتعليقات السادة الأدباء والنقاد السابقة لكي أطبعها مع الرواية إن كان أي منهم يرغب في نشر تعليقه وسأطبع مع الرواية أيضا ما أجد من تعليق معن هذه الحلقة من باب الاعتزاز.

في المخطط الأول تراءت لي نهايتان:الأولى التي يجدها القاريء والثانية أن البطل يعثر على البطلة يقابلها بعد تلك السنين ثم يقابل ابنته النهايتان كلتاهما ناجحة لكنني فضلت النهاية التي بين يدي القاريء الكريم وقد أشار د الرزوق أن لا مانع أن أجعل للرواية نهايتين ثم بعد نقاش أخبرني أن النهاية هذه هي الأرقى.

 

قصي عسكر

..........................

في الختام أشكر كل من زودني بمعلومات دونتها ثم صغت منها هذه الرواية يأتي في المقدمة د الرزوق وأشكر أيضا صحيفة المثقف والاستاذ ماجد الغرباوي على اهتمامه بنشرها في حلقات. 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم