صحيفة المثقف

سياسي موافق أم سياسي منافق

صادق الصافييقول الدكتور علي الوردي في كتابه، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج6، ص29، ما ملخصه:

اِنه بداية عام 1921 وقع الاختيار على القشلة ببغداد، لتكون مقراً للوزارات في عهد الانتداب البريطاني، واستحوذ السيد طالب النقيب رئيس الوزراء المدعوم من، السير برسي كوكس، على افضل الاجنحة فيها كمقر لوزارته، لكنه اعترض على التخصيصات المالية لراتبه والتي حددت ب7سبعة الاف روبيه، حيث انه رفض ان يكون راتبه قريبا من راتب وزير الماليه، فاجتمع مجلس الوزراء بناءاً على اقتراح من المندوب السامي في العراق للنظر في الاقتراح وكان للسيد طالب النقيب خصوم معارضين.

ويروى في هذا الصدد نقلاً عن كتاب، حكايات سياسية، ص45، للأديب خيري العمري،

قصة طريفة جداً، أن الوزراء كانوا قد اتفقوا فيما بينهم قبل انعقاد المجلس على معارضة الاقتراح عند تقديمه اليهم، وأخذ يشجع بعضهم بعضاً على الصمود ضد السيد طالب النقيب، ولكنهم عندما انعقد المجلس تخاذلوا تجاه نظرات السيد طالب المرعبه.؟ وكان أول المتخاذلين، الوزير ساسون حسقيل، حيث سارع الى القول، (موافق)، ثم أخذ الوزراء يقتدون به واحداً بعد الاخر، حتى وصل الدور الى، الوزير عبدالمجيد الشاوي، وكان معروفاً بحسن النكته فهو بدلاً من ان يقول، (موافق)، قال، (منافق)، وكان في ذلك أصدقهم جميعاً

النفاق لايمس قلوب النبلاء، فالانسان النبيل المؤمن هو أفضل عطاء للأمة وأجمل كيان كأنسانن كما قال الشاعر، جرير،

نحنُ أجتبينا حياض المجد مترعةً، من حومةٍ لمْ يخالط صفوها كدرُ

عندما تكون الأمة مزدهرة منتصرة تُفتح أمامها نوافذ الخير والصلاح والثقة والتعاون والمحبة والابداع والحريات والحقوق الانسانية كافة، وكذا تغمرها قيم الاخلاق والمجد والايمان والاحساس بالجمال، حتى عبر عنها الشعراء بأروع التعابير. قال الشاعر جهاد جحا

ووجدت اصحابي ككنز دائم، القاه عند تقلب الأزمان

لكن الأمة عندما تكون منهزمة محاطة بالأزمات والعنف والقسوة والدكتاتورية، نراها تتراجع في كل القيم وتنتكس العلوم والآداب والفنون، ومعها تختفي الاشياء الجميله في المجتمع، منها اختفاء العاطفة والمحبة وبروز الشر وظواهر التدني والتلون والنفاق، وهو اظهار عكس حقيقة الاشياء، انه يمثل السقوط والانحدار في عالم بلا اخلاق.؟

واعلم بأن الناس شبه معادن، فاحذر تُغَر بشدة اللمعانِن فالنفاق الاجتماعي هو التلون في العلاقات وعدم الوضوح في المبادئ والمواقف والاحاديث لغرض الافساد والانتفاع الشخصي.

اِنا نعاني من أمور جلها، من سوء أخاق الكثير من البشر، فالنفاق يبدأ بذرة صغيرة، ثم يتحول تدريجياً الى ظاهرة بارزة في سلوك الشخص، وتكون في مرحلة أخطر عندما تتحول الى طبقة اجتماعية لها سماته وثقلها داخل المجتمع.

انه مرض اجتماعي خطير واكثرها ضرراً في هدم بنى الامة والمجتمع باختلاف الاقوال والافعال، و في السياسة عبر عنه الأديب عباس العقاد، (النفاق السياسي هنا كالأخلاق، الأعمال بالنيات) فالشعب الذكي يميل الى عزل، النفاق، في استخدام السياسة الخارجية عن السياسة الداخلية، ويسمحون بمقياس الخدعة في السياسة والحرب، فلا عيب من استخدام النفاق كشأن سياسي أيجابي يحسب له المنفعة لشعبه، ويقع السياسيون في النفاق السلبي الخطأ عندما يسعون للمنفعة الشخصية للأضرار بالامة والمجتمع.

وفي أختصار وصف المنافقين، قال الرسول الاعظم محمد، ص، في ذم أساليبهم وأهدافهم المرضية: (علامة المنافق ثلاث، أذا حَدَثَ كذبْ، وأذا وعدَ أخلفْ، وأذا أؤتمن خان)

الحقيقة المرة أنهم يتخفون بيننا، يحملون سوء النوايا وأخفاء الحقائق، الكيد، الخداع، الكذب، التظاهر بالأيمان، الخوف والقلق الدائم من الفضيحة، عدم الاستقرار والتردد، قسوة القلب، الاستكبار و الامر بالمنكر والقسم بالله كذباً و زوراً، صياغة الاعذار والمبررات، الأصرار على الخطأ، والسعي المحموم للكسب الحرام باساليب جبانه، والثرثرة والتملق.؟

النفاق مذموم في كل حالاته، والمنافقين هم الذين أبغضهم الله وسخط عليهم، وينطبق عليهم قول الشاعر الفرزدق عندما هجى خصومه

يُهدي الوعيد ولا يحوط حريمهُ، كالكلب ينبحُ من وراء الدارِ.؟

أو كما قال الشاعر جرير

يستيقظون الى نهاق حمارهم، و تنام أعينهم عن الأوتارِ.؟

 

صادق الصافي

كاتب عراقي مقيم في مملكة النرويج

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم