صحيفة المثقف

دائرة (المشتبه) وبحرها (السّريع)

كريم مرزة الاسديبحور الشعر صافية ومركبة، تكلّمنا عن الصافية، أمّا البحور المركبة المستعملة فتسعة، ثلاثة ضمتها (دائرة المختلف)، وبقت لدينا ستة تحتويها (دائرة المشتبه)، والتي تحتوي أيضاً ثلاثة بحور مهملة، إذ يتشكل كلّ بحر من دائرة المشتبه من تفعيلتين مختلفتين، إحداهما ضعف الأخرى،مرتبتين بتنسيق معين في صدر البيت، وتتكرر التشكيلة نفسها في العجز، ولا تأتي بعض البحور منها إلا مجزوءة، قبل الدخول في عمق الموضوع،لنذكر شيئا عن الدائرة المدورة.

الدائرة الخامسة - المشتبه: لماذا سُميت بالمشتبه ؟ الجواب: لاشتباه أجزائها، أما أين يقع الاشتباه ؟ فهذا من حقـّك أن تـسأل عنه، إذا لم تكن داراسا ً لها، أو باحثاً فيها، الاشتباه يقع بين:

(مسْتفـْعَلن) مجموعة الوتد، أي فيها وتد مجموع، وسببان خفيفان (مسْ تفْ علنْ /ه /ه //ه) - (علن //ه) وتد مجموع، و(مسْ /ه) و(تفْ /ه) سببان خفيفان -

وبين (مسْتفـْعَ لنْ) مفروقة الوتد، أي فيها سببان خفيفان ووتد مفروق (مسْ تفـْعَ لنْ /ه /ه/ /ه) - (تفـْعَ /ه/) وتد مفروق، و(مسْ/ه) و(لنْ /ه) سببان خفيفان.

والاشتباه يقع أيضا:

بين (فاعلاتن) مجموعة الوتد.

وبين (فاعَ لاتن) مفروقة الوتد.

كيف ؟!

(فاعلاتن) الاولى، تتشكل من (فا /ه) و(تنْ /ه)، وهما سببان خفيفان، و(علا //ه) وهو وتد مجموع.

وبين (فاعَ لاتن) الثانية، التي تتشكل من (لا /ه) و(تن /ه)، وهما سببان خفيفان، و(فاعَ /ه/)، وهو وتد مفروق.

تتشابه البحور التي يضمّها محيط هذه الدائرة في وحدة إيقاعاتها، لأنها تعتمد على نسق إيقاعي دائري واحد للحركات والسكنات، بل تتشابه أوتاد وأسباب أجزائها (تفعيلاتها)، كما هو الحال في (مسْتفْعلنْ) و(مسْتفْعَ لنْ)، وكذلك بين (فاعلاتنْ) و(فاعَ لاتن).

ولعلمك عزيزي، إذا نقلنا الوتد المجموع (علن) من آخر تفعيلة (مستفعلن /ه /ه //ه) إلى بدايتها تصبح (مفاعيلن //ه /ه /ه)، وإذا نقلنا السبب الخفيف (لن) من آخر تفعيلة (مستفع لن /ه /ه/ /ه) إلى بداياتها تصبح (مفعولاتُ/ه /ه /ه/) (1) .

إذاً التفعيلات المشكلة لهذه الدائرة هي: مسْتفْعلنْ - مسْتفْعَ لنْ - مفاعيْلنْ - مفـْعولاتُ - فاعلاتنْ - فاعَ لاتن.

وأساس تكوين الدائرة سببان خفيفان فوتد مجموع، فمثلها مرة ثانية، فسببان خفيفان فوتد مفروق .(2)

تفعيلات كل من:

1 - السريع والمنسرح والمقتضب واحدة (مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ)، وينحصر الخلاف في ترتيب هذه التفعيلات .

أ - السريع: وزن البحر السريع بحسب الدائرة العروضية:

مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ***مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ

بيت السريع التام في الدائرة مثل:

يُوزِعْنَ فِي حَافَاتِهِ بِالأَبْوَالِ***فِي مَنْزِلٍ مُسْتَوْحَشٍ رَثِّ الحَالِ

وهذا البيت شاذ؛ لأن العرب لم تستعمله تاما صحيحا، بل استعملته مكشوف أو مكسوف العروض مطويها، وموقوف الضرب مطويه (مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُلا).

ب - المنسرح: وزن البحر المنسرح بحسب الدائرة العروضية:

مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ*** مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ

ج - المقتضب: وزن البحر المقتضب بحسب الدائرة العروضية

مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ***مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ

بيت المقتضب التام:

يَا مَنْ حَالَ عَنْ عَهْدِنَا بَعْدَ الْوَفَا***كَمْ لاقَيْتَ لَوْ يُنْصِفُونَا فِي الهَوَى

استعملته العرب مجزوءا، مطوي العروض والضرب.

2 - الخفيف والمجتث والمتئد تفعيلاتها الخاصة (مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ) .

أ - الخفيف: وزن البحر الخفيف بحسب الدائرة العروضية:

فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ***فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ

بيت الخفيف التام:

حَلَّ أَهْلِي مَا بَيْنَ دُرْنَا فَبَادُوا*** لِي وَحَلَّتْ عُلْوِيَّةٌ بِالسِّخَالِ

ب - المجتث: وزن البحر المجتث بحسب الدائرة العروضية:

مُسْتَفْعِ لُنْ فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ***مُسْتَفْعِ لُنْ فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ

بيت المجتث التام:

صَدَّتْ وَحَالَتْ سُلَيْمَى يَا خَلِيلِي*** عَنْ عَهْدِنَا لَيْتَ شِعْرِي مَا دَهَاهَا

استعملته العرب مجزوءا.

ج - المتئد ويسمى أيضاً بالغريب، وهو مهمل، وحسب دائرته العروضية:

فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِ لُنْ ****فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِ لُنْ

كقول بعض المولدين:

مَا لِسَلْمَى فِي الْبَرَايَا مِنْ مُشْبِهٍ*** لا ولا الْبَدْرُ المُنِيرُ المُسْتَكْمَلُ

3 - المضارع والمنسرد والمطرد أجزاؤها المختصة بها (مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ) .

أ - المضارع: وزن البحر المضارع بحسب الدائرة العروضية:

مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ مَفَاعِيْلُنْ***مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ مَفَاعِيْلُنْ

بيت المضارع التام:

أَرَى لَيْلَى يَا خَلِيلِي قَلَتْ وَصْلِي *** وَصَدَّتْ مِنْ بَعْدِمَا قَدْ سَبَتْ عَقْلِي

استعملته العرب مجزوءا، وهو بحر نادر، أورد شاهده الخليل.

ب - المنسرد ويسمى بالقريب، وزن بحره كما جاء في دائرة المشتبه:

مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ فَاعِ لاتُنْ ****مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ فَاعِ لاتُنْ

و شاهد المنسرد، كقول بعض المولدين:

لَقَدْ نَادَيْتُ أَقْوَامًا حِينَ جَابُوا***وَمَا بِالسَّمْعِ مِنْ وَقْرٍ لَوْ أَجَابُوا

ج - المطرد أوالمشاكل، وزنه كما جاء في دائرة المشتبه:

فَاعِ لاتُنْ مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ **** فَاعِ لاتُنْ مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ

كقول بعض المولدين:

كُنْ مُجِيرِي مِنَ الأَشْجَانِ والكَرْبِ***مَنْ مُزيلِي مِنَ الإِبْعَادِ بالقُرْبِ

فذلكة الأقوال: مجموع البحور في دائرة المشتبه تسعة، ستة منها مستعملة، وثلاثة مهملة، والمهملة هي المتئد ووالمنسرد والمطرد .

وسبب التسمية: وسُمِّيَت هذه الدائرة بهذا الاسم لاشتباه تفاعيلها؛ إذ تشتبه - كما أسلفنا - تفعيلة: (مُسْتَفْعِلُنْ) بـ (مُسْتَفْعِ لُنْ)، و(فَاْعِلاتُنْ) بـ (فَاْعِ لاتُنْ)، على الرغم من اختلاف عدد الأسباب والأوتاد فيها، وتفاعيلها سباعية هي:

مُسْتَفْعِلُنْ، مُسْتَفْعِ لُنْ، فَاعِلاتُنْ، فَاعِ لاتُنْ، مَفَاعِيْلُنْ، مَفْعُولاتُ.

وإليكم الآن البحر الحادي عشر - السريع .

.........................

البحر الحادي عشر - السريع:

تفعيلاته: مستفعلن مفعولاتُ

أجزاؤه: مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ ***مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ

الضابط الإيقاعي: بحر سريع ما له ساحلُ *** مستفعلن مستفعلن فاعلن

سمّاه خليلنا بالسريع، لسرعته في النطق، أو لأنه أسرع إلى الذوق والتقطيع، وتقطيعه سريع، لأن في ثلاثة أجزاء منه، توجد سبعة أسباب، فالحرفان الأولان من الوتد المفروق سبب، والسبب أسرع في التقطيع من الوتد (3)، أصل تفعيلاته (مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ)، مكررة مرتين، أي بيته ستة أجزاء، ولكن تفعيلة (مفعولاتُ) لا تأتي بهذه الصيغة مطلقاً،لا في عروضه، ولا ضربه، لانتهاء هذه التفعيلة بوتد مفروق منتهيا بمتحرك (لاتُ)، وسندها ضعيف، ولا يستعمل هذا البحر مجزوءا، ولامنهوكا لماذا؟! لأن في هذه الحالة تأتي (مستفعلن) أربع مرات، أو مرتين على التوالي بدون أي (مفعولاتُ)، فيلتبس الأمر مع مجزوء الرجز أو منهوكه، فيحسبان على الرجز، فينحصر نظم السريع على التام منه والمشطور فقط، وله أربع أعاريض، وسبعة أضرب .

1 - العروضة الأولى مطوية مكشوفة (فاعلن)(4):

ذكرنا سابقا، ن أنّك سوف لن تجد (مفعولات ُ)، لا في أعاريض ولا في أضرب السريع، فمن أين جاءت (فاعلن) ؟ الأمر بسيط، طي (مفعولاتُ) بحذف رابعها الساكن (الواو)، فاصبحت (مفعلاتُ)، ثم كشفت (مفعلاتُ) بحذف متحرك وتدها المفروق (تُ) (5)، فتصير (مفعلا)، ولغرض عروضي بحت تتحول إلى (فاعلن)، ولا فرق وزني مطلقا بين (مفـْعلا) و(فاعلن)، ولهذه العروضة (فاعلن) ثلاثة أضرب .

الضرب الأول مطوي موقوف (فاعلان):

الطي عرفته، حذف الواو من (مفعولاتُ)، والوقف تسكين المتحرك من الوتد المفروق، ونعني التاء فتصبح التفعيلة (مفعلات ْ)، فتتحول الأخيرة عروضيا إلى (فاعلان)، وفي هذه الحالة يلزمه الردف (6)، ومثاله:

أزمانَ سلمى لا يرى مثلها الـرْ *** رَاؤون في شام ٍ ولا في عراقْ

أزْما نسلْ مى لا يرى مثْ لهر ** راؤونفي شامن ولا في عراق

مستفعلن مستفعلن فاعلن *** مستفعلن مستفعلن فاعلان

/ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه *** /ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه ه

نظام (- - ب -)(- - ب -)(- ب -)*** (- - ب -)(- - ب -)(- ب ^) المقاطع .

العروض 322 322 32 *** 322 322 32ه الرقمي

الضرب الثاني كعروضته (فاعلن): ومثاله الأمثل:

هاجّ الهوى رسمٌ بذات الغضا *** مخلولقٌ مستعجمٌ مُحْوِلُ

هاجل هوى رسمن بذا تلْ غضا *** مخلولقن مستعجمن محولو

مستفعلن مستفعلن فاعلن*** مستفعلن مستفعلن فاعلن

ومن قصيدة لصاحبكم كاتب هذه السسطور , تحت عنوان (يا بصرة البصائر النائحة)، هذان البيتان:

كمْ منْ خرابٍ ودمار ٍمضى **** والنـّاسُ في أحزانها سارحة ْ

كمْ منْ خرا بنْ ودما رنْ مضى*** ونْ نا سفي أحْ زانها سارحة

مستفعلن مفـْتعلن فاعلن *** مستفعلن مستفعلن فاعلن

/ه/ه//ه /ه///ه /ه//ه *** /ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه

العروض 322 312 32 *** 322 322 32 الرقمي

النظام (- - ب -) (- ب ب -)(- ب -) *** (- - ب -)(- - ب -)(- ب -) المقطعي

كما ترى التفعيلة الثانية في الصدر اعتراها زحاف الطي .

لاتجزعي سلواكِ في حكمةٍ**** دنيا الورى غـــادية ً رائحةْ

لاتجْ زعي سلْ وا كفي حكْ متن *** دنْ يل ورى غا ديتن رائحة

مستفعلن مستفعلن فاعلن ** مستفعلن مفـْتعلن فاعلن

التفعيلة الثانية في العجز أصابها الطي، وعلى العموم الضربان السابقان هما المشهوران .

الضرب الثالث أصلم (فعْلن):

وما الأصلم إلا ما حذف وتده المفروق، كـ (مفعولاتُ)، عندما تتجرد من (لات)، فتبقى (مفْعو) ,فتتحول عروضياً إلى (فعْلن)، ولا ضير في الوزن عند التحول، والأصلم ما ذهب وتده كلّه تشبيهاً بالإصطلام (7) , ومثاله:

تأنَّ في الشّيء إذا رمتهُ ***لتـُدركَ الرّشدَ من الغيِّ (8)

تأنْ نفِشْ شيْءإذا رمتهو ***لتدْركرْ رشْدمنلْ غيْيي

مفاعلنْ مفـْتعلنْ فاعلنْ ***متفـْعلنْ مفـْتعلن فعْلنْ

دخل زحاف الخبن - وهو حسن - تفعيلتي (مستفعلن) الأوليتين، وزحاف الطي - وهو صالح - (9) تفعيلتي (مستفعلن) الثانيتين في صدر البيت وعجزه .

2 - العروض الثانية مخبولة (الطي + الخبن) مكشوفة (فعلن):

الخبل زحاف مركب تعرفه، يشمل زحافي الخبن والطي، إذا وقعا في نفس التفعيلة، (مفعولات)، فالخبل حذف حرفي (الفاء والواو)، فتصبح (معُلاتُ)، ثم تُكشف بحذف (التاء المتحركة)، فتبقى (معُلا)، فتتحول عروضياً إلى (فعِلن)، ولهذه العروضة ضربان:

الضرب الأول مثلها (فعِلن) , ومثاله:

سبحانَ منْ لا شيْءَ يعـْدلـُهُ *** كمْ منْ غنيٍّ عيْشهُ كدرُ

سبْحانمنْ لاشيْءَيعْ دلهو *** كمْمنْ غنيْ ينـْعيْ شهو كدرو

مستفعلن مستفعلن فعِلنْ *** مستفعلن مستفعلن فعِلن

الضرب الثاني أصلم (فعْلن):

والأصلم عرفته سقوط الوتد المفروق من (مفعولات)، وتبقى (مفعو)، فتتحول إلى (فعْلن)، ومثاله:

منْ أصبحتْ دنياه غايتهُ*** كيفَ ينالُ الغاية َ القصوى

منْ أصْبحتْ دنياهغا يتهو *** كيْ فينا للـْغايتلْ قصْوى

مستفعلن مستفعلن فعٍلن *** مفـْتعلن مستفعلن فعْلن (10)

التفعيلة الأولى من العجز أصابها زحاف الطي .

3 - العروض الثالثة مشطورة موقوفة وزنها (مفعولان):

مشطورة تعني البيت يتشكل من ثلاثة أجزاء، والضرب هو العروض نفسها، أما موقوفة،فكما عرفت إيقاف حركة التاء في (مفعولاتُ)، فتصبح (مفعولاتْ)، فتتحول إلى (مفعولان)، ومثاله:

يا صاح ِ ما هاجكَ منْ ربْع خالْ

مستفعلن مفـْتعلن مفـْعولان (11)

التفعيلة الثانية، أصابها زحاف الطي، وهو صالح .

4 - العروض الرابعة مشطورة مكشوفة (مفعولن):

وكشفت أي حذفت التاء المتحركة من (مفعولاتُ)، فاصبحت (مفعولا)، فقلبت إلى (مفعولن)، لأسباب:

عروضية، ولا يتغيرالوزن، والضرب هنا العروضة نفسها، ومثاله:

يا صاحبي رحْلي أقلاّ عَذلي

يا صاحبي رحْلي أقلْ لاعَذلي

مستفعلن مستفعلن مفعولن

وذكرنا أثناء التطرق إلى أعاريض وأضرب،وحشو هذا البحر، جميع الزحافات والعلل، ولا داع ٍ للإعادة، ولكن من المفيد أن نذكر:

أولاً - لكي لا يلتبس الأمربين الرجز التام المطوي المقطوع: (مستفعلن مستفعلن فاعلن) مكررة مرتين، وبين السريع التام المطوي المكشوف أيضاً: (مستفعلن مستفعلن فاعلن) مكررة مرتين , منعوه على الرجز، وأبقوه للسريع (11)، والسبب على ما يبدو لي، أنّ القطع يستوجب خطوتين حذف الساكن السابع من (مستفعلن)، وإسكان ما قبله، بينما في الكشف (الكسف) يتمُّ بخطوة واحدة، هي حذف آخر الوتد المفروق (مفعولاتُ)، وآتى الطي من قبلُ على التفعيلتين، والنتيجة واحدة تصل الى (فاعلن).

ثانياً - قد يلتبس الأمر أيضا بين (الكامل) و(السريع)، كيف..؟ أنت تعرف تفعيلة (الكامل)هي: (متفاعلن)،ومن الحسن إضمارها بتسكين التاء، فتُحول عروضياً إلى (مسْتفعلن)، أو طيّها بحذف ألفها فتصبح (متـْفعلن ــ> مفـْتعلن)، أو يعتريها الوقص، فتحذف التاء، فتتولد (مفاعلن)، إذا سارت القصيدة على هذا المنوال، واختفت منها (متـَفاعلن) تماما، تحسب من السريع، أمّا إذا وردت (متـَفاعلن) واحدة فقط في القصيدة كلـّها، يحسم الأمر لصالح (الكامل)(13)، فهذه التفعيلة تخصّه وحده ,وتطرّقنا إلى مثل هذا عند كلامنا عن (الرجز) .

السريع في الشعر الحر:

عندما يستعمل الشاعر البحر السريع في الشعر يجب أن يختم شطره بـ (فاعلن)، لأن إذا استعمل (مستفعلن) لوحدها، أصبح البحر رجزاً، وهذه تفعيلة الرجز، بينما تمعن كيف استعمل بدر شاكر السياب البحر السريع في هذا المقطع:

في ليلة كانت شرايينها

في ليلتن / كانت شرا / يينها

مستفعلن / مستفعلن / فاعلن

فحماً وكانت أرضها من لحود

فحمن وكا / نت أرضها / من لحودْ

مستفعلن / مستفعلن / فاعلان

يأكل من أقدامنا طينها

يأكل من / أقدامنا /طينها

مفْتعلن / مستفعلن/ فاعلن

تسعى إلى الماء

تسعى إللـ / مائي

مستفعلن / فعْلن

مفتعلن من جوازات مستفعلن

فاعلان، فعْلن من علل فاعلن، والعلل غير ملزمة في الشعر الحر

أطلنا الحديث عن (السريع)، لأنه سريع، والإطالة تطويع !!

 

كريم مرزة الأسدي

.........................

حذفت أرقام الصفحات.

(1) راجع ابن جني: كتاب العروض - ص مصدر سابق.

(2) د . عبد العزيز شرف وزميله: النغم الشعري عند العرب ص مصدر سابق .

(3)ابن جني: المصدر السابق ص الهامش 1 ,الخطيب التبريزي: الكافي ص .

(4) بعض المصادر تجعلها (مكشوفة)، الكافي: الخطيب التبريزي ص، المفصل: عدنان حقي ص، كتاب العروض:ابن جني ص، وبعضهم يذهب الى أنها (مكسوفة) من كسفت، راجع د. صبري ابراهيم السيد: اصول النغم في الشعر العربي - 1993 - دار المعرفة - الأسكندرية ص، د. جميل سلطان: كتاب الشعر المكتبة العباسية - المقدمة 1970- ص، السيد أحمد الهاشمي: ميزان الذهب ص وغيرها .

(5) الخطيب التبريزي في (الكافي) ص يعلل قائلا "سمي مكشوفاً, لأنّ أول الوتد المفروق على لفظ السبب، غير أنّحصول التاء بعده يمنع أن يكون سبباَ، فإذا حذفت التاء فقد كشفته،وجعلته سببا خالصاًَ، لأن كون التاء فيه، كان يمنعه من أن يكون سبباً "

(6) الردف يعني وجوب مجيء حرف لين ساكن أو حرف مدّ قبل الروي، سنأتي على ذلك في علم القوافي ,وفي مثالنا (عراق)، حرف القاف الروي، والألف قبله الردف، والألف حرف مد.

(7)التبريزي: المصدر نفسه ص .

(8) الهاشمي ..سيد أحمد: ميزان الذهب ص ، البيت استشهد به الهاشي، ولم يكن تقطيعه دقيقاً، ولا تفعيلات زحافاته صحيحة، فيها خلط. ولكن يجوز في زحاف الخبن لـ (مْستفـْعلن), بعد حذف السين، أنّ نكتبها على صيغة (متفـْعلن) أو نحولها لسهولة اللفظ إلى (مفاعلن)، والصيغتان صحيحتان .

(9)راجع د سيد البحراوي: العروض وإيقاع الشعر العربي ص مصدر سابق

(10) الهاشمي: ميزان الذهب ص

(11) د. جميل سلطان: ص المثال.

(12) يذكر صاحب (المفصل) ص، ذلك بشكل موجز، وغير دقيق.

(13) د.جميل سلطان: ص تطرق إليها بشكل مختصر.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم