صحيفة المثقف

الانفاق المظلمة بداية التشكيل ونهاية التمثيل

رائد عبيسالانفاق المظلمة هي نظرية فيزيائية نُدرسها في مادة فلسفة العلم، وان لم تكن إحدى مفردات المنهج، ولكن ندرسها كمادة إضافية يدفعنا نحوها الفضول المعرفي.

وهي نظرية تذكرني بمقولة علي ابن ابي طالب (سلوني عن طرق السماوات فإني أعرف بها مني بطرق الأرض)، ولكن الإمام لم يُسأل حينها عن شي ! فقد سؤل عن شيء بعيد عن ذلك!

وبما أن طرق السماء لا يوجد فيها طريق بري ولا طريق بحري، يوجد فيها طرق جوي فقط، وهذه الطرق وكما تحدثت عنها الفيزياء، انها على شكل انفاق مظلمة تنقلنا من سماء الارض الى سماء الكون، أو إلى ما بعد سماء الكون و فضاءه.

لماذا قال الامام ذلك أني اعلم بطرق السماء من الأرض؟ هل أنها طرق سالكة وغير وعرة أو معرقلة كطرق الأرض وعقباتها؟ ام أنها تتضمن بعداً معرفياً ؟ هل يعني ذلك أن طرق عالم الارض اكثر صعوبة من تلك الطرق السماوية أو الفضائية؟

في عالم السياسة والخلافة - وأقصد هنا خلافة الارض بشكل عام لا خلافة إمارة ما - يبدوا أن الطرق اكثر ظلامية وصعوبة من طرق السماء، إذ أن طرق السماء تخلوا من كل معرقلات الوصول من خلالها، لا فتن، لا حروب، لا اتهامات، لا تسقيط، لا تكذيب ولا خذلان أو انقلاب أو غيرها. كل هذه المعوقات والعقبات موجودة في طرق الارض التي تمثلها السياسة بوجهها العام، إذ باتت حتى الطرق الأرضية والجوية لعالم الارض مسيطر عليها، ومتحكم بها وفيها قوانين، وأنظمة، وضوابط، وحواجز، وعقوبات وغيرها،اما طرق السماء وأقصد تلك الانفاق أو الدروب او الطرق التي تحدث عنها الامام لا يَعيقنا فيها غير قوانين الفيزياء، ومعادلاتها والتي تحتاج إلى بصيرة لا بصر، غير وسيلة طرق الارض، إذ إنها تخلوا من كل علامات دالة أو ارشادات مرورية أو تحذيرات أو سيطرات وبوابات، هذه هي السياسة عندما تتدخل في شيء تحول كل دروبه الى إنفاق مظلمة، ونظرية الانفاق المظلمة المختصة بالفضاء يجب أن تكون موضوعة ونظرية خاصة بعالم الأرض، لأن دروب عالم السياسة فيه، والمسيسة لحياة البشر كلها دروب وأنفاق مظلمة، كالتي يستخدمها الإرهابيون في الارض لتعتيم الحياة أكثر بأفعالهم الشنيعة.

فالسياسة تعتمد على الدهاء، ومقولة علي بن ابي طالب (وما معاوية بادهى مني، ولكنه يغدر ويفجر) بالتأكيد أن الغدر والفجر هما من امراض النفس الفاسدة، ويتضح من هذه المقولة أن دروب السياسة الفاسدة، تنبع من فساد النفس، وان النفس الفاسدة هي من تجعل الفرد على ما يبدوا أكثر دراية بدروب الأرض ومسالكها_ ونقصد هنا ليس دروب جغرافية_ بل دروب سياستها وخلافتها التي تنطوي على دعاء وحياة ومخادعة.

بهذه العبارة ندرك كيفية تقييم سياسي العراق، وكيفية اتخاذهم الدروب السياسية التي كشفت عن كل أمراضها وعللها وخبثها، فهم اقرب ذلك إلى معاوية، فصفات الغدر والفجر تحققت بفسادهم الذي دمر البلاد والعباد، وهذا ما اعترف به بعضهم،ولكن هل يتراجع هذا البعض عن هذا الطريق؟! السياسة لا تطيع النقاء وهي غير مروضة للعدل والحق والانصاف بعد! لان المسالك السياسية والدؤوب المؤدية إلى الحق والعدل والانصاف لم تكتشف بعد، ولم تكتشف الا من له بصيرة كبيرة اكتشاف الانفاق المظلمة والتي نجح بها الغرب اكثر منا !

ساسة العراق اتخذوا طرق وعرة جدا في تطبيق مبادئ سهلة جدا، اتجهوا نحو الجبال والوديان وتركوا البسيطة والبسطاء، والفقراء، انشغلوا بإرضاء عدوهم حليفهم، وتركوا إرضاء صديقهم وأخوهم، فكروا بدروب الفساد لا دروب السياسة الحقة، فكروا بدروب سياسة المكر والغدر بينهم، ونسوا طريق الحق المنتج لسياسة الحق، بهذا الميل نحو دروب الظلام ضاع الانام، والناس نيام لا يدركون سوى الغمام ووسائل الانتقام !

قد ضلل بهم كل طرق نجاتهم،وبقوا في تيه دائم لخراب قائم حتى ظهور القائم الذي تمثل به حتى نابليون بونابرت عندما أمر الأزهر بعد احتلاله لمصر أن يعترف به على أنه هو الامام المهدي الذي ينتظره العالم! وهذا يعني أن سياسيي العالم من غير عالمنا الإسلامي قد فقهوا الأمر وأدركوا ان السياسة تدار بالبصيرة لا بالحيرة والحيلة، وهذا ما يفسر التيه السياسي الواضح عند الطبقة السياسية الجاهلة بكل دروب الخلاص!

فساستنا استشعروا هذا التخبط وأدركوا انعدام قيمتهم أمام الشارع العراقي؛ لأن مسالكهم السياسية ودروبهم اصبحت شبكة غير مقبولة مع دولة الجوار، ودول إقليمية، ودولية، فهذه الدروب السياسية لم تعد محلية ولم تعد مُعدة لمسالك المحليين، بل باتت مسالك لكل من طمع بخيرات العراق، ففساد الطبقة السياسية الحاكمة وأحزابها عبدت كل الطرق والانفاق والدروب لخدمة مشروعها الفسادي، وهذا ما تحقق عيانيا في الواقع عندما تجد أن جامعاتنا ومدارسنا ومستشفياتنا، كلها خربة ومؤسسات هذه الأحزاب عامرة، تدرك حينها أن الدروب والانفاق الذي ادخلوا أنفسهم بها هي دروب اهلاك لأنفسهم ولمجتمعهم، ولكنهم لا يدركون ذلك ولا يبالون، قد اختاروا ذلك التيه بقناعاتهم وعبدوا طرقه بإرادتهم، فكانوا للخراب اقرب منه للأعمار وللتخبط اقرب الى التخطيط، هذا حال من يفقد بوصلة النور ويختار بوصلة الظلام ومسالك غيره التي تنتهي به إلى طرق متاهة لا خلاص.

متى يدرك ساسة العراق أن انفاقهم المظلمة قد انتهت بهم إلى تحولات سياسية اكثر ظلاما واشد تيها!

بالأمس القريب أعلن عن تشكيل سياسي جديد تحت عنوان المنبر العراقي، وكأنما العراق منصة للخطابات الجوفاء التي تجود بها عقولكم الفارغة من هم الوطن وأهلة، لن تكونوا لنا ولن نكون لكم، ما دمتم لا تشاركوننا همومنا الوطنية والإنسانية. فتشكيلاتكم الجديدة هي من تعبر عن بداية لتلك الانفاق المظلمة، وخطوة جديدة نحو انعدام المعرفة السياسية التي تحتاج الى بصيرة لا منبر ولا منصة صغيرة.

اتمنى لساستنا انفاق منيرة !!!

 

دكتور رائد عبيس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم