صحيفة المثقف

المثنوي قرآن فارسي (1-2)

احمد الكنانيمقدمة ديوان المثنوي والتي كتبها مولانا جلال الدين الرومي بالعربية تنعت الديوان بصفات تكاد تجعله وحي السماء الى البشر، هو نور مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، يشرق اشراقا أنور من الاصباح، هو عين تسمى عند أبناء السبيل سلسبيلا وعند أصحاب المقامات والكرامات خير مقاما واحسن قيلا .. الابرار فيه يأكلون ويشربون، هو كنيل مصر شراب للصابرين وحسرة على آل فرعون والكافرين، ... يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا، وانه شفاء الصدور وجلاء الاحزان، بأيدي سفرة كرام بررة، يمنعون بأن لا يمسه الا المطهرون تنزيل من رب العالمين، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والله يرصده ويرقبه وهو خير حافظا وهو ارحم الراحمين ...

ومن المعلوم ان هذه الصفات هي ذات الاوصاف التي ذكرها القرآن للقرآن ذاته، والغريب ان مولانا جلال الدين لم يكتف بتلك الصفات بل زاد عليها قوله: وله القاب اخر لقبه الله تعالى بها، اقتصرنا على القليل، والقليل يدل على الكثير، والجرعة تدل على الغدير، والحفنة تدل على البيدر الكبير ...

اذن هو يستشعر  خلود كتابه واهمية موقعه للسالكين، وانه قرآن المتصوفة والعارفين، نظرا للتجربة الروحية التي عاشها خلال فترة اللقاء التاريخي بشمس الدين التبريزي وما بعدها حيث جعلت منه سالكا طريق العارفين وداعيا له بالحكمة والموعظة الحسنة بشعر مثنوي لا يخفي كونه وحيا يوحى اليه، وان هناك قوة مسيطرة توحي اليه يشير اليها في ابياته ب " هو" على ما سياتي توضيحه ... اذن هو قرآن بلغة فارسية عذبة.

والظاهر ان مقولة "قرآن بلغة فارسية " كانت ومازالت شائعة وغير مستهجنة من الادباء والمتصوفة بل حتى ممن ينتمي الى طبقة رجال الدين، فهناك شاهد تلو شاهد على ذلك :

ينقل عن الشيخ البهائي (وهو من كبار علماء الشيعة في أصفهان زمن الدولة الصفوية) شعرا في مديح مولانا جلال الدين ما ترجمته العربية: اني لم اقل عن مولانا انه نبي الا انه صاحب كتاب، والمثنوي كالقرآن يهدي بعض والبعض الاخر يضل:

من نمی گویم که آن عالیجناب        هست پیغمبر ولی دارد کتاب

مثنوی او چو قرآن مدل               هادی بعضی و بعضی را مضل

وبهذا المعنى رويت ابيات لعبد الرحمن جامي الشاعر والمتصوف الإيراني .

وكذلك اقبال لاهوري يمتدح الرومي في قصيدة طويلة أوردها في " اسرار خودي" يثبت أيضا ان مولانا بلغة فارسية ويسميها حرف بهلوي قد كتب القرآن :

روی خود بنمود پیر حق سرشت    کو به حرف پهلوی قران نوشت

في كتاب "مناقب العارفين" لشمس الدين الافلاكي قصص عن المقربين للمولوي بهذا المضمون، وكتاب الافلاكي هذا هو الكتاب السَّيَرِي الأكثر طولاً وتفصيلاً في كلِ ما يتعلق بسيرة الرُّومي وآبائهِ الرَّوْحيين وتلاميذه ومُرِيدِيه . بدأ الأفلاكي في كتابة مناقِب العارفين في قُونِيَّة محل إقامة مولانا جلال الدين في عام 718هـ، 1318م بدعم وتشجيع من اولو عارف الجلبي حفيد الرومي، واستمر في تنقيح الكتاب وتوسيعه فترة طويلة جَمَع فيه مرْويَّات سيِرته عن طريق الُمشَافَهَة من أشخاص أحبُّوا مولانا واتَّبعوا طريقته التي أبْرَز ملامحها ابنِه سلطان ولد .

ينقل الافلاكي قصة لطيفة احد ابطالها هو ابن الرومي سلطان ذاته عندما تعرض للاحراج نكاية بوالده وان ديوانه المثنوي هو قرآن قرين بقرآن المسلمين! وسلطان كان يرد على المنتقدين بأن ديوان والده هو تفسير للقرآن وليس قرآنا، فوصلت الحكاية الى مولانا جلال الدين، وفي لحظة سكون انفجر موبخا ابنه: اي سگ! چرا قرآن نباشد؟ اي خر! چرا نباشد:

أيها الكلب أيها الحمار ولِمَ لا يكون !!

ومن طرائف هذا الكتاب يذكر قصة حصلت لمولانا عند ذهابه للصلاة بمعية صدر الدين القونوي وعند شروع الصلاة بدأ الامام يقرأ سورة " يا أيها الكافرون .." في الركعة الأولى وكررها أيضا في الركعة الثانية، حينها يلتفت مولانا لصدر الدين ويقول له المعنى بسورة الكافرين الأولى هو انت وفي الثانية انا، فنحن الكفار بنظر امام الجماعة ...

ويظهر ان خلافا في الرؤى بين المولوي وصدر الدين انجرعلى تلامذة صدر الدين فكانوا يكيلون للرومي التَهم وان المثنوي هو قصص واساطير ولا يحوي شيئا مهما، والرومي في جواب هؤلاء ينشد قصيدة في القسم الثالث من المثنوي يوبخ المنتقدين بأشد التعابير ليس ذاك التلميذ فقط حيث يصفه بعدم الفهم وانما يعمم الصفة لكل مدرسة القونوي بأنها مكان للحمير:

خربطی ناگاه از خرخانه‌ای           سر برون آورد چون طعانه‌ا

از مقامات تبتل تا فنا                   پله پله تا ملاقات خدا

کودکان خرد فهمش می‌کنند          نیست جز امر پسند وناپسند

والقصيدة طويلة يذكَر بها الرومي منتقديه بان المثنوي كُتب بلغة سهلة يفهمها حتى الأطفال الصغار من دون ذكر اسرار المقامات ومراحل العارفين والتي تبتدأ بخطوة تتبعها خطوات للوصول الى لقاء الله .

والحق ان المثنوي كذلك سهل المنال سلس العبارة واضح الفكرة وقصص وعِبر نابعة من الواقع المعاش، ثم هي فرصة للمولوي للتشبيه بين المثنوي والقرآن واشتراكهما في ذات الشكوك وأنهما اساطير الاولين:

چون کتاب الله بیامد هم بر آن          این چنین طعنه زدند آن کافران

که اساطیرست وافسانهٔ نژند           نیست تعمیقی وتحقیقی بلند

 

احمد الكناني

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم