صحيفة المثقف

سريرالجدة

صحيفة المثقفأنهكت الأمراض الجدة لوتها مثل "نابور"العنب الطري.. تراكمت عليها بعد عمر قضته بالجد والاجتهاد . سلكت طريقا سريعا لانجاز ما عليها انجازه ولذا انتقمت منها السنون التى قفزت فوقها قفزا هازئة بالتؤدة والصبر وانتظار انفراجات الأزمات بالتأني . لذا كان انتقام السنين منها نموذجيا فقضت عليها بلزوم فراشها لسنوات استطالت وامتدت وما انتهى أوانها . كانت الأُسرة التي أنجبت وربت تهتم بها اهتماما جما وعوملت بوقار ورأفة كأميرة . لم يعد للجدة من عمل سوى الكلام والذي به كانت توجه البراعم الناشئة كما تظن وتعلمها كل ما علمتها الحياة لم تكن تدري إن ذلك أصبح " موضة " قديمة ولم يعد أحد يبالي بما تقول ولو إنها كانت تعلم مسبقا ً وبلا ريب إن النصيحة غالباً هي شيء مما لا يؤخذ به .. ربما لأنها مجانية فهي إذن بلا قيمة فعلية ولا فاعلة . اعتنى بها الجميع غير إن للزمن تقلباته وللدهر تغيراته ولكل شيء أوان ... بداية أو نهاية . عبر ارهاقات أوجاعها تحول كلامها الى تمتمات مبهمة وآهات مكتومة وربما عرت ذهنها الذي خبا كشمعة قاربت الانطفاء أخيلة وظلال وخفايا . ثم كبر الأحفاد وأنجبوا وجرفتهم الأعمال الانشغالات والمسؤوليات العديدة المنبثقة من حنايا التطور الحضاري المنجز والذي اقتضى منهم اهتماما متزايدا بنواح أُخرى لم تألفها الأجيال المنصرمة قبلهم . فتشعب الزمن في أرواحهم ووجدانهم وانقسمت أيامهم و ساعاتهم مزقا بين حرب وحرب بين أزمة وأُخرى بين اختراع وآخر فكان عليهم حتى يواكبوا كل هذا حتى يكونوا حاضرين في الزمن الذي يعيشون كان عليهم أن يقلصوا بعض اهتماماتهم السابقة بل عليهم أن يحذفوها من جذورها وينزعوها جباً حتى من مذكراتهم ومن أعماق نفوسهم ألغوا من جداول أعمالهم نزهاتهم رياضاتهم الألعاب الجسدية الحركية مطارداتهم الشعرية حلّ الألغاز القراءة الورقية ليالي السمر وكذلك ألغوا الاهتمام بالجدات ..... الى غير ذلك وهنا اخترع المولع جدا بالاطلاع على ما تقدمه الوسائل الالكترونية من قراءات وصور وتواصل اجتماعي بديل ..... حفيدها الأصغر اخترع سريرا من نوع جديد ذا تهوية بسيطة وخافية نقل اليه الجدة , كان السرير ذا طابقين أعلاهما مكشوف وجميل ومفرشه موشى طرزته أمه قبل عمليات الاستيراد العمياء وقبل اختراع نماذج الحاسبات الالكترونية طرزته بورود جميلة ملونة بارزة لا تتسم بالكمال - كما كل عمل غير آلي - وكانت وسادته من ريش الطيور صنعتها الجدة مع ما صنعت في جهاز عرسها والتي لا ترضى عنها أبداً بديلاً والتي طالما اصطحبتها معها كلما سافرت لأيّما ركن من بلاد الله الواسعة الجميلة . أما الطابق السفلي من السرير فهو مجرور ضخم حاولوا جعله وثيرا بلوح من الإسفنج ضخم ذي ضغط عال فوقه مفرش من قماش ملون بألوان صاخبة ومجنونة فاض هذا المفرش عن حاجة استعمال الاسرة وتنافر مع أذواقها ومفضلاتها فصار للجدة هذا الطابق السفلي كانت الجدة تنام فيه غالب لياليها ونهاراتها وتتناول فيه وجباتها وأدويتها وحقنها ما لم يحضر الى البيت ضيف أو يستدعى طبيب .

 

سمية العبيدي / بغداد

..............................

1- نابور باللهجة العراقية / محلاق جمعها محاليق جزء نباتي لولبي يثبت به نبات - لا ينمو عموديا - نفسه الى سياج أو صخرة أو ساق نبات آخر نرى النابور في الكرمة والخيار وغيرهما. .

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم