صحيفة المثقف

اسـتحضار وتوظيف الشخصيات الأسطورية في تيممي برمادي للشاعر يحيى السماوي

داود سلمان الشويليمن القضايا المهمة في الشعر العربي المعاصر، خاصة في المجموعة الشعرية التي نحن بصدد دراستها، هو إستلهام الأسطورة - وخاصة الشخصيات الأسطورية - فيها كعنصر شعري متماسك في بنية القصيدة، مندمجاً فيها، ويساعد عناصر القصيدة الأخرى في تبيان وتوضيح صورها، وحمل ما توحي به تلك العناصر من صور شعرية . انها إندمجت في نسيج القصيدة ذاتها .

والأسطورة هي رمز لغوي غير شعري، إلآ انها تصبح شعرية عندما يستخدمها أي شاعر بطريقة شعرية قادرة على توصيلها الى المتلقي كواحدة من عناصر القصيدة الناضجة .

وتعيدنا أشعار يحيى السماوي (وهو يقترب من عامه السبعين – ص73 . والذي قال في قصيدة " ندى من جمر": خدعتني صهوة اللذة في مضمارأحلام الشباب (ص 90) الى الزمن الجميل في الشعر العربي المعاصر، على أقل تقدير. الى حيث الرومانسية المحببة والجميلة . فكان نزار قباني، وكانت الأشعار الأولى لبدر شاكر السياب، وكان الشاعر الناصري رشيد مجيد . وغيرهما . الى ذلك النَفَس الذي نشم منه اشتياق المحب لحبيبته، والمعشوق لمعشوقته . فكان السماوي يعيدنا الى كل تلك الأجواء الرومانسية بعد أن أُشبعنا شعراً تفوح منه الإيدولوجية والنفَس السياسي . فبتنا نتجرعه على مضض، حتى غاب عنا الشاعر العربي القديم حتى ستينيات القرن الماضي في لجة جمهرة أولئك الشعراء المتأدلجين والمسيسين بإمتياز.

في هذه الدراسة سنقدم المجموعة الشعرية للشاعر يحيى السماوي المعنونة (تيممي برمادي) التي تضم أربعين قصيدة، توظف فيها مجموعة من الملامح الإسطورية، كالشخصيات الأسطورية مثلاً، ومعرفة كيف تعامل الشاعر مع تلك الشخصيات الأسطورية في قصائده .

ان الشخصيات الأسطورية خاصة تعد رمزاً أسطورياً يتقنع به الشاعر، لهذا فهو يختار الشخصيات التاريخية التي أصبحت كالأسطورية، أو الشخصيات الأسطورية التي تمنح قصيدته طاقة شعرية مضافة، وهذه الطاقة المضافة تضاف الى عناصر القصيدة الحيوية، فتولد القصيدة وهي قوية التأثير، متماسكة، متجانسة .

70 yahiaasamaw1550

أولاً - الشخصيات الأسطورية:

عندما يوظف الشاعر إسماً ما نشمُّ منه أسطورة قد طالعناها خلال قراءتنا العامة، فإن توظيفه هذا لم يكن من باب الترف الشعري، وإنما هو من باب بلاغة الإستخدام لهذا التوظيف، حيث يضفي على أفكار القصيدة جواً يُشعِر المتلقي بسعة الأفق الفكري والبلاغي والجمالي .

في الكثير من الاحيان تشترك بعض القصائد في موتيفة واحدة أو أكثر، بين أنْ تتناص مع نص قرآني، أو تكون موتيفة من أسطورة ذكرت قبل أن تذكر في القرآن، مثل: التناص مع القرآن بقصة آدم خاصة بما له علاقة بالتفاحة التي لا يذكرها القرآن، حيث تكون هذه القصة أسطورة قد ذكرتها الكثير من الحضارات، كالسومرية، والآشورية، والبابلية، والكنعانية .

يقول السماوي في قصيدة " تفاحة نعمى ":

* تفاحة الأمس البعيدِ

رَمَت بـ "آدمَ "

خارج الفردوس .

في هذه القصيدة وظف الشاعر، لا شعورياً كما تذهب الدراسة الى ذلك، أسطورة آدم وتفاحته التي أكلها هو وحواء فأخرجتهما من الجنة.

***

ذكرنا أن الشاعر السماوي قد استحضر بعض الشخصيات الأسطورية التي وصلتنا من الحضارات القديمة، مثل:

- " اينانا" ص31: التي استدعيت من الأسطورة السومرية، حيث كانت آلهة الحب والجمال في السماء، فوظفها السماوي في قصيدته محذراً منها:

* واحترس

من غضب النحلة

إن خنت شذى وادي زهور اللوز

واحذرْ

إن اينانا إذا جزت مداها

تُمسك الماء عن الحقل

وتُظمي جدولكْ .

***

- سيزيف ص 86: هذا الذي تحمّل عقاب كبير آلهة الإغريق، بأن حمل على ظهره صخرة وراح يصعد بها الجبل، وقبل الوصول الى القمة تسقط لتتدحرج الى الوادي، فيعيد المحاولة ثانية، وهكذا استمر في إعادة المحاولات:

* لا بد لي من صخرةٍ

لأكون

سيزيف الجديدَ

وليس من بحر وأشرعة

فأبتدئ الرحيلْ.

فإذا كان سيزيف الأسطورة يرتقي الجبل وعلى ظهره صخرة كبيرة، فإن الشاعر يرغب بسيزيف جديد يمخر عباب البحر وعلى ظهرة الصخرة نفسها، إلآ أنه لا بحر و لا أشرعة . فالرحيل صعب مثل صعود الجبل بالنسبة الى سيزيف القديم، ولا أن يمخر البحر لسيزيف الجديد، لأن لا بديل للعراق .

***

وقد استلهم الشاعر من استحضاره جو الأساطير في " الف ليلة و ليلة "، وكذلك ما يمنحه إسم " شهرزاد " و "شهريار " و " السندباد "، من معنى مضافاً للمعنى العام للقصيدة، وتوسع آفاقها في ذهن المتلقي.

- "فشهرزاد " ص8: هي الملاك السومري، ونحن نعرف قصتها كاملة:

* تغدو الملاك السومرية "شهرزادَ "

تقصُّ بالقبلاتِ لي

قصصاً .

- و" شهريار " ص 12، ص9 هو الآخر أيضاً نعرف قصته:

* فأنا بمملكة الملاك السومرية

"شهريارْ " . ص9

* ما دمت ليْ

ما حاجتي بكنوز قارونٍ

ومخدع شهريارَ وملك هارون الرشيدْ ؟ ص12

فكلاهما يشكلان عنصراً للغنى الذي ينكره الشاعر عند حضور حبيبته .

***

- السندباد ص86: هذه الشخصية الألف ليلية التي يستقبل مخاطره في البحر برحابة صدر .

* ما السندباد بغير أخطار البحار؟

ومَنْ "بثنيةُ "في قواميس الصبابة و الهوى

لولا " جميلْ " .

فالشاعر يتباهى بأن الأخطار التي واجهها السندباد في رحلاته لا تقف أمام ما واجهه الشاعر من أخطار في حبه .

***

ثانياً - الشخصيات الحقيقية التي اصبحت حياتها كالأساطير:

هناك شخصيات حقيقية مرت في التاريخ، وقد إشتهرت بمركزها أو فعلها، أو سلوكها، أو قولها، إلآ أنها اصبحت كالشخصيات الاسطورية من حيث انها قد قامت بأعمال أو أفعال ترقت فيها الى أن تكون أسطورية وقد استخدمها الشاعر في قصائده . من مثل:

- الخليفة هارون الرشيد: الذي في وقته أصبحت الخلافة العباسية هي العصر الذهبي للعالم، حتى باتت شخصية هارون الرشيد تصبح كشخصية أسطورية . وقد منحت القصيدة أفقاً واسعاً في ذهن المتلقي. يقول:

* ما دمت ليْ

ما حاجتي بكنوز قارون

ومخدع شهريار وملك هارون الرشيد ؟ ص12

فالشاعر غني بحبه لحبيبه .

***

- شن و طبقة ص122: وهما شخصيتان حقيقيتان كما جاء في المصادر التاريخية، إلآ انهما جرت لهما أحداثٌ جعلتهما يصطفان مع الشخصيات الأسطورية .

* إنني شن"

فكوني "طبقةْ" .

اذن هو يبحث عن التطابق الذي يبعثه أولئك الشخصيات عند ذكرهما مع حبيبته .

***

- الضليل ص 8:

* تغدو الملاكُ السومرية " شهرزاد "

تقص بالقبلات لي

قصصا

عن الضليل صارَ مؤذنا

ومبشرا بالعشب بادية السماوةِ

والربى بالاخضرارْ .

الشاعر هنا يوظف اسم " الضليل " وهو الشاعر أمرؤ القيس في قصيدته كمبشر بعشب بادية السماوة . هذا الشاعر صاحب المعلقة التي تفيض جنساً، والتي يذكر فيها مغامراته مع نساء كثيرات، وفوق ذلك ان حياته رحلة نحو الموت . هذا الظلم والقهر والأحزان التي مر بها بعد مقتل ابيه الملك، فإنه يبشر بالنماء والخضرة كما كان في عهده الأول .

***

- الحلاج . ص 116:

* دعوتُ

أن يورثني مصيرهُ

الحلاّجْ .

ان استحضار الحلاج في هذه القصيدة معناه التمني لأن يتماهى الشاعر في المصير نفسه الذي وصل له الحلاج، وهو مصير مأساوي .

***

- ابن عذرة ص9:

يستحضر – هنا - شخصية هشام ابن عذرة في قصيدته " ميلاد "، فيقول:

* منذ عام الفتنة الاولى

فأولد مرة أخرى

سليلاً لإبن "عذرة "

حاملاً قلبي على شفتي

أغني للمها والجسر

يتبعني السفرجل و القرنفل

والملائكة الصغارْ .

ان استحضار الشاعر لإبن عذرة والفتنة الأولى هو استحضار لما قام به هذا الأخير من ثورة في الأندلس عام (١٤٤ هـ/ ٨٥٨م) في مدينة طليطلة، فأحدث فتنة كبيرة، كما أحدث الشاعر هذه الفتنة عندما حمل قلبه على شفتيه وراح يغني .

***

- يهوذا و المسيح ص76:

* ان تكن في مذهب العشق يهوذا

فأنا

لست المسيح .

ان استحضار "يهوذا" و"المسيح" في القصيدة هو استحضار لمعنى العشق بين المسيح و يهوذا الذي يرفضه الشاعر، حيث تكون "القبلة" التي يقبل بها يهوذا المسيح هي علامة أمام اليهود لتدلهم عليه، والشاعر لا يريد أن يكون كذلك .

***

- يوسف ص85:

* وتمد حبلاً من ضفائرها لـ "يوسفها "الذي

ألقى به في بئرها عشق خرافيٌّ

تماهى فيه محراث وتنورٌ ..

وضليلٌ و ناسكةٌ ..

وصبحٌ والأصيلْ .

لقد كان يوسف وقصته كما وردت في القرآن هي القصة / الأسطورة المثلى التي وظفها أغلب الشعراء في شعرهم قديماً وحديثاً (راجع دراستنا المنشورة على أجزاء عن استلهام قصة يوسف في الشعر).

***

- جميل وبثينة س86:

* ما السندباد بغير أخطار البحار؟

ومن "بثنية "في قواميس الصبابة و الهوى

لولا " جميلْ " .

إن الشخصيات الحقيقية المذكورة في مصادرها التاريخية قد تحولت الى شخصيات شبه اسطورية بعد أن ذكر لها أفعالاً وسلوكاً غير طبيعيين، مثل " جميل وبثينة " العذريين . (من قبيلةعذرة) . فهما في سلوكهما الذي سلكاه في حياتيهما قد أحدثا ما يمثل خطراً في ذلك المجتمع الذي كانا يعيشان فيه .

***

ثالثاً - الاقوام والقرى الاسطورية:

- ثمود وسدوم ص152:

* عتّقني في طيشه أمسي

وعتقت غدي في غفلتي

فهل أنا "ثمود " أم " سدومْ " ؟

استدعى الشاعر في قصيدة " سهاد" اسم هذه القرية "سدوم "التي مذكورة في الديانات الابراهيمية الثلاث والتي عوقبت على أمر ما فخسف بأهلها، إلآ ان الشاعر لم يستدعِ معها أسباب الخسف، بل انه أعطى تأويلاً جديداً لأسباب استدعائها في قصيدته .

أما ثمود فقد اهلكهم الله لعصيانهم نبيهم صالح ,

القرية والقوم هما من الاقوام والقرى القديمة " المعتقة " . والشاعر ينفي أن يكون منهما رغم " تعتقه " .

***

وأخيراً، ان دراسة ظاهرة استخدام وتوظيف الأسطورة في شعر يحيى السماوي جاءت لمعرفة الرؤيا التي توحي بها هذه القصيدة أو تلك، وكذلك الموقف الذي تعبر عنه، وماهية الاسئلة التي تطرحها القصائد المستخدمة فيها الأساطير، وقد تعرفنا على كل ذلك في هذه الدراسة القصيرة .

 

داود سلمان الشويلي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم